عندما يتساوى نجاح الطفل مع فشله

هواجس كثيرة أثارها بعض الخبراء حول الانعكاسات النفسية لأضواء الشهرة على الأطفال، بعد تدشين إحدى القنوات الفضائية برنامجا عن اكتشاف المواهب الغنائية لدى الأطفال بين السابعة والرابعة عشر ربيعا.
الخميس 2016/02/18
خوف على الاطفال من نجوميتهم

تساءل متخصصون عن جدوى برنامج “ذي فويس كيدز” ودلالات توقيته، وهل حقا من الممكن اكتشاف المواهب مبكرا، أم أن الهدف تجاري؟ وكيف سيتقبل الطفل خروجه خاسرا من برنامج يشاهده الملايين؟ وفي حالة الفوز هل من الطبيعي أن يعيش الأطفال أجواء النجومية؟

القائمون على البرنامج أوضحوا أنّ فكرتهم في صالح الأطفال لتعزيز مواهبهم، وأنهم سيضعون في أولويّاتهم الاحتياجات النفسية والعاطفية للأطفال المشاركين.

وحاولوا طمأنة الرأي العام بأن هناك منهجا علميا لتأهيل الأطفال للمنافسة، بما في ذلك من تأهّل واستبعاد ونجومية، وأوضحوا أن الطفل في هذا العمر لديه متّسع من الوقت للنجاح أو الفشل، وجعبته مليئة بالكثير من الفرص والتحديات.

لكن الأزمة تفاقمت بعد خوض التجربة وعرض مجموعة من الحلقات من البرنامج لأطفال، بدا واضحا أن أغلبهم لا يدركون معنى المنافسة ولا يتقبلون فكرة الرفض. وأثبتت ردود الأفعال لدى الفائزين والخاسرين أيضا، أن هناك تبعات سلبية نفسية وعصبية ستنال منهم في المستقبل.

بكاء الأطفال المتبارين أمام الشاشات، ممن حالفهم الحظ أو لم يحالفهم، اعتبره مراقبون “اغتصابا صريحا للطفولة”، حيث يعتمد البرنامج على الشحنة العاطفية التي يثيرها البكاء، من أجل استقطاب الجمهور.

نشطاء دشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لمهاجمة البرنامج متهمين القائمين عليه بالمتاجرة ببراءة الأطفال، و”تزويد معاناتهم في زمنٍ يضجّ بمشاهد القتل والدماء“.

بعضهم أكد أن تلك المرحلة العمرية يكتسب فيها الطفل مفاهيم العمل الجماعي، وليست المنافسة. الجدل العربي حول هذا النوع من البرامج انصب أساسا حول عدم احترام حقوق الطفل، ووضعه تحت رحمة اختبار نفسي شديد الوطأة، سلبا أو إيجابا، ومخالفته لمعظم الدساتير والقوانين، خاصة أن سجالا دار في الولايات المتحدة الأميركية، حيث النسخة الأصلية من البرنامج، ولا تزال تداعياته مستمرة.

طبيب أطفال نفسي أميركي عارض البرنامج وشن حملة عليه، وتوقفت صحيفة “ديلي تلغراف” عند العديد من المخاطر التي يتعرض لها الطفل أثناء الوقوف على خشبة المسرح من ضغوط أكبر، قد تؤدي به إلى إصابته بمشكلات نفسية مستقبلا، مثل الاكتئاب والقلق.

كثيرون تساءلوا عن دور المنظمات الخاصة بحقوق الطفل في استغلال هذه البرامج للأطفال، ولماذا لم نسمع صوت إحداها (عربيا) تحذر وتتدخل لوقف هذه الطريقة التي تهدر بها براءة العديد من الأطفال؟

الجدل العربي حول هذا النوع من البرامج انصب أساسا حول عدم احترام حقوق الطفل، ووضعه تحت رحمة اختبار نفسي شديد الوطأة سلبا أو إيجابا

سامي بسيوني عضو الائتلاف المصري لحقوق الطفل، قال لـ “العرب” “لا يستطيعون التدخل لأن اشتراك الأطفال في تلك المسابقات يكون في معظم الأحيان بإرادة ذويهم المسؤولين عنهم”.

وقذف بسيوني بالمسؤولية على عاتق الأسرة ورغبة الأب والأم في إنجاز يحققانه من خلال أطفالهما، وهما بدورهما يساهمان في زيادة العبء النفسي على الطفل قبل خروجه على المسرح، ما ينتج عنه إحباط شديد عند الفشل يعمم في المستقبل بالعزوف عن المشاركة في أي مسابقة.

