المرضى في إيران ضحايا الإهمال الرسمي للمنظومة الصحية

صدرت تقارير إيرانية من جهات رسمية وأخرى غير رسمية حول الأوضاع الصحية في إيران تؤكد بأن المرضى الإيرانيين يموتون جراء أمراض يمكن علاجها، وكانت أسباب الوفاة بالنسبة إلى أغلب الحالات راجعة إلى النقص الحاد في المستلزمات الطبية التي من شأنها أن تنقذ حياتهم. فقد منعت تجارة الأدوية بشكل رسمي جراء العقوبات الدولية، لذلك كان من شبه المستحيل بالنسبة إلى المستوردين دفع ثمن اللوازم المطلوبة واللازمة لإنقاذ المرضى، بما أن البنوك الغربية تجنبت أي معاملات مع إيران.
الأربعاء 2016/05/11
ما باليد حيلة

طهران - عقب التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية في يوليو 2015، الذي من المفترض أن يمهد الطريق لتخفيف العقوبات على إيران ومن بينها المعاملات المالية واستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات الإيرانية، خير بعض الأطباء والخريجين من الجامعات الدولية في الاختصاصات الصحية العودة إلى موطنهم للقيام بدورهم والمساهمة في إنقاذ حياة المرضى المعرضين لخطر الموت بسبب أمراض يمكن إنقاذهم ومعالجتهم منها.

يقول أحد الأطباء العائدين إلى إيران في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية “إنني غادرت إيران في سن مبكرة، وقررت أن أصبح طبيبا، وبين دراستي والتقدم بطلب للحصول على وظيفة، قررت أن آخذ فرصة في أواخر عام 2015، كواحد من أشهر الإيرانيين المختصين في جراحة المخ والأعصاب.

جراحة المخ والأعصاب تخصص لا يمكن فيه للجراح أن يكتفي بعلاج المرض بل ينبغي أن يحاول الحفاظ على هوية المريض، وشخصيته وسلامة مداركه العقلية، أحد أصعب جوانب العمل هو إعداد الأسرة نفسيا لما هو آت. هذه ليست مجرد مسألة مرض وصحة، إنها مسألة حياة أو موت.

هذا ما شدني إلى هذا التخصص منذ سنوات، ولم أفكر في أن هذا ما سوف يدفعني إلى العودة إلى إيران. في زيارتي الأولى إلى مستشفى في طهران في يناير الماضي، أدهشني الفيض العاطفي في إيران حيث يتم تداول الأخبار حول صحة المريض ومناقشتها في أي مكان وفي أي وقت ممكن، من طرف الأطباء والعائلات على حد السواء. ورأيت في طريقي إلى المستشفى أبا يشعر بالنشوة والارتياح، ويقدم الحلويات للموجودين جميعا، مبلغا الجميع بأن ابنه الصغير قد شفي من علته.

وبينما كنت جالسا في صالة الجراحين، استمعت إلى مناقشة بين اثنين من الجراحين. كان أصغرهما يشتكي من أن شركات التأمين ترفض أن تدفع له مقابل الجراحات البلاستيكية الترميمية، التي لا يقدر معظم المرضى على تحمل نفقاتها، وقال معبرا عن أسفه “لا أستطيع أن أتركهم يموتون. من واجبي إنقاذ المرضى، ولكني لم أحصل على الراتب المناسب منذ عدة أشهر”.

الأطباء حاولوا القضاء على الفساد، ولكن بدلا من اعتراف الجهات المشرفة رسميا بسوء الإدارة تم الترفيع في الأسعار

بعد برهة من الزمن وصل الدكتور أحمد الذي كنت أنتظره. دخل إلى صالة الجراحين ووقف الجميع من مقاعدهم لتحيته. كان في السبعينات من عمره، تبدو عليه علامات الخبرة ويمكن أن تلاحظ ثروة من المعرفة في عينيه وسلوكه. طلب مني مقابلته في الطابق السفلي حيث غرفة العمليات.

كانت الحالة الأولى التي سوف نشرف على علاجها لسيدة عمرها 27 عاما جاءت لإجراء “جراحة طفيفة التوغل” وقالت إنها كانت تعاني من ورم خبيث غير قابل للشفاء وخضعت لعملية جراحية لإزالة جزء من الورم في دماغها، ولكن الورم سرعان ما انتشر.

ولا تعني الجراحة الجديدة علاجها التام من المرض الذي ألم بها، ولكن هي لا تعدو أن تكون عملية لتحسين حياتها خلال الفترة المحدودة المتبقية من عمرها. سوف ينطوي جزء من عملية إصلاح التسرب في الجيب الوتدي على إغلاق “صفيحة الأنف”، عبر ما يشبه الغطاء السميك الذي يغلف الدماغ. وقال الدكتور أحمد إنه لا يمانع في إجراء العملية، “إنها تبلغ 27 عاما فحسب، وتستحق رعاية أفضل. أنا لا أريد لها أن تعيش الأشهر القليلة المقبلة بسيلان من الدماغ ودم يقطر من أنفها”. ثم التفت إلي وهمس أنه إذا كان المريض غير قادر على تحمل نفقات العلاج، سوف يتم خصم التكلفة من راتبه.

وفي اليوم الموالي جلست إلى أمير وهو أحد الجراحين الشبان المتدربين، والذي حدثني عن العلاقة بين الحكومة والعاملين في المجال الطبي،قائلا “لقد حاول الأطباء القضاء على الفساد في نظام الرعاية الصحية، ولكن بدلا من اعتراف الجهات المشرفة رسميا بسوء الإدارة وتنفيذ جملة من العقوبات للردع، تم الترفيع في الأسعار، وهو ما جعل الناس يعتقدون أن ذلك ناجم عن جشع الأطباء الذين لا هم لهم سوى ملء جيوبهم، وهو ما أضر بالعلاقة بين الطبيب والمريض. بعض المرضى لا يثقون بنا وينظرون إلينا بازدراء. وقد أدى هذا إلى تراجع دخلنا، حيث أن بعض المرضى وشركات التأمين يرفضون دفع كامل ثمن العمليات وفي بعض الأحيان لا يدفعون. أنا مثلا بالكاد أستطيع دفع إيجار منزلي”.

عندما أفكر في هذه البيئة الطبية أدرك أنه لا يمكنني تقديم المساعدة. ففي إيران، يكافح الأطباء لأن الحكومة لا تقدم الدعم، إلى جانب محاربتهم لإهمال المخلفات في قطاع الصحة وصعوباته ومشاكله المتراكمة بسبب عقود من العقوبات المفروضة على البلاد، ولكن هؤلاء الأطباء صمدوا ضد كل هذه الصعوبات من أجل حماية صحة مرضاهم. وقال أحدهم “سوف أجري العمليات، لأجل المرضى، وسوف أتحمل جميع التدابير المطلوبة. سوف أتذكر أني مازلت عنصرا من هذا المجتمع، إلى جانب التزاماتي الإنسانية”.

12