التعليم في السعودية: المآلات الممكنة

باستعادة ميكانيكية لمنهج الابتعاث الذي أطلقه محمد علي باشا في مصر يمكن الإقرار بأن الفكرة التعليمية منحت دولته كثيرا من الخيارات في النهضة لأنه تعامل من منطلقات استراتيجية ترتكز على تطوير التعليم من خلال رفع قدرات أبناء البلاد التي يحكمها، وبالقفز إلى الحاضر نستلهم أيضا تجربة سنغافورة ومجموعة النمور الآسيوية التي أرست نظاما تعليميا متقدما قادها إلى النهضة التي تعيشها حاليا.
تلك التجارب في العالم الثالث تبدو مفيدة ومهمة أكثر من نقل تجارب الدول المتقدمة لأن القياس عليها يتسع للمعطيات التي لدينا في تطوير الموارد البشرية من مساحات تكاد تكون خالية، إلى أخرى تحتشد بمناهج التطور دون الاعتماد على حلول جاهزة وتطبيقها دون اعتبارات الاختلاف في العقل الاجتماعي الذي يستوعب التطوير ويتحفز للنهضة، في وقت يسعى العالم كله إلى بناء مجتمع المعرفة مستفيدا من القواعد التقنية التي انتشرت وأصبحت سمة العصر الحديث.
التعليم في العالم العربي بأكمله ليس بخير، والتجربة السعودية في هذا المجال لا تنفصم عن التجارب العربية، خاصة في التعليم العام، فهناك اضطراب واضح في منهج التقويم والتقييم وإعداد المناهج بما يواكب الوصول إلى المجتمع المعرفي، ورغم أن السعودية أطلقت برنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم إلا أن الحصاد لا يزال متواضعا، لأن هناك عسرا في المناهج والمحتوى العلمي والتعليمي وعدم توازن بين الأدوار التربوية والتعليمية، وذلك ما يجعل مجتمع المعرفة ملتبسا وغير عميق في بيئة لم تصل بعد إلى التأسيس المعرفي الذي يتوافق مع مقتضيات التقنية وفتح الآفاق العلمية.
التخطيط للتعليم ينبغي أن يستوعب ماهية مجتمع المعرفة وأسسه في الواقع بصورة براغماتية واضحة، فهذا المجتمع هو مجتمع المستقبل الذي يوظف طاقاته لصالح المعرفة، وذلك يتطلب بحسب المناهج الحديثة أن تتغير أنظمة التعليم بما يتواكب مع المتغيرات، وبما يوفر للطلاب مجالات للخبرة تتفق مع احتياجات الواقع العالمي الجديد الذي يفرض كثيرا من الوقائع، ودون استيعاب منهجي لتلك المتغيرات فمن الصعوبة الارتكاز إلى التعليم كصانع للمستقبل والنهضة والتطور.
البيئات التعليمية الحديثة أكبر من أن تتأزم مع متغيرات المناهج وتداخل التربوي مع التعليمي، فنظام البيئات التعليمية المفتوحة الذي يعتمد على شبكات المعرفة الإلكترونية يتجاوز مقاعد الدراسة التقليدية، ويدفع باتجاه التعليم الذاتي لكل طامح إلى تطوير نفسه وهو في الواقع ما يجب تدعيمه لبناء المستقبل، فمجتمع المعرفة كخيار لبناء المستقبل يمنح كل المؤسسات والدولة خيارات واسعة في بناء الفرد علميا ويحفزه للنهج العلمي في معرفته، ولكن ذلك يتطلب دورا لمؤسسات الدولة بغير الصيغة والإجراءات التقليدية الروتينية التي يجب تطويرها لتوسعة الخيارات التعليمية والمضي بمبادئ وقيم مجتمع المعرفة إلى غاياته المستقبلية.
مستقبل التعليم في السعودية يعاني من البيروقراطية في تطوير المناهج وغياب الأبعاد التربوية بصورة منهجية، كما أن فكرة مجتمع المعرفة لا تزال غير واضحة، في ظل معاناة في عملية القبول بالتعليم العالي، وما لم تكن هناك اتجاهات لبناء مجتمع معرفة بحسب الأصول العلمية فمن الصعوبة أن يتطور التعليم وتتسع خياراته، لأن المحصلة النهائية أن التعليم هو أساس النهضة الشاملة، التي لا تتحقق بدورها دون تطبيقات معرفية أصيلة في كل المؤسسات والمرافق التعليمية؛ التعليم العام والعالي، وفي الوضع الراهن فليس هناك سوى تطلعات دون أفكار جدية وخطط منهجية للوصول إلى مجتمع معرفي حقيقي وفاعل، يمكنه أن يمتلك الأدوات الضرورية لصياغة المستقبل وصناعته بإرادة وطنية.. فالقاعدة أن الفشل في التخطيط إنما هو تخطيط للفشل.
كاتبة من السعودية