"الطلاق العرفي" يحول خلافات الأئمة إلى أزمات مجتمعية

دخول المجتمع المصري في دوامة من الفتاوى والآراء المتضاربة حول مسألة الطلاق العرفي أو ما يعرف بالطلاق اللفظي، أثار أزمة بين بعض الأئمة وألزم العلماء على الاتفاق لإيجاد مخرج يحفظ حقوق الزوجة ويطمئن المجتمع.
الاثنين 2016/02/29
\"أنت طالق\" باتت مثل \"صباح الخير\"

القاهرة - يبدو أن كل ما يندرج تحت كلمة “العُرف” أصبح يثير أزمات، ومع أن الكثير من المجتمعات العربية لم تتخلص بعد من سجال الفتاوى حول إقرار أو تحريم “الزواج العرفي”، غير أنها دخلت في دوامة من العراك تدور رحاه حاليا بين بعض الأئمة حول “الطلاق العرفي” وكونه نافذا أم لا؟

الطلاق العُرفي هو كل طلاق يقع دون الحصول على مستند رسمي يثبته أو ما يعرف بـ”وثيقة طلاق”، سواء كان ناجما عن زواج رسمي أو عرفي.

وتكمن مشكلة الطلاق العرفي في أن الشرع يقره بالفعل منذ القدم، لكن القانون في بعض الدول العربية لا يعترف به ما لم يكن موثقا، ومن ثمة يفقد ما يترتب عليه من حقوق وواجبات.

ولأن الأسر العربية نشأت على أن كلمة الطلاق معهودة إلى الرجل، فكان تحول تلك العهدة من وجهة نظر البعض إلى آفة تهدد المجتمعات وتسهم في هدم مؤسسة الأسرة، وهو ما يفرض التدخل والتكاتف للتصدي لها بحزم.

ومن هنا جاءت فتاوى رافضة الاعتراف بالطلاق (العرفي) الشفهي ومؤكدة بطلانه وعدم شرعيته إن لم يكن موثقا. وقد عارضها رجال الدين والفقهاء بعد صدورها وحاولوا التصدي لها، مما أثار عدة أزمات في المجتمع المصري مؤخرا. ولعل أبرز مثال على ذلك عودة زوجة إلى زوجها بعد طلاقها شفهيا ثلاث مرات (وهو ما لا يسمح به الشرع الإسلامي)، إلا أن دار الإفتاء في مصر أقرت بأن الطلاق قد وقع بالفعل وأن العودة حرام شرعا، ولكن الأزمة الحقيقية تمثلت في أن الزوجة حامل، مما يطرح العديد من التساؤلات حول الحلول الممكنة للتعامل مع هذه القضية.

مثال آخر لزوجة طلقت لفظيا ولم يوثق طلاقها بعد، وعرفت أنه من الناحية الشرعية يجوز لها أن تتزوج، طالما أنها لم تُخبر بالرجعة أثناء فترة العدة، فتزوجت عرفيا لأنه لا يمكنها عقد زواج في ظل عدم وجود وثيقة طلاق، وسافرت إلى زوجها الجديد أملا في الحصول مستقبلا على الأوراق الرسمية لتوثيق زواجها، لكنها بتلك الفتوى أصبحت تجمع بين زوجين.
العلماء توصلوا إلى أن تقنين الطلاق الشفهي هو في صالح الأسرة، بعد تهاون الأزواج في التلفظ به

مها عبدالستار، استشارية العلاقات الأسرية، ترى أن دعوات بطلان الطلاق العرفي لها مدلول إنساني استوحاه الفقهاء من روح الدين الإسلامي، سببه أن الطلاق العرفي فرق الآلاف من الأسر العربية، وشرد أطفالا أبرياء لم يقترفوا أي ذنب. وأوضحت لـ”العرب” أن التسرع من جانب الزوج ورميه يمين الطلاق وقتما يشاء مستغلا حقا كفله له الشرع، جعلته (يمين الطلاق) كلمة تلوكها الألسن من دون رادع، وأثارت جدلا لا ينتهي، بسبب نكران الزوج لما تلفظ به بحجة حرصه على استقرار الأسرة وتمسكه بزوجته، حتى وإن كان الثمن التعايش في الحرام.

