"طاسة الخضة" تعالج الخوف وتطرد الشرور في مصر

اعتادت مسامعنا على سماع أساطير تداولها أجدادنا وما زلنا نتداولها في حياتنا اليومية، حيث اختلطت علينا العادات والتقاليد، فهناك عادات نؤديها ونعتقد في صلاحيتها ولا نعرف أصلها إن كانت عادة متوارثة منذ القدم أم أسطورة ابتكرها الإنسان لتفسير وتحليل الظواهر الاجتماعية المبهمة والتعويض عن ضعفه، كالاعتقاد في طاسة تداوي أمراضا جسمية.
الخميس 2016/02/25
تحفة للسياح

القاهرة – "طاسة الخضة" صحن نحاسي مصقول مقعّر يزيد حجمها قليلا عن كفّ اليد، تحمل موروثا ثقافيا منتشرا في العديد من المجتمعات العربية، ترتبط بطقوس عند العرب منذ أزمنة سابقة تحت مسميات مختلفة مثل “طاسة الرجفة” أو “الضرعة”، وفي بعض الأحيان “الخوفة” أو “الرعبة”.

اسمها يعبر عن وظيفتها في مساعدة الشخص بعد ما يصاب بحالة رعب مفاجئ يفقده الاتزان النفسي، وأحيانا العقلي، ويصيبه بالمرض في أحيان أخرى.

الطريف أنه رغم اعتراف الكثيرين لـ"العرب" بأن الطاسة ليست سوى خرافة في رأيهم، لكنهم لا يستطيعون التطاول عليها أو التشكيك في استخداماتها، فحسب قولهم "لا جدوى من نقدها، خاصة أن طقوسها إن لم تكن تنفع فهي لن تضرّ أيضا".

لا يوجد تأصيل تاريخي موثق للطاسة، لكن حكاية أسطورية تقول إن ملك الجان الطيبين كان يستخدمها في الاستحمام، ثم نسيها في يوم من الأيام بجوار ينبوع وصادف أن وجدها رجل كان يمر بالمكان واكتشف أهميتها، فصنع منها نسخا كثيرة بأشكال وأحجام مختلفة.

سامي عبدالجليل باحث بمركز التراث والمخطوطات بالقلعة (وسط القاهرة)، لا يعترف بتلك الأسطورة، وقال لـ“العرب”، "إن أشهر "طاسة خضة" موجودة في المتحف الإسلامي وهي طاسة السلطان عز الدين أيبك أول سلاطين المماليك".

وأشار إلى أن هناك خلافا بين الباحثين حول نشأتها، فبعضهم يرى أن أصلها فرعوني، بينما الرأي الأرجح أنها ظهرت لأول مرة في العصر الفاطمي.

ويعارضه محمد صالح أستاذ الحضارة القديمة، موضحا “أن استخدام هذه الطاسة يرجع إلى العصر الفرعوني مدعما رأيه بوجود تمثال من الغرانيت الأسود في المتحف المصري يقوم على قاعدة لكاهن ساحر يدعى ‘زحر’ بها تعاويذ سحرية، فكان إذا أصيب أحدهم بمرض، صب الماء على التمثال ليتشبع بالتعاويذ ويشربه المريض”.

"طاسة الخضة" ليست سوى خرافة في رأي العامة، لكنهم لا يستطيعون التطاول عليها أو التشكيك في استخداماتها

الحكاية الشعبية للطاسة وكيفية استخدامها في العلاج شرحتهما لـ“العرب” أم نورهان ذات السبعين عاما، التي تحتفظ بطاستها المتوارثة عن عائلتها منذ أكثر من 140 عاما ملفوفة بقطعة من قماش الخيام السميك في مكان مظلم ومعتم ولا تخرجها إطلاقا في ضوء النهار.

في البداية أشارت إلى أن شكل “الطاسات” واحد لكن حجمها يختلف أحيانا ومعه تختلف الوظيفة، فالطاسة الصغيرة تُستَخدم في الحالات المرضية الخفيفة، كنزع الخوف عن الإنسان وحمايته من الكوابيس، أما الكبيرة فهي للحالات الصعبة كالتسمم ولسعة العقرب والصرع وإبطال مفعول السحر.

طاسة أم نورهان مزينة أطرافها بأقراط وأجراس ومفاتيح صغيرة جدا وخفيفة تتدلى منها، وهي، كما أوضحت صاحبتها، مفاتيح الفرج من الهموم، أما الأجراس فغرضها إزعاج الأرواح الشريرة وطردها من جسم المريض، أما جوانب الطاسة فهي مفرطحة، ويحيط بحافتها من الداخل شريط دائري مكتوبة عليه آيات قرآنية وأسفله مجموعة من الدوائر المتجاورة تحتوي أدعية منها “يا منان – يا حنان – يا حليم – يا قيوم”.

وتفتخر العجوز بأنها من القليلات اللاتي ورثن مع "الطاسة" قطعة من حجر أملس، قيل لها إنه اقتطع من جبل عرفات بالسعودية.

الشخص “المخضوض” تتعرف عليه أم نورهان بمجرد رؤيته، من عدة علامات منها سقوط جفنيه من الخوف، ووجود عقدة شعيرات دمويَّة بأعلى فخذه تؤلمه، كما أنه غالبا ما يقلق أثناء نومه بسبب الكوابيس، ويعاني من احتباس الدم بالعروق الموجودة بالمفاصل، وحول منطقة الحوض.

طقوس استخدام الطاسة تبدأ بوضع كوب من الماء المقطر النقي داخلها بعد أن تعرضها للبخور، وبواسطة الحجر المقدس تحركه دائريا بتمهل وصبر،‏ مع قراءة بعض الأدعية، ثم تتركها في العراء من بعد المغرب حتى الفجر لتتعرض للندى وترى النجوم.

وتحذر أم نورهان من نسيان الطاسة في العراء حتى طلوع الشمس لأنّ عواقب ذلك وخيمة، أهمها أن يتعرض المريض للأذى من الجنّ، على حد تعبيرها.

وأوضحت أنه عندما يتداخل الماء في بعضه‏، يقل حجمه، وتزداد كثافته‏، ويبدو طعمه مشوبا بمذاق حليبي، فيوضع جزء منه في كوب ليجرعه المخضوض دفعة واحدة‏، أما الجزء المتبقي، فيسكب في إناء مملوء بالماء الفاتر ثم يستحم به المفزوع لتغمر المياه كل أنحاء جسده‏.

تكرر هذه العملية لثلاث ليال أو سبع وقد تمتد إلى أربعين ليلة، حسب الحالة الصحية للشخص المخضوض، أما عن دليل شفائه فهو، كما توضح صاحبة الطاسة، عودة الطمأنينة إليه، حيث تهدأ أعصابه‏،‏ وتنتظم ضربات قلبه‏،‏ ويحدث التوازن بين الشهيق والزفير.

20