مصر والسعودية.. صدام لا تحتمله المنطقة

الخميس 2016/02/25
وقف المساعدات السعودية للبنان ذات مغزى سياسي عميق

القاهرة- حمل إعلان السعودية عن وقف مساعداتها للبنان جملة من الرسائل ذات المغزى السياسي العميق، لأطراف مختلفة بالمنطقة؛ وقد تركّز الأمر بالأساس على مصر، حيث بات السؤال الذي يتردد في الوقت الراهن، هل يمكن للسعودية أن تأخذ القرار نفسه تجاه مصر.

السؤال السابق، ظهرت تجلياته في البطء المصري في التجاوب مع تصورات السعودية الإقليمية، الأمر الذي أفضى إلى بطء مقابل من جانب السعودية في الوفاء بالتزامات مادية تقدر بنحو 4 مليارات دولار كان من المتوقع أن تقدم للقاهرة خلال الأيام الماضية.

وتدفع هذه التجليات نحو أسئلة أخرى تكشف عن معالم التوجس والحذر التي بدأت تتزايد، وتضاعف من أهمية التوقف عند التساؤل بشأن مدى إمكانية أن يتكرر القرار السعودي تجاه لبنان مع القاهرة أيضا، علاوة على أسئلة أخرى من نوعية هل تقف مصر عقبة في وجه السعودية في خطتها للتدخل العسكري في سوريا؟ وماذا عن الزيارة المرتقبة للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في 4 أبريل المقبل؟

وهل ستكون فحوى الزيارة محاولة للتأثير أو الضغط على الجانب المصري، حتى يتجاوب مع مطالب السعودية في سوريا؟ وهل ستظل القاهرة مصرة على موقفها من التدخل العسكري في سوريا والذي عبرت عنه بالرفض أم أن هناك تغيرا يمكن حدوثه؟
العلاقات المصرية السعودية عبر 64 عاما
القاهرة- دخلت العلاقات المصرية السعودية، منذ تاريخها مع تأسيس الجمهورية المصرية في عام 1952، وحتى اليوم في أطوار “الدعم”، و”القطيعة”، و”التذبذب” عبر أحداث بارزة، منها:

* بناء السد العالي: كان موقف السعودية داعما لمصر، وقدمت في 27 من أغسطس عام 1956 نحو 100 مليون دولار للقاهرة، بعد سحب العرض الأميركي لبناء السد العالي، وفق هيئة الاستعلامات المصرية (تابعة لرئاسة الجمهورية).

* الصراع اليمني في الستينات: في ستبمبر 1962، قامت حرب أهلية، عقب انقلاب المشير عبدالله السلال (المدعوم من مصر)، على الإمام محمد البدر حميد الدين أمير المملكة اليمنية، المدعوم من السعودية وقتها، واستمرت الحرب ثماني سنوات (1962 – 1970).

* مواجهة التدخل الإسرائيلي في مصر: لعبت السعودية، دورا في دعم مصر، إبان الإعتداء الإسرائيلي علي أرضها، وفي حرب أكتوبر 1973، قامت بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة وساهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت الرياض معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر.

* مفاوضات كامب ديفيد: توقيع اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1979 كانت الأزمة الأكبر في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث قررت السعودية في 23 أبريل 1979 قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر.

* ثورة يناير 2011: أشادت الرياض بدور الجيش في الانتقال السلمي للسلطة، عقب تنحي مبارك، وشهدت العلاقات تذبذبا.

* ثورة يونيو 2013: أعلنت السعودية الوقوف بجانب مصر، وتقديم مساعدات بقيمة أربعة مليارات دولار، ورحبت بنتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو 2014.

* تسريبات صوتية ضد دول الخليج: تسببت تسريبات صوتية منسوبة لمسؤولين مصريين ضدّ دول الخليج في فبراير 2015، في أزمة كانت مثار جدل إعلامي كبير، وتدخل السيسي وقتها باتصالات مكثفة بدول خليجية منها السعودية، لاحتواء الأمر والتأكيد على متانة العلاقات، وردت السعودية أن موقفها الداعم لمصر أكبر من أي محاولة لتعكيره.

* الأزمة اليمنية: فور انقلاب الحوثيين على شرعية الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أعلنت السعودية، في مارس 2015 التدخل العسكري، وكانت مصر من الدول المؤيدة لعاصفة الحزم. ثم دعمت القاهرة الرياض عندما أعلنت الأخيرة تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادتها، يضم 34 دولة.

* الأزمة السعودية الإيرانية: في مطلع يناير الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السعودية إعدام 47 ممن اعتبرتهم أعضاء في “تنظيمات إرهابية”، من بينهم رجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر. وكانت مصر من الدول التي دعمت موقف المملكة.

