معرض تونس الدولي للكتاب 2016.. ينذر بنكوص ثقافي

يمثل معرض الكتاب الدولي بتونس أهم حدث أدبي ينتظره المثقفون والمبدعون وجمهور الأدب في ربيع كل سنة، وقد توقف المعرض، الذي يبلغ من العمر أكثر من ثلاثين دورة، بعد ثورة 14 يناير لإعادة ترتيب بيته الداخلي وتنظيمه بما يتوافق مع تطلعات التونسيين الذين افتكوا حريتهم، ليعود إلى تاريخه المعتاد أواخر مارس من كل سنة، لكنه ظل محط جدل كبير في الوسط الثقافي التونسي وخاصة في ما يتعلق بأنشطته الثقافية التي تعد ركيزة أساسية لهذه التظاهرة الكبرى.
السبت 2016/03/26
رئيس الحكومة الحبيب الصيد يفتتح معرض الكتاب

انطلقت فعاليات الدورة الـ32 لمعرض تونس الدولي للكتاب هذا العام، الجمعة 25 من مارس الجاري لتتواصل إلى غاية الـ3 من أفريل القادم، بمشاركة 237 عارضا و810 ناشرين من 23 دولة عربية وأجنبية، وتحل فرنسا ضيفة شرف الدورة الحالية بعد أن تعذر عليها حضور دورة السنة الماضية.

ينتظر جمهور الأدب ككل عام معرض الكتاب الذي يمثل فرصة هامة بل ووحيدة للاطلاع على أبرز العناوين الأدبية الجديدة، وللقاء بكتاب ومبدعين خلال البرمجة الثقافية التي تمثل ركيزة نشاطات المعرض، الذي لا يمثل فرصة لاقتناء الكتب فحسب، بل مناسبة لتبادل الأفكار ونشاطات ثقافية أخرى تشمل حتى الأطفال.

نشاطات المعرض

أكدت هيئة التنظيم أن البرنامج الثقافي لهذه السنة سيمتد كامل أيام المعرض ودعيت لتأثيثه نحو مئة شخصية ثقافية وأدبية من مصر والجزائر والمغرب والسعودية والكويت ولبنان والسودان والعراق والسينغال وفرنسا وسويسرا وأسبانيا. نذكر من هؤلاء: باتريك فوازان، وبرونو روي، وفوزية الزواري وكاترين سيمون وروجي بوزيتو من فرنسا وسامح محجوب وعبدالرحمان الفخراني من مصر وعبدالله الصيخان من السعودية وبثينة العيسى من الكويت ورشيد الضعيف وشوقي بزيغ من لبنان، وغيرهم.

كما أكد المنظمون أنه سيقع تنظيم عدة فعاليات فكرية منها ندوة حول “دور المثقف في محاربة الإرهاب” وندوة “المحامون والثورة”، بمناسبة صدور كتاب “المحامون في تونس، من مقاومة الاستبداد إلى ثورة الحرية والكرامة”، كما ينظم المعرض ندوة علمية للكاتب الأسباني ميقوال سرفانتس صاحب الرواية الشهيرة “دونكيشوت”، وهذه أول مرة تعقد فيها بتونس ندوة علمية حول سرفانتس، الذي قضى جزءا من حياته بمدينة حلق الوادي التونسية. ويوافق الاحتفاء بسرفانتس مرور 400 سنة على وفاته.

من جهة أخرى، تنتظم مجموعة من الورشات التربوية والبيداغوجية الموجهة للأطفال تجمع بين التدريب والتلقين والترفيه. إضافة إلى عدد من الأمسيات الشعرية واللقاءات القصصية.

