العالمة التي تجاهلتها جائزة نوبل
عالمة الفيزياء نمساوية المولد وسويدية الجنسية ليزا مايتنـر التي عملت مساعدة للعالم الشهير ماكس بلانك الذي أطلق نظرية “ميكانيكا الكوانتوم” لم تكن امرأة المختبرات باردة العاطفة أومنطفئة الروح كما كان بعض زملائها من العلماء الذين شاركتهم بحوثهم، بل كانت امرأة خجولا تفيض بالحب والإشراق والجمال والفكر المتوقد والحس الإنساني الرقيق، فعملت كممرضة على أجهزة الأشعة في الفترة الأولى للحرب العالمية الأولى لكنها عادت إلى المختبر والأبحاث سنة 1916 وعاشت صراعا قاسيا مع نفسها الرقيقة وإحساسها الفادح بالخجل والأسف وهي تواصل عملها في الأبحاث الفيزيائية بينما يعاني ضحايا الحرب الآلام وعذابات الاحتياجات العاطفية والعلاجية الشافية. كما رفضت في سنة 1942 رفضا قاطعا الإسهام في مشروع إنتاج القنبلة النووية في أميركا بسبب حسها الإنساني واستيائها من تحول الكشوفات العظيمة إلى أسلحة لقتل البشر وتدمير العالم بدل أن توظف لتحقيق حياة أفضل للإنسانية.
كابدت ليزا مايتنـر كثيرا كونها امرأة وواجهت تمييزا فادحا في المجتمعين النمساوي والألماني أوائل القرن العشرين وكانت ثاني امرأة في تاريخ النمسا تحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة فينا يوم كان محظورا على النساء دخول معاهد التعليم العالي، لكن عائلتها ساندتها ومنحها والدها المال لتدرس وتتقدم للامتحان الخارجي وتنال الدكتوراه، غير أن جامعة فيينا رفضت تعيينها أستاذة للفيزياء لأنها امرأة ولا مكان لها بين العلماء الرجال، فسافرت إلى ألمانيا بإسناد معنوي ومادي من والدها وعملت متطوعة من دون أجر في مختبر العالم أوتو هاهن التابع لجامعة برلين التي كانت هي الأخرى ترفض تعيين النساء، وعاملتها الجامعة بطريقة تخلو من العدالة، فلم تسمح لها بالعمل في مختبر متكامل كما فعلت مع أوتو هاهن بل أرغموها على إجراء تجاربها في مستودع للأخشاب، وذات يوم وكانت تشعل سيجارتها أمام مستودع الأخشاب يقول لها أوتو هاهن، بشيء من السخرية والزهو الذكوري، “أراك لم تحرقي شعرك”، وتنظر إليه ليزا باستنكار خجول وإحساس بالمهانة ولكنه يواصل حديثه “يعتقد مدير المشروع أننا إذا تركنا النساء يعملن في المختبرات فإنهن حتما سيحرقن شعورهن”.
استاءت ليزا من تعليق زميلها الذي تكن له عاطفة خاصة لم تفصح عنها فتقول بسخرية “يبدو أن لحية الرئيس مضادة للاحتراق”.
كان علماء المشروع يمرون بهما فيتجاهلونها تماما ويوجهون التحية إلى أوتو هاهن وحده فتمتلئ روح ليزا بالمرارة وتقول له “ألا ترى؟ أنا أساسا غير موجودة في نظرهم، فيقول لها ببراغماتية واضحة “لا بأس، لولا عون هؤلاء الفيزيائيين لنا ما توصلنا إلى أي نتائج”.
وإثر اكتشافاتها الباهرة انتقلت هي وأوتو هاهن للعمل كأستاذين في معهد القيصر ويلهلم للكيمياء، وأصبحا متساويين في المنزلة الوظيفية والأجر، فكانت أول امرأة تحصل على لقب الأستاذية في ألمانيا، ليفاجئها هاهن ذات مساء بأنه خطب صديقتهما المشتركة طالبة الفنون، فتصدم ليزا صدمة كبيرة ويسقط القلم من يدها لكنها تتماسك وتهنئه بقوة، وبسبب قوتها الروحية وشغفها العظيم بالفيزياء تجاوزت صدمة خيانته لها، وبينما كانت على وشك التوصل إلى اكتشاف من أهم الاكتشافات حول عنصر اليورانيوم في بداية الثلاثينات، ارتقى النازيون إلى السلطة وكان أول إجراءاتهم طرد الأكاديميين الغرباء، فطردوا أنشتاين السويسري سنة 1933 وبقيت ليزا حتى احتلت ألمانيا النمسا العام 1938 فيبلغها هاهن حبيب الأمس – متشفيا – باسم رئيس المعهد “ارحلي عن ألمانيا”.
كاتبة من العراق تقيم في عمان