لكن مها سعيد أخصائية علاج نفسي للأطفال، ترى أن المشكلة الأكبر في أسلوب البرنامج، وليست في الأهالي الذين يريدون إظهار موهبة أبنائهم وتشجيعها.

وسألت “العرب” بعض المتخصصين وبحثت في الأمر، فبدا لها أن الأسلوب المستفز يزيد العبء النفسي على الطفل، وبدلا من أن يتحدث أعضاء لجنة التحكيم عن أدوات تحسين صوت الطفل وتلافي سلبياته، يستمرون في إدارة ظهورهم لها كإشارة إلى أنها غير مقبولة.

أوضحت سعيد لـ “العرب” أن هذا الأسلوب يعد افتراسا للبنيان النفسي الضعيف للطفل والذي لم يكتمل بعد، والخلل يكمن في العائلة والقائمين على البرنامج، لأنهم تعاملوا مع نجوميته وتجاهلوا براءته.

وأكدت أن تلك النجومية تحترق بعد الفشل، وتبقى في الذاكرة حركة إدارة ظهور المحكمين، وتتزايد المعاناة مع انحسار الأضواء، فيحاول الطفل العودة إلى طفولته مجددا ولا يستطيع، ومن ثم يدخل في “فترة حداد” قد يحتاج لتجاوزها إلى مساندة طبيب نفسي.

محمد عبدالواحد خبير الطب النفسي بمصر، طالب بعدم بث هذه المسابقات للأطفال قبل سن الثامنة عشرة، مؤكدا لـ “العرب” أن الطفل قبل هذه السن لا تستطيع مشاعره التحكم في استقبال الأحداث، وربما يبالغ في التعبير عنها، وتفاعله مع النجاح يكون بسعادة بالغة، ومع الفشل يكون بحزن شديد. وأضاف عبدالواحد أن تلك الحالة تضع الطفل تحت ضغط نفسي يجعل جسمه يفرز كمية كبيرة من الأدرينالين، الذي يمكن أن يِِودي بحياته أو يؤثر على مخه، فيصيبه بنوع من الاضطراب.

برنامج "ذي فويس كيدز" يثير ضجة اجتماعية

خبراء علم نفس آخرون أكدوا أن صدمة الخروج من المنافسة تختلف من طفل إلى آخر، وقد يصل الأمر إلى حد الاكتئاب أو الخوف، وربما يتطور عند البعض إلى إحباط يؤدي إلى التخلي عن الموهبة من الأساس.

شادي عبدالله استشاري الطب النفسي، قال لـ “العرب” إن تقييم الطفل والحكم عليه للحظات وقوفه على المسرح “قمة الظلم بالنسبة إليه”.

ونوه إلى أن فلسفة المسابقة اختبار بين متنافسين، قد يخسر أحدهما لأنه لم يكن في أحسن حالاته وقت انعقادها، وهو ما يستطيع أن يتفهمه الكبار ويجاهدون لتعويض الخسارة، لكن عند الطفل الأمر يمكن أن يؤدي إلى تدمير موهبته.

ولفت الاستشاري الانتباه إلى أن المتسابق صاحب الشخصية العنيدة، يمتلك سلاحا ذا حدين، فيمكن أن تقترن خسارته بتحدي وصقل موهبته، أو أن تصل به إلى عدوانية شديدة لا يستطيع من حوله تحملها.

الآثار السلبية لم تتوقف فقط على الأطفال الخاسرين في الاختبارات، بل تمتد آثارها إلى الناجحين أيضا، حيث يرى سمير عبدالرحيم خبير علم الاجتماع، أن الطفل بعد فوزه باللقب يتعرض إلى شهرة مبكرة تحدث له صدمة نفسية تأتي بنتائج سلبية على المدى البعيد، حيث تسرق طفولته، ويصاب بغرور سببه الاهتمام الزائد به، وسطوع نجمه في اختبار فشل في اجتيازه كثيرون.

ويخشى عبدالرحيم أن تؤدي النجومية بالطفل إلى انحرافه عن مسار طفولته الصحيح وربما تدميره، مشيرا إلى أن أطفالا كثيرين صعدوا سلم النجومية مبكرا لم يستطيعوا الحفاظ على نجاحهم بعد ذلك، ودخلوا في معاناة نفسية.

وفي تصريحات لـ “العرب” ضرب خبير الاجتماع مثلا ببطل سلسلة أفلام “وحدي في المنزل” الذي تحول إلى نجم شباك لهوليوود سنوات عدة، ومع ابتعاد الأضواء عنه علم الجميع خبر إدمانه المخدرات.

كما أن الكثيرين يخشون من أن تؤثر نجومية الطفل سلبا على عدد كبير من أقرانه الذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة، بوصفه نموذجا يسوّق لممارسات معينة.

21