* الأزمة السورية: ترفض مصر التدخل لإزاحة بشار الأسد، ورأى وزير الخارجية المصرية سامح شكري، في تصريحات صحفية أن إعلان السعودية والإمارات، استعدادهما للتدخل البري في سوريا، “أمر سيادي منفرد”، مشيرا إلى أن “مصر تدعم الحل السياسي هناك”.

خالد عكاشة، مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية والاستراتيجية بالقاهرة، أكد لـ “العرب” أن تصريحات وزير الخارجية المصري حول عدم موافقة القاهرة على التدخل العسكري في سوريا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالروابط بين القاهرة والرياض التي تعد أكثر تعقيدا، خاصة وأن تعقيدات الأزمة السورية أكبر من إتاحة الفرص للخروج منها.

ودلّل عكاشة على قوله بمناورات رعد الشمال العسكرية، التي تشارك فيها القوات المسلحة المصرية على الأراضي السعودية، مشيرا إلى أن أمن السعودية أحد أهم خطوط الأمن القومي، وساحة دفاع عن المصالح المصرية، ومن ثم فانسحاب الموقف من لبنان على مصر يبدو ضعيفا جدا.

وأضاف الخبير الأمني أن مصر ليست عقبة أمام السعودية، إذا رغبت في فعل ما تمليه عليها مصالحها وحساباتها، وأن التصريحات التي خرجت من الرياض بخصوص التدخل البري في سوريا أسيء فهمها، حيث أن الحقيقة تقول إنها تساهم بقوات خاصة وضمن تحالف يضم 40 دولة.

وأشار إلى أن مصر لم تتدخل برا في ليبيا وهي الأكثر تهديدا لأمنها القومي، وأن تدخلها، جوا وبحرا، في اليمن جاء ضمن مطالبة من السلطات الشرعية وقوات التحالف العربي وعبر استدعاء من الرئاسة اليمنية. وشدد على أن زيارة العاهل السعودي للقاهرة في إبريل المقبل تأتي في إطار تبادل الرؤى والتشاور حول وجهات النظر لفتح آفاق جديدة للتفاهم في قضايا مختلفة.

لكن رؤية عكاشة المتفائلة بأفق العلاقات بين القاهرة والرياض، تجد تحفظا من قبل بعض المراقبين، فالمحلل السياسي أحمد فارس يرى أن هناك رسالة خفية من تعامل السعودية مع لبنان تقول “من ليس معنا فهو ضدنا” والدعم يقابله الدعم.

وقال لـ “العرب” إن الرياض لا تريد أن تدخل في مواجهة مباشرة مع مصر، لذلك بعثت برسالة عبر لبنان ربما تعيد القاهرة من خلالها حساباتها قبل زيارة الملك سلمان للقاهرة، ولا تضطر السعودية إلى تعميق الخلاف مع مصر.

ولفت فارس إلى أن سياسة الرياض تجاه القاهرة هي نفسها تقريبا تجاه إسلام أباد، وأن الرسالة ستكون شديدة اللهجة مع كل الحلفاء، خاصة إذا استطاعت روسيا وبشار الأسد الوصول إلى ريف حلب وقطع الإمدادات القادمة من تركيا عن المعارضة السورية، حيث تعد ضربة قاسمة للقوى التي تدعمها الرياض.

وكشف المحلل السياسي عن أن الرسائل السعودية المنتظر أن توجهها الرياض للقاهرة أيضا، قد تكون من خلال ترشيحها لأحد دبلوماسييها لرئاسة جامعة الدول العربية خلفا للأمين العام الحالي نبيل العربي، والذي تنتهي مدة رئاسته في القمة المقبلة، ومحاولة سحب المنصب من مصر، والذي احتكرته تاريخيا بحكم أنها دولة المقر.

وأوضح فارس أن ما يحدث مع لبنان يمكن وصفه بأنه بالون اختبار للعلاقة المصرية السعودية، ورسالة غير مستبعد أن تكون لها أصداء سلبية لدى القاهرة، وهو ما يعني أن العلاقة بين البلدين محفوفة بمجموعة من المخاطر، ما لم يتم التفاهم حول صيغة تساعد على التقارب.

ومع ذلك تبدو العلبة الرؤية التي تقول إن لدى القاهرة شبكة كبيرة من المصالح مع الرياض تجعل هذا السيناريو بعيدا، ومقارنتها بلبنان خاطئة، من حيث الأهمية الاستراتيجية والخضوع للضغوط، والتركيبة المجتمعية، والطبقات الحاكمة أو المسيطرة في صناعة القرار السياسي وهكذا.

7