بعد أن بلغ المعرض من العمر 32 دورة، يمكننا أن نتساءل عما تقدمه هذه الدورة بناء على الدورات السابقة ومحاولتها الإضافة وتجاوز النقائص، حيث يمكن لكل من يزور المعرض أن يلاحظ عزل الأنشطة الثقافية في قاعات مغلقة فلا يكاد يسمع عنها أو بها، إضافة إلى الارتفاع المشط لأسعار الكتب ما يفوق قدرة التونسي الشرائية بكثير، وهذا ما يرجعه الناشرون إلى انخفاض قيمة

الدينار التونسي أولا وارتفاع تكاليف النشر وشحن الكتب، ثم يمكننا ملاحظة تناقص عدد دور النشر التي تشارك من سنة إلى أخرى، رغم قدرة فضاء المعرض على استيعاب عدد أكبر من الناشرين، وقد انخفض عدد دور النشر المشاركة أيضا هذا العام، وربما يظل تقلص الكتب الصفراء وكتب التطرف الديني نقطة مضيئة يتيمة تعوم في كومة من النقائص.

رغم سعيه إلى التجديد فإن مشاكل المعرض في هذه السنة مختلفة ومتعددة مع الناشرين والموزعين والهياكل الممثلة للمبدعين

إقصاء ومقاطعة

جرت العادة أن تشارك هياكل استشارية في تحديد قائمات المشاركين، ما ساهم خاصة بعد الثورة في انفتاح نشاطات المعرض على أسماء جديدة وشابة، مثلت نقلة في الساحة الثقافية التونسية لمساهمتها في تقريب الأدب من جمهوره، بعد أن كان المعرض في ما مضى تحت سيطرة النظام الحاكم.

لكن هذه السنة وقعت عدة انسحابات من لجنة تنظيم الأنشطة الثقافية، كان أولها انسحاب الشاعر عبدالفتاح بن حمودة، تلاه انسحاب الشاعرين محمد العربي وأمامة الزاير، إذ ردوا الانسحاب إلى تعنت المدير الجديد لمعرض الكتاب الأكاديمي العادل خضر، الذي تدخل في اختيار أسماء الضيوف، وغيّب أسماء كبيرة ومهمة فقط لأنه لا يسمع عنها مثل: وديع سعادة وصلاح فائق وغيرهما، حتى أنه مؤخرا صرح إلى إحدى الصحف “إنه معرض للكِتاب وليس للكتَّاب”، مما أثارغضبا واسعا في صفوف المثقفين التونسيين، فالنشاطات الثقافية التي يقدمها المعرض كانت وستظل الركيزة الأساسية له.

وقد دعا كتاب تونسيون إلى مقاطعة أنشطة المعرض احتجاجا على تصريحات المدير الذي تميز أداؤه التنظيمي بالارتباك وغلبة السياسي على الثقافي، فكأن بالمعرض يعود إلى سنوات ما قبل الثورة، حيث القرار أحادي وفردي يسعى إلى تكريس المكرس.

وقد وضح محمد جابلي عضو رابطة الكتاب الأحرار أنه “لا للحياد السلبي”، إذ يقول “سبق لرابطة الكتاب التونسيين الأحرار أن أعلنت احتجاجها ومقاطعتها التامة لكل أنشطة الدورة الحالية لمعرض تونس الدولي للكتاب باعتبار الخرق الحاصل للفصل الأول من نظامه الداخلي الذي يقضي تشريك الهيئات والجمعيات الممثلة للكتاب تشريكا فعليا في كل شؤون المعرض وبإطلاعنا على البرنامج المقترح”.

ويؤكد جابلي أن “بعض الدوائر في وزارة الثقافة تعود إلى عقلية العصابة، انطلاقا من ولاءات ترى في التشريك والديمقراطية خطرا على وجودها”. لذلك دعت رابطة الكتاب الأحرار كل الكتاب والمبدعين الملتزمين بالمسار الثوري الخروج عن السلبية والحياد في شأن وطني يعني الجميع والتفكير في أشكال احتجاجية تزامنا مع فعاليات المعرض واقتراح مبادرات تليق بكتاب ومثقفي تونس الحرية والكرامة.

انتقادات عديدة لفعاليات المعرض

وقد لاقت هذه الدعوة ترحيبا كبيرا من الكتاب التونسيين الذين اعتبروا ممارسات المدير الحالي للمعرض وتصريحاته انتهاكا لهم وهو الذي لا يملك اطلاعا خاصة على ما يكتبه الشباب وما يقدمه كتاب تونسيون وعرب غير مكرسين، فجاء بعقلية فردانية تنتصر إلى أصدقاء أكادميين على حساب المبدعين الحقيقيين.

