صورة الجيش التونسي مع جثث الإرهابيين: غضب حقوقي وتحمس شعبي

تونس - عند نشر تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية أشرطة فيديو أو صور أو تسجيلات صوتية تحتوي مواد مشحونة بعواطف وأفكار دغمائية عديدة، فإن المتلقي دائما ما يجد نفسه أمام خيارين اثنين لا أكثر: إما تصديق ما يرد بمعنى الاستسلام للخوف والرعب اللذين يريد التنظيم نشرهما من خلال تلك المواد إما الإصرار أكثر على إنكار إنسانية الإرهاب وإدانة ما يحدث من جرائم والانتصار للدولة على حساب تلك الأيديولوجيا الإجرامية.
هذه الثنائية التي يجد المتلقي نفسه أمامها تفرض على الباحثين الإعلاميين والقائمين على التصدي للدعاية الإرهابية البحث عن الردود المناسبة لكسب معركة الرأي العام ضد الخوف الذي يبحث الإرهاب عن تعميمه، الأمر الذي يفرض أحيانا تبني الأسلوب نفسه ومحاربة الإرهاب بصور ومقاطع مصورة تمرر مشاهد عن موت الإرهابيين وكيفية القضاء عليهم بطريقة نظامية محترفة لضمان انضمام المتلقي للصورة المعهودة في ذهنه عن الدولة وقوتها الصارمة في مواجهة العصابات الإرهابية.
لكن وفي مقابل هذا الصراع الذي يعتبره خبراء في الإعلام في غاية المشروعية (من ناحية الأسلوب الإعلامي الصادم) توجد مواقف تعارض أسلوب الدعاية المضادة الذي تقوم به بعض الوسائط الإعلامية التقليدية أو الافتراضية، وإن لم تكن تلك المواقف معلنة بشكل واسع وواضح إلا أنها ترفض بخجل ما يتم تمريره من صور للإرهابيين وهم معتقلون أو تم القضاء عليهم في ساحة المعركة بتعلة أن مفهوم حقوق الإنسان يمنع تمرير وترويج هذه الصور.
ورغم وجود بعض الآذان الصاغية لنداءات الحقوقيين بعدم نشر صور الإرهابيين في حالة انهزام، إما موتا إما اعتقالا، فإن الملاحظين يؤكدون عدم خروج تفكير النشطاء في مجال حقوق الإنسان عن دائرة الرؤية الكلاسيكية للحرب والإعلام، إذ يمكن تفهم نداءاتهم في حالة كان الصراع بين جيوش نظامية لدولتين، فإنه في تلك الحالة يمنع نشر صور لقتلى الطرفين وفق قانون الحرب وأخلاقياتها، وهذا موجود فعلا في اللوائح الدولية والقوانين المتعلقة بالحروب.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه الأصوات الحقوقية تنادي باعتماد أساليب تتماشى مع الحروب التقليدية في سياق معارك جديدة ومغايرة، فإن الطرق التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية لا تتوقف أبدا عن تطوير ذاتها والبحث في أكثر الوسائل ترهيبا وبثا للرعب في ذهن المتلقي، حتى يتم تحييده وإبعاده عن مضمون المعركة. وهذا التطوير يفرض على الطرف النقيض للعصابات الإرهابية أن يطور أساليبه أيضا ويتماشى مع كل ما يمكن أن يكون في صالح الدعاية الإرهابية.
وقد كشفت معارضة شق واسع من الحقوقيين التونسيين اليوم لصورة “السيلفي” التي أخذها أربعة مجندين يحرسون جثث عناصر مسلحة من داعش في معركة بنقردان الأخيرة، أن الطبقة الحقوقية التونسية ليس لها وعي كاف بما يحدث من غليان في الشارع التونسي ضد الهجمات الإرهابية بشكل عام وخاصة في المعركة جنوب شرق البلاد. فالحقوقيون ظهروا اليوم باعتراضهم على تلك الصورة أنهم يعيشون وعيا معزولا عن الواقع الشعبي والرسمي التونسي بمطالبتهم عدم نشر تلك الصورة في وسائل الإعلام وأيضا في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن جل الفئات الشعبية التونسية ـ حتى الصحافيين المحترفين ـ نشروا تلك الصور في حساباتهم الخاصة.
المنددون بنشر صورة جثث الإرهابيين وهم قتلى وبجانبهم جنود مسلحون يحتفلون بالانتصار، يؤكدون أن الصورة تحوي مضامين غير إنسانية ولا تتماشى مع أخلاقيات وقوانين جنود نظاميين يحملون الزي الرسمي للدولة، مشيرين إلى أن احترام حرمة الجسد أمر لا ينسحب فقط على الشهداء والجنود والمصابين والمدنيين وغيرهم، بل إن احترام الحرمة الجسدية يطول حتى جثث الإرهابيين القتلى.
