الصورة النمطية تلاحق المرأة العربية أينما حلت

واشنطن - يمتلك الشعب الأميركي انطباعا واحدا عن المرأة العربية يستمد جذوره من الثقافة الغربية وتصوّراتها للحضارة والثقافة العربيتين اللتين يبرز من خلالهما القمع الذي تلقاه المرأة داخل المجتمعات العربية حيث تسلب حقوقها ويمارس ضدها العنف المنزلي وتعاني باستمرار من عدم مساواتها في جميع مناحي الحياة بالرجل، إلى جانب ربطها بنمط معين في اللباس مثل الحجاب والنقاب اللذين باتا يقدمان أبعادا رمزية تتجاوز كونهما مجرد قطع قماش يتم ارتداؤها. هذه الصور التي تختزل المرأة العربية في الفكر الغربي يرى فيها المجتمع الأميركي تكبيلا لحرية المرأة.
لذا فهو يعتبر أن أيّ نجاح لها هو نجاح فردي ولا يمكن تعميمه واعتباره نجاحا للنساء العربيات ككل لأن في وعيه الجماعي هناك قالب أو حدود معينة معروفة للمرأة العربية وغير ذلك هو مجرد إنجاز عابر وفردي.
ترى الإعلامية ليلى الحسيني المذيعة في إذاعة صوت العرب، أحد أهمّ الإذاعات العربية التي تبثّ من داخل الولايات المتحدة وتقدم برامج إذاعية متنوعة باللّغتين العربية والإنكليزية، وهي تبث من ولاية ميشغان وواشنطن دي سي الأميركية، بأنه حتى الآن لم تستطع المرأة العربية الأميركية تغيير الصورة النمطية السائدة عنها في أميركا رغم الجهود الفردية التي تقوم بها بعض السيدات العربيات في أميركا، وهذا إذا نظرنا للمجتمع الأميركي بشكل عام، لكن بشكل فردي يوجد في هذا المجتمع بعض الأفراد الذين تغيرت صورة المرأة العربية الأميركية لديهم وذلك بحكم الاختلاط بين الطرفين. وعادة ما ينتمي هؤلاء إلى فئة المثقفين أو فئة الطلاب وهي شرائح غير كبيرة عدديا لكنها مؤثرة.
وتعتبر الحسيني بأن الصورة النمطية المكرّسة عن المرأة العربية في أميركا مستمدة في الواقع من الميديا ووسائل الإعلام الأميركية، التي مازال بعضها يسعى جاهدا إلى تعزيز تلك الصورة والمحافظة عليها كما هي وحصرها في نفس القالب. هذه الصّورة الضعيفة يتعمّد الإعلام الأميركي استخدامها لتقدم بدورها صورة عن العالم العربي الذي يعيش نوعا من التخلف في المعاملة غير العادلة للنساء.
وتذهب الحسيني إلى اعتبار هذا الممارسة تمثل شكلا تضليلا إعلاميا يحدث في حق النساء العربيات وللأسف تشارك فيه الجالية العربية بطرق غير مباشرة فتعبر عن ذلك قائلة "هناك جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتقنا نحن العرب المقيمون هنا ونحن مسؤولون عنه، فتكريس الصورة المغلوطة جزء منه نساهم فيه نحن وذلك يعود لعدم تفاعل وتواصل الكثير من النساء مع المجتمع الأميركي وبسبب عدم وجود إعلام عربي أميركي مؤثر في المهجر".
من ناحية أخرى تؤكد محدثتنا أن الإعلام إذا توفرت له عناصر القوة يصبح قادرا على أن يؤثر مع الوقت في تغيير صورة العرب والمسلمين بصفة عامة، ومن ذلك يسعى للتركيز على صورة المرأة العربية ويقدم حقائق حول حياتها والدور الذي تلعبه في المجتمع الأميركي كما يمكنه أن يقدم صورة جديدة تبرز المرأة العربية كعنصر فاعل مثابر وقوي يسعى دوما لتحقيق التقدم في المجتمع.
|
ترسيخ الصورة السلبية
تشاطر الدكتورة نسرين صوان الحاصلة على البورد الأميركي في الأمراض النفسية والعصبية ونائب رئيس الجمعية الطبية العربية الأميركية لفرع شيكاغو في ولاية إلينوي رأي الإعلامية الحسيني، وهي تعتبر أن المرأة العربية الأميركية قد حققت قفزات نوعية من خلال المثابرة والاجتهاد في العمل على مدى سنوات استطاعت فيها تحقيق إنجازات ر في مجالات كثيرة، ومع ذلك لازالت الصورة النمطية عنها لا تبرح مكانها ولازالت معظم فئات المجتمع الأميركي تراها من نفس المنظور من خلال عين واحدة في صورة المرأة الضعيفة المعنّفة مسلوبة الإرادة التي لا رأي لها ولا تستطيع اتّخاذ القرارات.
وتحمل صوان وسائل الإعلام الغربية مسؤولية ذلك لأنها تتبع أجندات خاصة هدفها تشويه صورة العرب بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة وهدفها الترويج لصورة معينة عن المرأة العربية التي لا تفقه شيئا علي الإطلاق، متجاهلين القيادات النسائية الناجحة المتواجدة في الجالية العربية المسلمة.