ويواصل معرض تونس الدولي للكتاب وللسنة الثانية على التوالي رصد جوائز كبرى للمبدعين والناشرين التونسيين، وذلك محاولة منه للنهوض بقطاع الكتاب بوصفه أداة رئيسية لنشر المعرفة وتداولها.

وتحمل جوائز المبدعين اسم الكاتب والباحث الجامعي الراحل محمد اليعلاوي (1935-2015 )، وهي تخص أربعة أجناس أدبية هي الرواية والقصة والشعر والمقالة (في مجال النقد الأدبي والفني والفكري). وقد رصدت لكلّ منها جائزة قيمتها خمسة عشر ألف دينار تونسي.

وهذه الخطوة وإن لاقت ترحيبا كبيرا في صفوف المبدعين التونسيين، ويمكن التأسيس عليها لخلق مناسبات متعددة للاحتفاء بالكتاب التونسيين، لكن ظلت شروط هذه الجوائز ضبابية إذ أنها وقبل الإعلان عن نتائجها تبدو محسومة مسبقا، فهناك من شارك مثلا بأعمال شعرية كاملة، إذ لا شرط يمنع من ذلك، ما خلق تململا وصل بأغلب الكتاب التونسيين إلى مقاطعة هذه الجائزة التي عدوها جائزة مشبوهة نظرا لأنها مقررة سلفا، ما دعا المنظمين سابقا إلى التمديد في آجال قبول المشاركات.

ما من تطور

يقول الشاعر عبدالفتاح بن حمودة “المعرض فرصة لرؤية كتب جديدة والتقاء ضيوف عرب. لكن هذا العام لن يكون لدينا ضيوف، نظرا إلى جهل المشرفين على المعرض بقيمة الأدباء وصيتهم. أما الأمسيات التونسية فتظل متواضعة. مازالت اللوبيات منتشرة في كل مكان بقيادة دكاترة أكل عليهم الدهر وشرب، لأنهم مجرد شراح نصوص لا يعرفون من الأدب الحديث شيئا، فهم لا يعرفون مثلا صلاح فائق ووديع سعادة ومحمد عيد إبراهيم”.

ولا يعتقد بن حمودة أن المعرض سيتطور في دورته الحالية. بل هو ينهار عاما بعد عام، في رأيه، مشددا على أنه يجب تغييره من أوله إلى آخره. إذ يرى أن وزارة الثقافة ميتة في الأصل منذ أمد بعيد، وأنه إلى حد هذه اللحظة ليس هناك وزير ثقافة حقيقي قبل الثورة وبعدها. فوزارة الثقافة، كما يقول، تقريبا هي الوزارة الوحيدة المفلسة ماديا وثقافيا.

ويؤكد الشاعر أن المعرض الدولي للكتاب مازال يعاني من الجهل ومن الانتهازيين، وحتى النشاطات الثقافية التي يقدمها مكررة، وقليلا ما تنجح بعض الندوات، لأنه يغلُب عليها الارتجال والمجاملات.

الكثير من الكتاب لم يشاركوا في جوائز معرض الكتاب نظرا إلى أن شروط الشفافية فيها منقوصة

أما عن جوائز المعرض لهذا العام فيلفت إلى أنها مشكوك فيها، بما أنها تحولت إلى صراع الديكة والدّالات (نسبة إلى دال الدكتوراه) الفخمة، فأمست جوائز تثير الضحك، وقد سبق لعبدالفتاح بن حمودة أن رفض هذا العام المشاركة بكتابه الجديد الذي صدر في يناير 2016 بالقاهرة.

وعن مدى تداخل السياسي بالثقافي من خلال معرض الكتاب، يشير الشاعر إلى أن المشرفين على المعرض لن يخرجوا عن سياسات وزارة الثقافة التي لا علاقة لها بالثقافة أصلا. فلا يستوي الظل والعود أعوج.

