أفلام كرتون أرغمت الأطفال على مغادرة التجمعات الأسرية

سجلت العديد من الحوادث المؤسفة خلال الأعوام القليلة الماضية لأطفال حاولوا تقليد ما يحدث في أفلام الكرتون أودت بحياة بعضهم، وآخرون تم إنقاذهم في اللحظات الأخيرة.
ومن الأطفال من علق قدمي شقيقه الصغير من شرفة البلكون بحبل على أمل أن يأتي سوبرمان لينقذه كما يحدث في الكرتون، ولكن للأسف السوبرمان المفترض لم يأت ولولا عناية الله، ونجدة الجيران لسقط الطفل من ذلك العلو القاتل إلى الأرض. طفل آخر بالرباط في العاشرة من عمره شرب نصف علبة طلاء تركها والده مفتوحة، لكي ينمو له جناحان مثل حصان صوفيا، في كرتون “أميرة بين الأمراء”، وعندما عاد الأب ليكمل طلاء الجدار رأى طفله بين الحياة والموت، ولو لم يسعفه بسرعة، لفقده.
حوادث كثيرة حدثت بسبب ما رآه الأطفال في أفلام الكرتون اليابانية مثل “الديناصور اللطيف، الأسد الحارس، بادنيجتون ــ معرض الفن المزيف، وهالك وفريق القوة الخارقة”. وجميعها من إنتاج ياباني دُبلج إلى العربية. وأغلبها كرست في مضامينها السحر، والأبطال الخارقين، والتعامل مع الجن والملائكة، والقتل والسرقة، والانتقال في الفضاء بحرية، والمجرمون لا ينالون العقوبة، وبترجمة رديئة، ونقلت معتقدات دينية مختلفة.
وكلنا نتذكر مسلسلات غراندايزر وسانشيرو ومانغا، وشخصيات دراغون بول زاد، وشخصية كونان البوليسية التي أعادت صياغة شخصية شارلوك هولمز في سلسلة أفلام الأنيمي، التي أنتجتها شركة ” دايسوكي نايشيو” اليابانية، وقدمتها مدبلجة بالعربية شركة “الزهرة” السورية. هذه الأفلام وغيرها أثرت قبل عقدين في أجيال عديدة، ويؤثر حاليا ما أُنتج في السنوات القليلة الماضية من مسلسلات كرتون من قبل شركة طوكيو ديزني لاند بمحافظة تشيبا، ويونيفيرسال التي بدأت تعرض منذ العام 2014 ألعاب هاري بوتر السحرية، وأفلام الأنيمي، وألعاب فيديو العنف بمدينة بونغوتاكادا وتسوَّقُ كل ذلك للوطن العربي.
وافتتح قبل شهور قليلة متحف سنوبي طوكيو في منطقة روبونغي بالعاصمة اليابانية، لأفلام الكرتون الفكاهية، وعرضت في جانب منه مسلسلات الكرتون الهزلية إلى جانب العديد من الفعاليات كألعاب (Toys) وألعاب الفيديو.
الأفلام الكرتونية ترسم سقفا للمثل التي يتشبع بها الطفل الذي تكون مساحات كبيرة من ذاكرته بكرا غير مشحونة بعد
ويرى بعض الباحثين الفرنسيين من بينهم ميشيل سوشون في دراسة عنوانها “الطفل والتلفزيون” أن ما يتلقاه الأطفال في الأفلام الكرتونية لا ينطبق على الواقع، مما يسبب لهم فجوة في فهم الواقع، و سيعيشون بدلالات وهمية اسْتَقَوْها من هذه الأفلام، وكذلك ما يتلقاه الأطفال من مفاهيم لا تمت لواقعهم، كونها مُنتجة في بلاد أخرى، لها تقاليد مختلفة، مما سيتسبب في أزمة ثقة بمجتمعاتهم، وما يعيشه أهلهم من معتقدات.
وفي هذا الاطار يقول الدكتور عبدالوهاب الرامي أستاذ الإعلاميات بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط لـ”العرب” عن تأثير أفلام الكرتون على الطفل العربي إن “الأفلام الكرتونية الموجهة للأطفال فضاء تخيلي يتجاوز الواقع، وإن كان هذا الجنس التعبيري الإبداعي ينطلق أحياناً منه. وهي ترسم، في نفس الآن، سقفا للمُثُلِ التي يتشبع بها الطفل الذي تكون مساحات كبيرة من ذاكرته بكرا غير مشحونة بعد. ومن هنا تأتي أهمية التعامل اليقظ مع عالم الكرتون، بالنظر إلى مقومات التربية، والإخبار والتثقيف والترفيه. ولا شك أن التحديات الأساسية المرتبطة باستهلاك الطفل للأفلام الكرتونية تقترن بالأبعاد النفسية، والنفس-الاجتماعيّة، والثقافيّة-الحضاريّة، أي عموما بما يمكن تسميته بالهوية الذاتية (الشخصيّة) والهوية الجَمْعيّة. فعلى المستوى النفسي، يشتغل صانعو الأفلام الكرتونية على سيناريوهات لرفع منسوب الأدرينالين عند الطفل، بغية خلق حالة إدمان لديه. ويتم استعمال العنف والعنف المضاد كوصفة للاستثارة. وقد يصبح الطفل مستسهلا للعنف، متصورا أنه السلاح الأمثل لحل المشاكل التي تعترضه”.
ويضيف الدكتور الرامي “كما أن تحقيق الأبطال لأحلامهم، وتقديمهم بقدرات خارقة يجعلان الطفل مستكينا لا يتمثل قيمة العمل الجاد في الحياة كشرط للنجاح المستحق. وعلى الصعيد النفس-اجتماعيّ، يرى الطفل المستهلك بكثافة لهذه الأفلام أن محيطه المباشر لا يوفر له الرفاه الذهني، الذي يحس به أثناء مشاهدة هذا النوع من الأفلام، فيصرفه هذا عن “الاجتماعيّة الأسريّة” التي هي أساس التربية بالبيت. وفي ما يتعلق بالمستوى الثقافي-الحضاري، فالمشكل يكمن في أن الطفل، قد يتقمص شخصيّة أبطال تم نحتهم وفق مقومات ثقافية، نفسية، وجمالية غربية ستشعره حتما بالاغتراب تجاه ثقافته، مما يؤدي به إلى تبخيسها داخليا، وتمثلها كعائق أمام الوعود المعسولة التي تدغدغ بها هذه الأفلام أحلام الصغار”.
ويقول الإعلامي إسماعيل نافع الذي يعمل في فضائية الجزيرة الوثائقية لـ”العرب” إن “تأثير الكرتون على الأطفال يحمل الجانبين السلبي والإيجابي، لكنني أرى الإيجابي أكثر، فهو يساعد في تنمية خيال الطفل، ويقوي لديه ملكة التفكير، ويعزز لغته في التواصل. ولأننا نحب أفلام الكرتون، فمن السهل التأثير فينا، بشكل يصعب التحكم فيه.