في الجانب المقابل، أعرب وزير التربية التونسية ناجي جلول في برنامج تلفزي تونسي أنه يساند هذه الحركة من الجنود، وهو يدعم نشرها في مختلف وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الافتراضي لأن الصورة من شأنها تدمير معنويات الإرهابيين ورد الخوف إليهم.
|
الصورة مس من الحرمة الجسدية ومخالفة لحقوق الإنسان
أثارت صورة التقطها جندي من المشاة كان مع مجموعة مكلفة بحراسة بعض جثث القتلى من عناصر داعش التي هاجمت مدينة بنقردان، الأسبوع الماضي، جدلا واسعا في أوساط النشطاء الحقوقيين التونسيين الذين رفضوا هذه الصورة، وقد اعتبروا في تصريحاتهم أنها تمس من الحرمة الجسدية للقتلى وهي مجرد صورة للتشفي.
وكانت رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي “قد نبهت التونسيين” حسب قولها في تصريحات إعلامية سابقة إلى ضرورة احترام الحرمة الجسدية لقتلى هذه العملية والمقبوض عليهم، نظرا لعدم فصل القضاء في التهم الموجهة إليهم، إلا أن عددا مهما من التونسيين ومن بينهم أفراد من الجيش لم ينتبهوا إلى هذه التوصيات ولم يعيروها اهتماما، وأصر العديد منهم على نشر صور الجثث الملقاة وصور الإرهابيين الذين تم القبض عليهم أحياء. جاء ذلك في الحين الذي دعت فيه صفحة إحدى الفرق الأمنية إلى عدم نشر صورة السيلفي التي تم التقاطها، حفاظا على حياتهم وحماية لهم من سيناريوهات انتقام الإرهابيين التي يمكن أن تطولهم.
وقد سبق أن تعرض عدد من الجنود والضباط في الجيش والأمن التونسي إلى استهداف من قبل العناصر المسلحة التي تنتمي إلى داعش، آخرها في عملية بنقردان التي شهدت مقتل ضابطين من القوات الأمنية والجمارك كل منهما تم اغتياله في بيته، بعد أن قامت تلك العناصر برصد تحركاتهما ومعرفة أماكن إقامتيهما.
ولكن ما يلفت الانتباه، هو أن عددا من الإعلاميين في قنوات أجنبية كان لهم موقف متماه مع موقف الحقوقيين التونسيين لكنه أكثر تطرفا في مهاجمة سيلفي الجنود مع جثث الإرهابيين، فقد قامت حملة من صحافيي قناة الجزيرة القطرية بإدانة الجيش ونشر تعليقات على فيسبوك وتويتر تمس من حرمة الجنود وتصفهم بصفات حيوانية، مثل التعليق الذي نشرته الصحافية فاطمة التركي وتعليق آخر نشرته الصحافية خديجة بن قنة.
داعش اعتمد استراتيجية الترهيب والذبح في معاركه، والجيش التونسي كسر أسطورة داعش بتلك الصورة العفوية
أما الممثلة السينمائية والحقوقية سوسن المعالج، فقد كانت من بين المستنكرين لنشر صور جثث الإرهابيين، وتوجهت بخطابها إلى أفراد الجيش التونسي فكتبت على صفحتها الخاصة “جنودنا البواسل، أنتم فخر تونس يا حماة الديار وما تبقى من عزة تونس لا تنزلقوا في لعبة التشفي والتنكيل! أنتم السّند الأخير الحافظ للسّيادة والكرامة الوطنيّة، لا ترقصوا بهما على الجثث رجاء، هذه الجثّة مما أنجبت تونس، وما كانت تفعله لا يستحق منكم الانحدار إلى أساليب الإرهاب الدعائية، ارفعوا رؤوسكم وافخروا لكم منا كلّ المجد والعزّ، لا تروّعونا رجاء، لا تنشروا صور الجثث، انشروا لنا صور آبائكم و أمّهاتكم، كي نشكر من كان سببا في وجود أسود على الجبهة، أو زوجاتكم أو من تحبّون لنتواصل بالحبّ وبالطّاقة الإيجابيّة معا، لا بالرّقص على الجثث”.
وقد تبنى عدد كبير من الشباب ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي موقف النشطاء الحقوقيين، مؤكدين أن نشر هذه الصورة يعد “مسا من هيبة وحرفية القوات المسلحة التونسية في حربها على الإرهاب”.
فقد أكدت المدونة لينا بن مهني أن هذه الصورة ليست سوى تعبير عن رغبة في التشفي والعمل على تدمير الحس الإنساني لدى الناس، مؤكدة أن العمل المحترف لا يرد بالمثل على صور ربما ينشرها تنظيم داعش في هجماته التي تستهدف الأمنيين والعسكريين والمدنيين.