وقد كان عبدالفتاح بن حمودة من أول أعضاء لجنة الندوات الفكرية والأدبية، وقد انسحب بعد أول جلسة، مبررا ذلك بسلوك الكتاب التونسيين الذي تغلب عليه الانتهازية، ثم بسبب خلافه مع مدير المعرض منذ البداية. ويرى الشاعر أن هذه الدورة تنذر بالفشل لأن أغلب المثقفين والكتاب قاطعوها.

من جهته يعتبر المترجم والروائي التونسي جمال الجلاصي، الذي كان ضمن لجان التنظيم في الدورات السابقة للمعرض، أن معرض الكتاب فرصة لاقتناء الكتب الجديدة التي تصدرها دور النشر العربية والأجنبية والتي لا تصل إلى تونس إلا بمناسبته، وهي كذلك فرصة للقاء المبدعين العرب والأجانب، والتحاور معهم، وهي مناسبة للقاء ناشرين وإمكانية للاتفاق حول مشاريع للنشر.

ولكن الجلاصي يرى أنه حسب ما صرّح به مدير الدّورة الحالية لمعرض الكتاب، ليس هناك أيّ تطوّر في هذا المعرض، فعدد العارضين أقل من الدورة الماضية، وكذلك عدد الضيوف المبدعين العرب والأجانب. إضافة إلى غياب أسماء كبيرة كان يمكن أن تعطي بريقا للمعرض. ويقول “مشاكل المعرض في هذه السنة مختلفة ومتعددة منذ انطلاق التحضيرات الأولى له، وذلك دوما حسب تصريحات مديره: مشاكل مع الناشرين والموزعين والهياكل الممثلة للمبدعين. العديد من الضيوف لم يوافقوا نهائيا على الحضور”.

العديد من الكتاب التونسيين دعوا إلى مقاطعة أنشطة المعرض احتجاجا على تصريحات المدير الذي تميز أداؤه التنظيمي بالارتباك

ويضيف “لعل الفعاليات الثقافية التي مثلت في الدورات السابقة -بعد الثورة- نقطة مضيئة من نقاط المعرض من حيث انفتاحها على أغلبية الكتاب التونسيين حتى المسرحيين والسينمائيين، ستكون حسب البرنامج الذي نشرته إدارة المعرض نقطة سوداء. والسبب الرئيسي لهذا الضعف هو استبعاد الهياكل الممثّلة للمبدعين (وهي حسب النظام الداخلي للمعرض شريك أساسي في إعداده) لكن استبداد مدير المعرض واختياره للهيئة المشرفة على البرنامج من بين زملائه الجامعيين وإقصاء الكتاب التونسيين من وضع تصوّر لهذه الفعاليات، جعل البرنامج باهتا ويتسم بطغيان الجانب الأكاديمي عليه”.

وفي ما يخص الجوائز التي يقدمها المعرض، يلفت الجلاصي إلى أنه رغم القيمة المادية التي باتت أحسن كما وقع تجاوز أخطاء الدورة الماضية من حيث تخصيص جائزة لكل جنس إبداعي، فإن تخصيص جائزة الترجمة للناشرين وليس للمبدعين، فيه جور كبير وارتجال لا مبرر له.

وعن تداخل السياسي بالثقافي في المعرض، يؤكد أنه كلما اتسعت الاستشارة وشملت عددا أكبر من المبدعين كلّما ضاق السّياسي وحضر الإبداعي، وهي ترتبط أساسا بالخيار المجتمعي الذي يريد القائمون عليه تكريسه والرهان عليه.

ويشير إلى أن معرض الكتاب محطة ثقافية هامة من محطات الثقافة في تونس ولا بد من تخصيص لجنة قارة تسهر على إنجازها تعمل طوال السّنة. كما تجدر الإشارة إلى أن معرض الكتاب تظاهرة مربحة لوزارة الثقافة، بعكس مهرجان السينما والمسرح، وهو ما يؤكد أن الكتاب سلعة مربحة، وعليه فلا بد من الاستثمار العمومي فيه وتشجيع القائمين عليه.

15