"المشخصاتي 2" كوميديا وثائقية افتقدت الهدف والقضية

إذا كان من الطبيعي أن تتوقف الدراما بشكل عام والسينما بشكل خاص أمام الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها مصر في الأعوام الخمسة الماضية، فإن الأزمة الكبرى التي واجهت فيلم "المشخصاتي 2" هي عدم وجود سياق للفكرة أو القضية التي يريد الحديث عنها.
الجمعة 2016/05/06
ارتباك فني

بدا الفيلم المصري “المشخصاتي 2” للمخرج محمد أبوسيف وكأنه برنامج وثائقي يتضمن مقاطع لأحداث ثورة يناير 2011، وما تلاها من أزمات في أعقاب حكم جماعة الإخوان المسلمين وصولا إلى الانفراج الذي حدث بموجب ثورة 30 يونيو 2013.

تدور أحداث الفيلم حول شخصية “شلبي” وهو ممثل هامشي (كومبارس) يعاني من ظروف مهنية سيئة، كلما ذهب إلى تصوير عمل، تحدث له مشكلة تنتهي بطرده من العمل، إلى أن يعلم بنبأ التحضير لفيلم “سواق الرئيس” فيتقمص شلبي شخصية الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم شخصية محمد مرسي الذي كان أول رئيس لمصر عقب ثورة 25 يناير2011، ولمدة عام واحد، وخلال ذلك يتقمص شخصيات إخوانية قيادية ومحورية مثل محمد البلتاجي، وخيرت الشاطر.

ومع أن تناول الأحداث السياسية أمر متاح أمام صناع الدراما، لكن المشكلة هنا تتمثل في أن الشخصي اختلط بالإبداع، وهو ما تعرض له تامر عبدالمنعم بطل الفيلم والذي شارك في تأليفه مع مخرج العمل محمد أبوسيف، وكانت النتيجة المزيد من الارتباك الفني.

أراد عبدالمنعم أن يُبين مدى ضعف محمد مرسي، خاصة قبل توليه حكم البلاد، فقدمه رجلا بلا شخصية تابعا للمرشد وللجماعة، وبلغت السخرية مداها “غير اللائق” بتصويره مثل الزوجة المطيعة لأوامر زوجها، وهو ما ظهر في حوارات قيادات الجماعة معه، والتي لا بدّ أن تتضمن عبارة واحدة مكررة هي “عامل لنا كعكة إيه يا دكتور الليلة دي”، في دلالة رمزية على محاولة الجماعة لتقسيم مصر ونهب ثرواتها وبيعها للخارج.

الفيلم يتطرق أيضا إلى تدخل آن باترسون السفيرة الأميركية السابقة في القاهرة، في الشأن المصري ومحاولتها التحالف مع الإخوان بشكل ساخر يبلغ ذروته في مشهد يجمع بين باترسون وبعض قادة الجماعة وفي أفواههم مصاصات كالتي يحبها الأطفال، في إشارة إلى أنهم في حضورها مثل الأطفال الصغار ينتظرون التوجيهات والمكافآت.

السؤال الذي يراود أيّ مشاهد للفيلم هو ما الفائدة التي حصل عليها من مشاهدته؟ إذ أن مجرد سرد الأحداث التي مرت بها مصر تحت قيادة الإخوان في إطار ساخر لا يصنع عملا متكاملا، فالجميع يعرف حجم الضرر السياسي والأذى النفسي الذي سببته الجماعة عقب ثورة يناير.

ومن هناك، فإنّ محاولة استرجاع أحداث تلك الحقبة المريرة لا بد أن يكون من خلال سياق درامي مبني على فكرة رئيسية، سواء كان في قالب كوميدي أو تراجيدي، وهو ما لم يفعله فيلم “المشخصاتي 2”، فكان بمثابة فقرة ساخرة لتسليط الضوء على موهبة تامر عبدالمنعم في التقليد، الذي أراد به السير على خطى الراحلين القدامى أمثال الفنان إسماعيل ياسين، ومحمود شكوكو ومنير مراد.

ومع ذلك، تأتي المقارنة للأسف في غير صالحه، في ظل وجود فارق جوهري وهو أن التقليد كفن لا يصلح لتناول أحداث ومواقف سياسية فاصلة، مثلما تعرض لها عبدالمنعم في فيلمه، بينما الأصل أنه كما كان يفعل أبطال سينما “الأبيض والأسود”، بموهبتهم التي يهدفون من خلالها إلى إمتاع الجمهور.

ما زاد موقف “المشخصاتي 2” سوءا أنه افتقد متعة المشاهدة على كل مستويات العمل، فلا الإضاءة، ولا التصوير ولا الإخراج، قد حمل أيّ منها لمحة مميزة نستطيع سردها، بل جاءت جميعها باهتة ومتواضعة.

الفيلم حاول التعرض لقضايا أخرى مهمة في المنطقة بنفس التعامل السطحي الذي تعامل به مع موضوع الإخوان، فرصد تنامي تنظيم داعش في مشهد وضع فيه الفنان سمير صبري داخل القفص استعدادا لحرقه، في إشارة إلى الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والذي انتفض العالم من أجله بعد أن قام تنظيم داعش بحرقه، لكن في مشهد سمير صبري نفاجأ بعدد من الرجال ذوي الأردية السوداء التي يرتديها مقاتلو داعش وهم يغنون ساخرين من صبري “سكر حلو الدنيا سكر”، وهي واحدة من أشهر أغانيه، الأمر الذي يعدّ استهانة بهذا الحدث الجلل، فليس كل شيء على أرض الواقع يكون قابلا للسخرية منه في عمل فني.

16