وهذه الإشكاليات وغيرها جعلت الطلاق العُرفي مرتعا خصبا لرجال الدين والفقهاء يفسرونه كما يحلو لهم، وفي هذا الإطار كان التحرك من جانب دعاة في الدولة المصرية بإقامة دعوى قضائية منظورة حاليا أمام محكمة القضاء الإداري المصري، لرفض هذا النوع من الطلاق.

هؤلاء الدعاة أخذوا على عاتقهم كما يقولون تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع روح العصر، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا الأسرة ومنها قضايا الطلاق غير الموثق الذي أضحت ساحات المحاكم تعج به.

ووفقا لإحصائية أجراها مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري، هناك 240 حالة طلاق تقع يوميا، أي بمعدل حالة كل 6 دقائق، حيث أضحت مصر الأولى على مستوى العالم في نسبة الطلاق التي ارتفعت من 7 بالمئة إلى 40 بالمئة خلال القرن الأخير.

وتلك الإحصائية كانت مفزعة للكثير من الخبراء، الأمر الذي دعا البعض إلى إصدار فتاوى بأنه “لا طلاق بغير شهود”، فالزواج ميثاق غليظ لا يجوز ترك فكه لكلمة طائشة تخرج لحظة غضب ودون شهود.

واستنكر جميع الخبراء تحريم رجال الدين للزواج العرفي لأنه يتمّ من دون حضور شهود ومن دون توثيق، في حين أنهم يعترفون بالطلاق غير الموثق الذي لا يكتمل فيه شرط الشهود.

خبراء يستنكرون تحريم رجال الدين للزواج العرفي لأنه يتمّ من دون حضور شهود ومن دون توثيق، في حين أنهم يعترفون بالطلاق غير الموثق الذي لا يكتمل فيه شرط الشهود

وهذه الفتوى سبق إليها الداعية خالد الجندي، حيث أفتى بعدم وقوع الطلاق إلا بالاشهاد الموثق أمام مأذون. وبرر الجندي دعوته بأن “الطلاق الشفوي قضية تمس كل أسرة وكل فتاة والمرأة ظُلمت كثيرا بسبب ذلك الأمر وتم التقليل من مكانتها”.

وهاجم علماء أزهريون الجندي واتهموه بأنه السبب في إثارة أزمات مجتمعية وأكدوا لـ”العرب” رفضهم التام للدعوى المقامة حاليا، موضحين أن الصيغة القولية في شأن الطلاق توافق عليها جميع المسلمين، وأن الطلاق يقع فور التلفظ به من الزوج لزوجته بقوله “أنت طالق”. وأوضحوا أن الصيغة الكتابية في وثائق حكومية هي إجراءات إدارية وليست أبدا إلغاء للصيغة القولية.

ويتفق مع هذا الرأي ياسر حمدان الأكاديمي بكلية الدراسات العربية جامعة الأزهر، مؤكدا لـ”العرب” أن الطلاق اللفظي هو الأصل كما هو الزواج باللفظ، وأن التوثيق فقط لحفظ الحقوق وتسجيل النسب.

ويدلل على كلامه بأن وثيقة الزواج تأتي بعد التلفظ به من الزوج وولي أمر الزوجة، حيث يبدأ المأذون بإقرار المتعاقدين لفظا ثم يسجل بعد ذلك، وكذلك الطلاق يقع بمجرد التلفظ به، والمخرج الصحيح هو تعليم الأزواج والتشديد عليهم في ما ينطقون به وليس إعطاؤهم مبررا لذلك أو إبطاله.

وفي المقابل، رفض الدكتور سمير عبدالغني، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، هذا الرأي “متحجر الفكر” من وجهة نظره. وأوضح لـ”العرب” أن استهانة بعض الأزواج بلفظ الطلاق فرض على العلماء الاتفاق حول إيجاد مخرج لحفظ حقوق الزوجة مستقبلا وطمأنة المجتمع بشأن هذه القضايا الهامة.

وجدير بالإشارة إلى أن إيجاد حلول للطلاق العرفي فرض على المسؤولين والمهتمين بهذه القضية في مصر اجتماع كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية لدراسة هذه المسألة من أجل التوافق عليها وإيجاد حلول لها، وقد توصل العلماء إلى الخروج بخلاصة مفادها أن تقنين الطلاق الشفهي يظل في صالح الأسرة.

21