"إذاعة لبنان".. ذاكرة لتاريخ الأغنية العربية

الاطلاع على تاريخ الإذاعات العربية يفيد بأن الإذاعة اللبنانية، التي ولدت في العام 1938، هي من أعرق الإذاعات العربية، بعد الإذاعة المصرية. ولئن اكتسبت الإذاعة المصرية شهرتها وأهميتها خاصة في الخمسينات انطلاقا من الرسائل السياسية التي كانت تبثها إذاعة صوت العرب والتي لقيت رواجا عند الجمهور العربي، فإن ميزة الإذاعة اللبنانية أنها كانت معبرا حقيقيا عن تاريخ الأغنية العربية وتطوراتها.
الاثنين 2016/06/13
إذاعة لبنان تحتفي بفيروز

بيروت - لا تزال استوديوهات “الإذاعة اللبنانية” الرسمية وأرشيفها شاهدا حيا على بواكير الأغاني، التي بُثت عبر أثيرها مباشرة لعمالقة الطرب العربي، وكانت مسرحا لهم ومنبرا لانطلاق أعمالهم، بدءا من الفنانة اللبنانية فيروز، ومرورا بمواطنيها الأخوين رحباني ووديع الصافي، والمصرية أم كلثوم، وغيرهم الكثير. أصوات هؤلاء لا تزال محفوظة في ذاكرة الإذاعة وتحديدا في الأستوديو “رقم 6”، أحد أهم مسارح كبار نجوم العرب، في الفترة الممتدة من أربعينات القرن الماضي وحتى سبعيناته.

وتأسست “إذاعة لبنان الرسمية” عام 1938، تحت اسم “راديو الشرق”، وعملت آنذاك تحت إشراف سلطات الانتداب الفرنسي، ثم انتقلت ملكيتها في أبريل من العام 1946، أي بعد الاستقلال بثلاث سنوات، إلى الدولة اللبنانية وأصبح اسمها الرسمي “الإذاعة اللبنانية”، وفي السبعينات باتت تُعرف باسم “إذاعة لبنان”، وتتبع مباشرة وزارة الإعلام.

تمتعت الإذاعة، منذ الأربعينات وحتى سبعينات القرن الماضي، بمكانة جعلتها مختبرا صوتيا وممرا إلزاميا لأي مطرب جديد، فالموافقة على أداء أغنية وبثها عبر أثيرها، كانت بمثابة جواز مرور إلى عالم الفن والشهرة. وكانت أروقة الإذاعة واستوديوهاتها الضخمة والمتعددة، حيث وقف عمالقة الفن العربي، مسارح لهم ومنابر لإطلاق أعمالهم، بدءا من المطربة فيروز، واسمها الحقيقي ناهد رزق وديع حداد، ومرورا بالأخوين رحباني (اسم يختصر اثنين من الإخوة وهما عاصي رحباني (1923 – 1986) ومنصور رحباني (1925 – 2009)، اللذين يعتبران من مشاهير الموسيقى العربية والعالمية، ووديع الصافي، واللبنانيتين صباح، ونور الهدى، والمصريين أم كلثوم، وفايزة أحمد، ومحمد عبدالوهاب، وغيرهم.

وأعلن وزير الإعلام رمزي جريج، في 29 فبراير 2016، إطلاق اسم المطربة فيروز، على الاستوديو “رقم 6”، لكونه أول مسرح إذاعي تنطلق منه أغانيها، عام 1951، وكان مسرحا لتدريباتها، ولا تزال الفنانة تواظب على زيارته لتجري تدريباتها هناك.

محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، كانا يغنيان مباشرة على الهواء، وكانت إذاعة لبنان مقرا لإطلاق أعمالهما الغنائية الجديدة

وأكد الوزير جريج على ضرورة استعادة الإذاعة اللبنانية دورها الرائد، حيث كان الشاعر الراحل سعيد عقل أول العاملين فيها، معتبراً أن إطلاق اسم السيدة فيروز على "الاستديو 6" في الإذاعة اللبنانية أمر مهم خصوصا أن "فيروز أيقونة في ضمير كل واحد منا، وهي جزء مهم جدا من تراثنا الثقافي، وهي العمود السابع من هياكل بعلبك، ونحن نعرب اليوم بهذه المناسبة عن وفائنا وتقديرنا لها".

وإلى جانب الاستوديو “رقم 6”، فإن أروقة الإذاعة اللبنانية، تحتضن الاستديو “رقم 5”، الذي شهد أيضا إطلاق أغنيات كثيرة لعدد كبير من عمالقة الفن العربي. التاريخ العريق لـ”الإذاعة اللبنانية” يستعيده المدير الحالي لها محمد إبراهيم، متوقفا عند أبرز محطاتها.

يقول إبراهيم، “تأسست الإذاعة عام 1938، تحت اسم راديو الشرق، في مبنى السراي الحكومي الحالي بوسط بيروت. وفي أبريل 1946، تسلمت الحكومة اللبنانية الإذاعة من الفرنسيين بموجب بروتوكولات رسمية في عهد الرئيس الأسبق بشارة الخوري، وألحقت بوزارة الأنباء والسياحة، تحت اسم محطة الإذاعة اللبنانية”.

وأضاف محمد إبراهيم، أن “الفنانة المصرية الشهيرة أم كلثوم، وقفت عام 1947 لتغني للمرة الأولى، أغنية “يا ظالمني”، ضمن حفلة مباشرة على الهواء، فقامت الإذاعة بتسجيل الحفلة، ومازال التسجيل موجودا حتى اليوم، مما دفع رئيس الوزراء الراحل رياض الصلح، آنذاك، إلى منحها وسام (الأرز) الوطني". وأشار إلى أن “الإذاعة احتضنت أهم استوديو لتسجيل العديد من الأغنيات لكبار الفنانين العرب، أمثال محمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش (وهو سوري الأصل)، حيث كانا يغنيان مباشرة على الهواء، وكانت الإذاعة مقرا لإطلاق أعمالهما الغنائية الجديدة”.

أما مديرة البرامج في الإذاعة ريتا نجيم الرومي فقالت إن “إذاعة لبنان الرسمية تحتفظ داخل مقرها في منطقة الصنائع ببيروت، بأرشيف ضخم، هو الأكثر ثراء من حيث المحتوى الفني في المنطقة العربية”.

وأضافت الرومي قائلة إن “هذا الأرشيف يحتوي على المئات من البرامج والمسلسلات اللبنانية- العربية المشتركة، إضافة إلى المقابلات النادرة، والآلاف من الأغنيات التي قد يكون أصحابها نسوا أنهم قاموا بأدائها”. كما تضم الإذاعة أيضا نوادر من الأغنيات العالمية الفرنسية، والتركية، والأسبانية، والإنكليزية، لمطربين كبار في هذه البلاد، بحسب “الرومي”.

12