وأكدت المدونة والناشطة الحقوقية بن مهني أن المطلوب الآن الاستعاضة عن نشر تلك الصور بصور أخرى تنمي حس الوحدة الوطنية والراية التونسية والمقاومة الفكرية للإرهاب عبر تنمية حس المواطنة والمقاومة المدنية. كما رد المدون عزيز عمامي على تشجيع وزير التربية لصورة الجنود قائلا إن الوزير لا يدرك أن تلك الصورة مس من هيبة الدولة التي يمثلها، وأكد العمامي أن الوزير أخطأ عندما انخرط في الجدل المرتبط بالصورة نظرا لحساسية الموضوع.
|
"سيلفي"الجنود جزء من المقاومة الإعلامية للإرهاب
اجتاحت صورة سيلفي مواقع التواصل الإعلامي ووسائل الإعلام في تونس كان التقطها جنود تونسيون مع قتلى إرهابيين. ويتباهى التونسيون بأداء المؤسستين الأمنية والعسكرية في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة المنتسبة لتنظيم الدولة الإسلامية في أحداث بنقردان. وفي أعقاب مواجهات عنيفة بدأت الأسبوع الماضي مع هجمات متزامنة ضد مقار أمنية وعسكرية، نشر جنود شبان صورة سيلفي ومن خلفهم جثث القتلى الإرهابيين، ومع الصورة نشر تعليق “سيلفي والدواعش خلفي”.
وطبع أحد الحرفيين الصورة على قمصان موسومة بعبارة إنكليزية “أحب جيشي” سرعان ما انتشرت بين التونسيين المتعاطفين مع الجيش. وصرحت شقيقة لأحد الجنود الذين التقطوا تلك الصورة لإذاعة خاصة “شقيقي وزملاؤه جنود متطوعون وقد اتصل بوالدتي حوالي الرابعة صباحا وأكد لها استعداده للشهادة بقلب فرح”، وأضافت “أخي لم يخف من الموت ولا من انتقامهم، الصورة كانت رسالة واضحة للإرهابيين الذين يتربصون بتونس وأمنها وشعبها، مفادها أن الخوف لا يعرف إلى قلوبهم سبيلا في مواجهة الإرهاب”.
وفي تعليقه على الصورة، قال وزير التربية التونسي ناجي جلول إن الحرب الإعلامية على داعش تعد جبهة أخرى لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية، مؤكدا أنه يساند هذا النوع من الصور ويساند نشرها على نطاق واسع جدا لأن في ذلك هزّا من معنويات العدو، وأضاف جلول قائلا “داعش ليس جيشا نظاميا، هم قتلة ولا يحترمون القانون. نحن في حرب ومنطق الحرب هو الربح أو الخسارة”.
وأضاف جلول “اعتمد داعش استراتيجية الترهيب والذبح في معاركه، والجيش التونسي كسر أسطورة داعش في بنقردان”. وأكد وزير التربية أن تمكن الجيش التونسي من هز المعنويات القتالية لعناصره وتدمير معنويات العدو كان بتضامن بين القوة العسكرية والمدنيين وأيضا القوة الدعائية التي ساندت القوات المسلحة في الحرب على الإرهاب الذي لم ينقطع منذ أحداث 14 جانفي 2011.
وجب احترام الحرمة الجسدية لقتلى هذه العملية والمقبوض عليهم، نظرا لعدم فصل القضاء في التهم الموجهة إليهم
أما الناشطة الحقوقية فاطمة الغريبي، فكان رأيها متطابقا مع رأي وزير التربية، حيث اعتبرت أن نشر هذه الصورة يعتر “أخذا بثأر الراعي الصغير الذي قام الإرهابيون بقطع رأسه ونشر فيديو ذبحه”، وكتبت على صفحتها على فيسبوك قائلة إن “القضية هنا ليست أن نكون مع أم ضد، هي فرحة انتقام البواسل على أعداء وخونة تونس، وهي إطاحة بجرذان وكلاب غادرة”، وأضافت متسائلة “ألم ينكل الدواعش بجثث إخواننا الأبرياء في سوريا والعراق وليبيا؟ ألم يبعثوا برأس الراعي الصغير في كيس لأمه في تونس؟ ألم يفرحوا بقطع الرؤوس؟ ألم يعبثوا بطفولة بريئة وأمهات لا حول لهن ولا قوة؟ ألم ينشروا لنا صورا ومقاطع فيديو مرعبة لبث الخوف والهلع؟ ألم يقتلوا غدرا رجالا شرفاء ذنبهم الدفاع على حرمة وطنهم؟ ألم يهجر بسببهم الملايين أوطانهم؟ ألم يمت الآلاف بردا وحرا وجوعا؟ لم يسلم منهم بشر أينما حلوا؟ هم أعداؤنا وأعداء الوطن، ولتكن إجابتي: نعم أنا مع نشر الصورة، ومع المزيد من الصور”.
هذا واعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبدالستار بن موسى أخذ صورة سيلفي مع جثث الإرهابيين في بنقردان من قبل الجنود، لا يعد تمثيلا بالجثث بأي شكل من الأشكال.
وأضاف عبدالستار بن موسى قائلا “سيلفي الجنود مع جثث الإرهابيين لا يعد تمثيلا بها ولا أرى أي مس بأي قانون في أي حال من الأحوال، إلا إذا كان نظاما داخليا في المؤسسة العسكرية”.
ودعا رئيس الرابطة إلى تنسيب الأمور وعدم تهويلها، ملاحظا أن الجنود الذين قاموا بذلك “صغار السن وغير متمرسين” وفق قوله، مبينا أن “الخبرة تلعب في مثل هذه المواقف دورا حاسما في السيطرة على الشعور بالنصر على الإرهابيين، وفي التحكم في المواقف”.