"موستانغ" يكشف النقاب عن مجتمع نسائي آخر في تركيا

تكشف الدراما خبايا وأسرار المجتمعات بشكل فني، وتسعى الدراما التركية، مسلسلات وأفلاما، إلى القيام بذلك بالإضافة إلى إثارة قضايا يحاول المجتمع المحافظ والقائمون على الشأن الثقافي والاجتماعي إخفاءها بعناية، ومن بين القضايا التي طرحتها السينما في تركيا تلك التي تتعلق بالمرأة وبحياتها اليومية في ظل مجتمع ذكوري محافظ يركز على إعدادها للزواج الذي يراه الخيار الأمثل لمستقبلها، وهو ما قدمته مخرجة تركية في فيلم “موستانغ” انطلاقا من تجربتها في بيئة محافظة.
الأربعاء 2016/02/24
انحناءة تسبق الانتصاب في وجه الماضي

لندن – يتحدث فيلم “موستانغ” من إنتاج مشترك تركي-فرنسي، عن المعركة التي تخوضها النساء داخل المجتمع التركي الخاضع للقيم الذكورية القمعية، أول مشهد في الفيلم يبدأ بدخول امرأة متقدمة في السن على خمس فتيات وهن جالسات على أكتاف بعض الفتيان من المنطقة ويسبحن معهم في المحيط. لتعتبر المرأة أن هذا السلوك بمثابة ارتكاب لـ”الفاحشة”، فتقرر معاقبتهن وحبسهن في البيت كعقوبة لهن، لكي يتعلمن الطبخ بدلا من الذهاب إلى المدرسة. فيصبح البيت بمثابة “مصنع ينتج الزوجات”، وتهتم الجدة بترتيب تزويجهن للرجال من أبناء المنطقة، وهو ما يدفع إحدى الأخوات إلى التمرد بجرأة واندفاع.

منذ العرض الأول للفيلم في مهرجان كان السينمائي الربيع الماضي، تم ترشيحه للمنافسة على تسع من جوائز سيزار وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم فرنسي بلغة أجنبية. يجسد الفيلم الظلم والقمع وطرق تربية البنات المتخلفة باتباع التقاليد البالية في إحدى القرى البعيدة عن المناطق الحضرية التركية، حيث يعتبر جنس الأنثى لعنة، لأن التعاليم الذكورية تبقى كالسيف المسلط على رقبتها طوال الوقت.

عاشت مخرجة الفيلم دينيز جامزي إيرغوفان بعضا من فصول حياتها في تركيا قبل أن تحوّلها إلى فيلم ينطلق من تجربتها الخاصة، وقد أوضحت في لقاءات صحافية أنه قبل بضع سنوات، كان كل فضولها يتمحور حول حياة المرأة في المجتمع التركي المحافظ، “الفكرة الأولى التي تبادرت إلى ذهني أن هناك مصفاة ذات طابع جنسي، يتم النظر من خلالها إلى أدق شؤون المرأة وتصرفاتها”. وتقول دينيز “على غرار اللقطة الأولى من الفيلم، في محيطي الأسري، عشت تلك الأمور التي تعتبر جلوس الفتيات على كتف أحد الفتيان، فضيحة ومجلبة للعار، أتذكر كيف كانوا يقررون بأن سنوات الطفولة قد ولت وانتهت، وكيف يتم إلقاء اللوم في كل الأمور على المرأة”.

وأضافت أنها في عام 2011، كتبت السيناريو الأول للفيلم، “ولكن مثل الكثير من الأحداث من واقعي والشخصيات الموجودة في حياتي، ركنته في الدرج. وبعد ذلك بعام أخذت المشروع من جديد، واخترت أن أبتعد عن الأحداث الواقعية، ولكن في النهاية تأكدت أن القصة لا تزال ذاتية كما كانت في البداية”.

دينيز جامزي إيرغوفان: هناك مصفاة ذات طابع جنسي، يتم النظر من خلالها إلى شؤون المرأة

وتوضح المخرجة الشابة أنه “في المجتمع التركي قد تكون النسوية أي مبادئ المساواة بين الجنسين سببا للشعور بالذنب ولكنها في أماكن أخرى مثل فرنسا، على سبيل المثال، تعتبر أمرا غير محبذ. وهناك الكثير من النساء، والشخصيات العامة والممثلات في فرنسا، اللاتي يرفضن هذا المصطلح لأنهن يعتبرن بأنه يقترن بأمور سلبية تلصق بالمرأة. وإذا قارنا النساء بأي مجموعة تطمح إلى المزيد من المساواة، على سبيل المثال حركة الحقوق المدنية، سوف نعتبر أنفسنا من آخر المناضلين”.

وكشفت أن الأمر أصبح مثل لعبة الشطرنج، وتقول “رغم أن الفيلم تم تصويره في تركيا، إلا أني لم أطلع الجميع على السيناريو، ولكن قمت بمشاركة أجزاء منه مع بعض الناس.

وأوضحت “كان هناك مشهد أثار حفيظة الفريق التركي، وهو مشهد يصور إحدى الشخصيات، وتدعى إيجي، تمارس الحب أمام أحد البنوك لأنه في الحياة الواقعية نحن إزاء بلد وبيئة محافظة، وكنا نصور تحت نوافذ مبنى المحكمة. وكانت اللقطات التي تبرز الناس وهم يشاهدوننا من النوافذ، حقيقية”.

وأفادت “في مرحلة ما، كانت عملية التصوير تسير بسرعة، وكانت إيجي بصدد خلع قميصها، عندما كان أحدهم مارا من تلك المنطقة. وتوقف عن الحركة، شعرنا (كامل الفريق) أن الدماء تجمدت في عروقنا” واستاء مدير الموقع في تلك الليلة بشكل كبير، حيث أكد أن تلك الليلة سوف تمر بسلام ولكن “الشائعات سوف تنطلق في الغد، وسوف نتعرض للضرب”.

وأكدت المخرجة التركية أن فرنسا تبنت الفيلم منذ بدايته، حتى وإن كان الفيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج، حيث لم يكن هناك أي تمييز بينه وبين فيلم “ديبان” للمخرج جاك أوديار الذي فاز بالسعفة الذهبية هذا العام. وتوضح إيرغوفان أن تفاعل الجمهور على شبكات التواصل الاجتماعي يبدو قريبا جدا من مضمون الفيلم. ويقول البعض منهم “عندما تسبح الفتيات، لا يوجد شيء مثير في ذلك”. في حين قال آخرون “عندما يسبحن أشعر بألم في معدتي، لا ينبغي لهن أن يفعلن ذلك أمام الكاميرا”.

وأعربت إيرغوفان عن ارتياحها لكل هذه المناقشات لأن السينما مهمة للغاية من حيث “الطريقة التي نفكر بها والطريقة التي تتشكل بها مجتمعاتنا”. وأضافت “من خلال تاريخ الفن والسينما اعتدنا النظر إلى العالم من خلال عيون الرجال، وهناك أشياء كثيرة عن تجربة الإناث التي غفلنا عنها”. وختمت بالقول “إن هذا الفيلم على الأرجح غريب بالنسبة إلى الذكور في تركيا، وكذلك بالنسبة إلى الناس على الجانب الآخر من العالم. رؤية العالم من خلال عيون هؤلاء الفتيات ووضع أقدام الجمهور على أرض الواقع، بالنسبة إلي شيء عظيم”.

12