مصر والسعودية.. صدام لا تحتمله المنطقة

القاهرة- حمل إعلان السعودية عن وقف مساعداتها للبنان جملة من الرسائل ذات المغزى السياسي العميق، لأطراف مختلفة بالمنطقة؛ وقد تركّز الأمر بالأساس على مصر، حيث بات السؤال الذي يتردد في الوقت الراهن، هل يمكن للسعودية أن تأخذ القرار نفسه تجاه مصر.
السؤال السابق، ظهرت تجلياته في البطء المصري في التجاوب مع تصورات السعودية الإقليمية، الأمر الذي أفضى إلى بطء مقابل من جانب السعودية في الوفاء بالتزامات مادية تقدر بنحو 4 مليارات دولار كان من المتوقع أن تقدم للقاهرة خلال الأيام الماضية.
وتدفع هذه التجليات نحو أسئلة أخرى تكشف عن معالم التوجس والحذر التي بدأت تتزايد، وتضاعف من أهمية التوقف عند التساؤل بشأن مدى إمكانية أن يتكرر القرار السعودي تجاه لبنان مع القاهرة أيضا، علاوة على أسئلة أخرى من نوعية هل تقف مصر عقبة في وجه السعودية في خطتها للتدخل العسكري في سوريا؟ وماذا عن الزيارة المرتقبة للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في 4 أبريل المقبل؟
|
خالد عكاشة، مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية والاستراتيجية بالقاهرة، أكد لـ “العرب” أن تصريحات وزير الخارجية المصري حول عدم موافقة القاهرة على التدخل العسكري في سوريا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالروابط بين القاهرة والرياض التي تعد أكثر تعقيدا، خاصة وأن تعقيدات الأزمة السورية أكبر من إتاحة الفرص للخروج منها.
ودلّل عكاشة على قوله بمناورات رعد الشمال العسكرية، التي تشارك فيها القوات المسلحة المصرية على الأراضي السعودية، مشيرا إلى أن أمن السعودية أحد أهم خطوط الأمن القومي، وساحة دفاع عن المصالح المصرية، ومن ثم فانسحاب الموقف من لبنان على مصر يبدو ضعيفا جدا.
وأضاف الخبير الأمني أن مصر ليست عقبة أمام السعودية، إذا رغبت في فعل ما تمليه عليها مصالحها وحساباتها، وأن التصريحات التي خرجت من الرياض بخصوص التدخل البري في سوريا أسيء فهمها، حيث أن الحقيقة تقول إنها تساهم بقوات خاصة وضمن تحالف يضم 40 دولة.
وأشار إلى أن مصر لم تتدخل برا في ليبيا وهي الأكثر تهديدا لأمنها القومي، وأن تدخلها، جوا وبحرا، في اليمن جاء ضمن مطالبة من السلطات الشرعية وقوات التحالف العربي وعبر استدعاء من الرئاسة اليمنية. وشدد على أن زيارة العاهل السعودي للقاهرة في إبريل المقبل تأتي في إطار تبادل الرؤى والتشاور حول وجهات النظر لفتح آفاق جديدة للتفاهم في قضايا مختلفة.
لكن رؤية عكاشة المتفائلة بأفق العلاقات بين القاهرة والرياض، تجد تحفظا من قبل بعض المراقبين، فالمحلل السياسي أحمد فارس يرى أن هناك رسالة خفية من تعامل السعودية مع لبنان تقول “من ليس معنا فهو ضدنا” والدعم يقابله الدعم.
وقال لـ “العرب” إن الرياض لا تريد أن تدخل في مواجهة مباشرة مع مصر، لذلك بعثت برسالة عبر لبنان ربما تعيد القاهرة من خلالها حساباتها قبل زيارة الملك سلمان للقاهرة، ولا تضطر السعودية إلى تعميق الخلاف مع مصر.
وكشف المحلل السياسي عن أن الرسائل السعودية المنتظر أن توجهها الرياض للقاهرة أيضا، قد تكون من خلال ترشيحها لأحد دبلوماسييها لرئاسة جامعة الدول العربية خلفا للأمين العام الحالي نبيل العربي، والذي تنتهي مدة رئاسته في القمة المقبلة، ومحاولة سحب المنصب من مصر، والذي احتكرته تاريخيا بحكم أنها دولة المقر.
وأوضح فارس أن ما يحدث مع لبنان يمكن وصفه بأنه بالون اختبار للعلاقة المصرية السعودية، ورسالة غير مستبعد أن تكون لها أصداء سلبية لدى القاهرة، وهو ما يعني أن العلاقة بين البلدين محفوفة بمجموعة من المخاطر، ما لم يتم التفاهم حول صيغة تساعد على التقارب.
ومع ذلك تبدو العلبة الرؤية التي تقول إن لدى القاهرة شبكة كبيرة من المصالح مع الرياض تجعل هذا السيناريو بعيدا، ومقارنتها بلبنان خاطئة، من حيث الأهمية الاستراتيجية والخضوع للضغوط، والتركيبة المجتمعية، والطبقات الحاكمة أو المسيطرة في صناعة القرار السياسي وهكذا.