كما تعتبر صوان أن بعض العادات والتقاليد العربية القادمة من الشرق والتي حملها العرب معهم من بلدانهم ساهمت هي الأخرى في تعزيز هذه الصورة ومنها عدم الاهتمام بتعليم الفتاة، فبعض الأسر العربية المهاجرة المقيمة في المدن والولايات الأميركية ترى أن أفضل حماية للفتاة هي عدم إعطائها الفرصة لإكمال تعليمها بل وتزويجها في سن مبكرة ما ينتج عنه وجود أمهات لا يتعدين العشرين سنة من العمر، ورغم وجود فرص تعليم جيدة إلا أنهن لا يستطعن إكمال دراستهن بسبب الزوج أو الأطفال القادرين على إرباك أو منع عودتها بعد الزواج لمقاعد الدراسة. وفي حالة الطلاق فإن الزوجة غير المتعلمة تتحول إلى عبء على الدولة التي تصبح مسؤولة عن توفير نفقات لها.
وتؤكد الدكتورة نسرين أنه لا بد من التخلص من هذه الصورة الضعيفة عن المرأة العربية لأنها لا تنقل صورة حقيقية وكاملة مئة بالمئة؛ فالمرأة العربية في أميركا ربما تكون أفضل من غيرها فهي رغم طموحاتها الشخصية والمهنية إلا أنها تسعى جاهدة لتوفير الراحة في بيتها لزوجها وأطفالها حتى لا تتهم بالإهمال، وهذا يضاعف من مجهودها داخل المنزل وخارجه.
لذا فإنه من الظلم أن تبقى هذه المرأة أسيرة لتلك الصورة غير الحقيقية وغير الواقعية، والتحرر من هذه الصورة النمطية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاهتمام بالتعليم وتعريف المرأة بحقوقها المدنية والاجتماعية.
وتقول صوان "لن يتم ذلك إلا من خلال العمل على تثقيف المرأة العربية الأميركية وتعريفها بحقوقها الاجتماعية والسياسية وتربيتها من الأساس على عدم الاعتماد على الرجل بل على الاهتمام بإظهار شخصيتها وكينونتها من خلال اختلاطها بالمجتمع والاندماج مع محيطها الخارجي، مع الإصرار على المحافظة على ثوابتها الأخلاقية لأنها تظل أهم ما يميز المرأة العربية في أميركا وهي التي يمكن أن تروّج للصورة الحقيقية المميزة لها".
الإعلام العربي دور غير فعال
من جانبها لا تختلف سحر خميس دكتورة الإعلام والاتصالات في جامعة ميرلاند الأميركية وعضو مجلس إدارة خدمات الجالية العربية في الولاية نفسها، عن آراء كل من سبقوها، بل تؤكد أنه بالرغم من وجود نماذج مشرّفة من النساء العربيات الأميركيات سواء في الطب أو الهندسة أو المحاماة أو أساتذة الجامعات والإعلاميات وغيرها من المجالات إلا أن الصورة الراسخة في أذهان الأميركيين وفي معظم وسائل الإعلام الغربي لازالت إلى حد بعيد صورة سلبية أكثر منها إيجابية سواء فيما يخص العرب والمسلمين عموما أو بخصوص المرأة العربية والمسلمة.
وترجع خميس السبب في ذلك إلى غياب إعلام عربي مميز يسعى لتقديم صورة العرب والمسلمين بالشكل الأمثل والصحيح وبصورة واضحة تبرز الجوانب المشرقة في الحضارة العربية الإسلامية بشكل عام ولكن مع الأسف الإعلام العربي الأميركي مازال إعلاما ضعيفا يكرر ما تنقله وسائل الإعلام الغربية والعربية.
أما الإعلام الغربي فمعظمه مسيّس يتبع أجندات خاصة وينقل ما يريد من خلال تصوير بعض المحطات في حياة المرأة العربية والوقوف عليها لتقديمها للمجتمع الغربي بصورة سلبية، فهو لا يركز إلا على السلبيات في المجتمع العربي والمسلم والتي منها ما يختص بالمرأة من خلال تصوير واقعها الصعب الذي لا يمكّنها من أن تكون واجهة مشرفة أو امرأة منتجة، بالإضافة إلى الاهتمام بنقل الصورة التي تظهر الإسلام بطريقة لا يحترم فيها المرأة وخاصة في أماكن النزاع الحالية والحروب، والذي من خلاله شوهت صورة المرأة العربية بالكامل متجاهلين أن في الحروب دوما هناك ضحايا من الجانبين ليس للدين علاقة بها وبالتالي فهو إعلام منحاز انحيازا كاملا لكل ما هو ضد العرب والمسلمين بصفة عامة بسبب تصاعد الإسلاموفوبيا.
كما تشير عضو مجلس إدارة خدمات الجالية العربية في ميريلاند إلى أن بعض التقاليد التي تمارس في بعض البلاد العربية كتعدد الزوجات والنقاب والختان وضرب الزوجة وجرائم الشرف رسّخت في عقل المواطن الأميركي فكرة مغلوطة عن المرأة العربية التي بمجرد سماعه عنها أو رؤيتها تطرأ في ذهنه كل هذه الأمور، وهذا ما نجده من خلال مناقشات تتم أحيانا مع الأميركيين. لأجل ذلك تقول سحر خميس "يبقى التغيير فرديا في بعض الحالات وليس عاما، فعدد قليل من الأميركيين لديهم القبول لتغيير آرائهم في المرأة العربية وفي العرب والمسلمين إلا أن الأغلبية لازالت تحمل هذا الفكر وتتوارثه".
وتنهي خميس حديثها موجهة دعوة للجالية العربية في المهجر بأنه من الواجب زيادة تفاعلها وتواصلها مع المجتمع الأميركي، كما تطالب المرأة العربية بزيادة الانخراط في المجتمع والاندماج فيه مع المحافظة على الهوية والاهتمام بمسألة التعليم وهي من السبل الفعالة لأنها التي ستسهم في نقل صورة مشرّفة عنها وعن الجميع بالإنابة.