لماذا لا يتحول التعليم إلى قضية سياسية وأمنية

الثلاثاء 2016/06/21
التحضير لمستقبل مجهول

القاهرة- على بعد حوالي 60 ميلا إلى الشمال من ميدان التحرير في القاهرة تقع مدرسة ثانوية تسمى “السجن”. وتبدو المدرسة كمربع مشوه من الخرسانة تملؤه فصول دراسية متهدمة، وتعاني المدرسة من الثقوب نتيجة للقدم والإهمال. ويمزح أحد المدرسين في إحدى قرى دلتا النيل الهادئة، حيث شبهها بأنها تبدو كالمشرحة. وقال “نحن لم نر ثورة هنا”. وأضاف “مات الكثير من آمالنا، بل تم قتلها”. وتعتبر محنة المدارس العامة في مصر مؤشرا بالغ الأهمية على مدى فشل الثورة المصرية.

ومن دون تعليم، يموت الأمل، ليس فقط في مصر بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وذكرت منظمة الأمم المتحدة أن الصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحرم أكثر من 13 مليون طفل من التعليم.

ولا تظهر هذه المعضلة فقط في سوريا واليمن اللتين تمزقهما الحرب، حيث يتم إهمال الشباب بشكل منهجي، بل تكثر أوجه القصور في البلدان المستقرة نسبيا مثل مصر والأردن. وتسير رداءة التعليم جنبا إلى جنب مع أزمة البطالة في المنطقة. وأفادت منظمة العمل الدولية أن الشرق الأوسط يملك أعلى معدلات بطالة الشباب في العالم في العام 2014، حيث بلغت النسبة 46 بالمئة من النساء العاطلات عن العمل و24 بالمئة من الرجال.

ويجعل هذا المزيج السام من ضعف التعليم والبطالة المرتفعة الملايين من الشباب عالقين في نوع من العذاب يسميه ديان سينغرمان، وهو أستاذ في الجامعة الأميركية بالقاهرة “ويتهود” (الانتظارية). ويصف سينغرمان هذا المصطلح بأنه استمرار لمرحلة المراهقة التي يجب أن يتحملها الشباب حتى بلوغهم مرحلة الزواج، والتي هي بمثابة الطريق المؤسسي والثقافي لتحصيل الاعتراف المجتمعي، دون ذكر النشاط الجنسي.

الأسر المصرية تنفق أكثر من مليار دولار على الدروس الخصوصية للتعويض عن ضعف التعليم

وللأسف، تعتبر الحكومات والمؤسسات الدولية التعليم والبطالة من القضايا التنموية، وليست قضايا سياسية أو أمنية. وتمنح الولايات المتحدة لمصر 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية (في المرتبة الثانية بعد إسرائيل)، لكن تمنحها 250 مليون دولار فقط للمشاريع والبرامج المدنية. ومع ذلك، إذا لم يكن لدى الشباب المصري أمل ومنحوا فرصا، فإن المساعدة الأمنية لا تعدو أن تكون سوى إسعافات أولية.

ويعتمد الأمن على المدى الطويل على استعداد الحكومة لتوفير السلع والخدمات العامة الملائمة للناس. ويفترض متخصصون في التعليم أن الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي اشترطا لتقديم المساعدات العسكرية والمالية لمصر، فرض تدابير واضحة لسير العملية التعليمية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين مصر لأدائها في التصنيف العالمي.

وفي أحدث تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التنافسية العالمية، احتلت مصر المرتبة 139 من أصل 140 بلدا في نوعية التعليم الابتدائي. وبالإضافة إلى ذلك من شأن تغييرات أخرى، مثل الحد من الحاجة إلى الدروس الخصوصية والحد من تكلفتها، أن تحدث فرقا جوهريا في حياة المصريين العاديين. وفي منشية ناصر، أحد أفقر أحياء القاهرة، يدرس الشباب مثل أشرف خليل (18 عاما) للحصول على شهادة الثانوية العامة.

وتكشف نتائج هذه الشهادة الأشهر في مصر عن الفرق بين الجامعات المرموقة، و”المواطنين من الدرجة الثانية” في بلد يكاد يكون خاليا من الحراك الاجتماعي. وقال خليل وهو يقفز إلى حافلة صغيرة تقوده إلى مجمع سكني للأثرياء في مكان قريب حيث يعمل كبستاني “إن الأمور في الواقع أصبحت أسوأ منذ قيام الثورة”. ويحاول خليل توفير ما يكفي من المال لاستئجار معلم خاص لأبنائه قبل الامتحانات، بعدما أصبحت الدروس الخصوصية نظام التعليم الفعلي في مصر.

في أحدث تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التنافسية العالمية، احتلت مصر المرتبة 139 من أصل 140 بلدا في نوعية التعليم الابتدائي

واعترف بعض المدرسين سرا بأنهم يدرسون الحد الأدنى في الصف، حتى يتمكنوا من الاستفادة من نفس الطلاب في الدروس الخصوصية. وتفيد بعض التقديرات أن الأسر المصرية تنفق أكثر من مليار دولار على الدروس الخصوصية للتعويض عن ضعف التعليم، وهي التكلفة التي كثيرا ما تصل إلى حوالي ربع دخل الأسرة. ويمكن للحكومات الأميركية والأوروبية، والتي لها مصلحة حيوية في استقرار وازدهار البلدان في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، أن تجهز وتدعم اتحادات المستثمرين في القطاع الخاص.

وقبل بضع سنوات، أطلق المستثمر المصري أحمد الألفي مشروعا للتعليم الافتراضي يحمل اسم “نفهم”، في محاولة للحد من اعتماد البلاد على الدروس الخصوصية، إذ يوفر عرض الدروس من خلال أشرطة الفيديو التعليمية على شبكة الإنترنت. وتحظى الخدمة الآن بثقة 500 ألف مستخدم، ويستفيد منها حوالي 50 بالمئة من الشباب السوريين اللاجئين في البلاد، والذين هم خارج المدرسة.

لكن الألفي يقول إنه من الصعب إيجاد تمويل خارجي، وأنه ليس وحيدا. وفي أبريل الماضي، أطلق عبدالعزيز الغرير، رجل الأعمال والملياردير الإماراتي، أكبر صندوق للتعليم في العالم العربي، وقام بتخصيص 1.14 مليار دولار في شكل منح للشباب الفقراء في المنطقة. وذكرت ميساء جلبوت، المديرة التنفيذية لمؤسسة عبدالله الغرير للتربية، أنها تأمل في أن يقدم الصندوق منحا دراسية لـ15 ألفا من طلاب الشرق الأوسط على مدى السنوات العشر المقبلة.

وابتداء من سبتمبر المقبل، سيتلقى الطلاب مساعدة مالية للالتحاق بأهم أربع جامعات في المنطقة، كما سيتم تمويل الدراسة في الجامعات العالمية أيضا. لكن المبادرات الفردية وحدها لا تكفي. وتوضح جلبوت أن “الجهود يجب أن تكون منهجية ومؤسساتية. لا يوجد صندوق خاص واحد يمكن أن يعالج هذه المشاكل .. نحن في حاجة إلى تكاتف الجميع على ظهر السفينة كي لا تغرق”. ولكي يحدث ذلك، يجب أن تعتبر عملية تعليم الشباب في الشرق الأوسط بمثابة قضية استراتيجية، وأن تستحق نفس القدر من الاهتمام في السياسة الخارجية العالمية، مثل مكافحة الجماعات المتطرفة، ويجب أن تكون المنطقة مسلحة بالأقلام وليست بالسيوف فقط.

17