شوقي عبدالأمير: الشعر موجود في السينما

شارك الشاعر شوقي عبدالأمير في فعاليات الدورة الـ21 من مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، حيث تمت دعوته ليساهم في الندوة الخاصة بالسينما والشعر، بصفته شاعرا، فهو كما يقول ليس سينمائيا، ولا ناقدا سينمائيا، بل جاء إلى الرباط ليتحدث عن الشعر والسينما، وعن تجربة بازوليني السينمائية، لأنه في تاريخ بازوليني كان الشاعر شوقي عبدالأمير جزءا من مشروعه في فيلم “ألف ليلة وليلة”، الذي تمّ تصويره باليمن وكان الشاعر سنة 1973 أحد عناصر مشروعه، حينما كان يعمل بالسفارة اليمنية في باريس، وكانت السفارة اليمنية هناك بفرنسا معتمدة في أوروبا، فقام بمساعدة بازوليني في الوصول إلى اليمن ليصور فيلمه، وذلك بالحصول له على تأشيرة الدخول.
التكنولوجيا والشعر
عن مشاركته في المهرجان يقول شوقي عبدالأمير “تحدثت عن السينما في علاقتها بالشعر، والفرق بين سينما السرد وسينما الشعر، وكان الموضوع بالنسبة إليّ مهمّا كشاعر، لأن اللغة الشعرية موجودة بالسينما كما هي موجودة باللغة، فاللقطة السينمائية هي المُفردة والمشهد هو العبارة، وهنا يصبح السرد مكونا من المفردة والعبارة، لكنها مرئية وليست منطوقة أو مكتوبة فقط، ولهذا يمكننا مشاهدة لقطة وكأنها قصيدة، ومن الممكن أن نرى مشهدا سينمائيا لكنه في الأصل هو شعر، أو كأنه شعر، لأن الشعر طقس، مناخ ورؤية، موجود بالسينما كما هو موجود في اللغة”.
إن كان بإمكان السينما أن تعتمد الشعر كمكوّن من مكوناتها، يقول الشاعر “يمكن للسينما أن تساهم كمتنفس يعتمد الشعر، لكن أفقها ليس كبيرا، لأن السينما تتطلب كثيرا من المتطلبات، عكس القصيدة التي نكتبها ثم تنشرها في جريدة أو في ديوان أو نطلقها على الإنترنت وانتهى الأمر، فهي من الممكن أن تكون بذرة لفيلم، لكن ذلك يتطلب توفر عناصر كثيرة حتى تصير فيلما، تتطلب أموالا وإنتاجا، وأشياء أخرى مادية وتقنية، لذا ليس سهلا تحويل القصيدة إلى فيلم، ولكنها من الممكن أن تكون فكرة فيلم أساسا إبداعيا له”.
الثقافة لا تحتاج إلى مال كثير، لكنها تحتاج إلى قليل من المال وكثير من سعة الأفق، والكثير من الحرية
يمكن اعتبار الكاميرا السينمائية أداة كتابة، وهذا ما يؤكده عبدالأمير بدوره، يقول “يمكن الكتابة بالكاميرا لأن اللقطة هي مفردة والمشهد هو حوار، لكن للأسف السينما العربية اليوم لم تنهض مثلما نهضت السينما الإيرانية مثلا، أو السينما التركية، إذا أردنا أن نقارنها بسينما المنطقة. السينما العربية هي الأضعف، والسبب، للأسف، أن العرب لا يحترمون حرية الإبداع في السينما والفنون ولا في أي مجال آخر، فالحرية أهم ما في وجود الإنسان، إنها فضاء الإبداع الرحب الذي لا حدود له، ولا يوجد عمل إبداعي دون هواء، فهو يختنق، الحرية هي الحبر الحقيقي الذي يكتب به الكاتب، بل هي الهواء”.
إن كان الفضاء السيبيري، الإنترنت، قد حقق هذه الحرية، يعلق ضيفنا “الإنترنت قدّم خدمة لمن أراد أن ينشر ما يريد، وكل واحد، سواء كان شاعرا أو ممثلا أو أيّا كان، أصبح بإمكانه أن يكتب ما يريد، وأن ينشر ما يريد، فأصبح فضاء الإنترنت مكانا للكتابة والإبداع وكل شيء، وأضحى يرتاده الكاتب والناشر والناقد، وأحاط به مجموعة من أصحابه ومعارفه وأخذ يكتب ويطلق ما يريد وقت ما يريد. إن هذا التطوّر التكنولوجي أساء إلى الشعر، لأنه لم تعد هناك قيم ولا أسس ولا أصول، مثل الزمن الماضي، لكن هذا هو التطوّر، غير أنني أؤمن بأن الزمن قارئ كبير، وعنده أيضا مزبلة كبيرة، سيرمي فيها أشياء كثيرة، ونحن ننتظر الزمن ليقوم بهذه المهمة”.
هناك من الدول العربية من تدفع بكل قواها مشجعة الثقافة والمثقفين، وهذا ما يتّفق معه الشاعر عبدالأمير، منتهزا الفرصة ليحيي من خلالها كل الدول العربية التي تدعم العمل الثقافي، والتي لها من الإمكانيات ما ترفع به من مستوى الشؤون الثقافية، على تكريمها ومساعدتها للنشاط الثقافي العربي، ويخص بالذكر الإمارات العربية المتحدة، التي تضع الكثير من قدراتها المالية في منح الجوائز وفي الطباعة والترجمة، وهذا شيء إيجابي جدا، في رأي ضيفنا، يستحق التحية على هذا الموقف الداعم والمصاحب للثقافة والمثقفين، والإبداع والمبدعين في العالم العربي، فالكل يعلم اليوم، كما يقول، أنه دون مال لا تستطيع أن تقول مرحبا، الكل بالمال اليوم، والثقافة لا تحتاج إلى مال كثير، لكنها تحتاج إلى قليل من المال وكثير من سعة الأفق، والكثير الكثير من الحرية.
العرب لا يحترمون حرية الإبداع في السينما والفنون ولا في أي مجال آخر، فالحرية أهم ما في وجود الإنسان
الثقافة حرية
عن رؤيته للمغرب البلد العربي المفتوح ثقافيا على الشرق والغرب، يقول شوقي عبدالأمير “المغرب بالنسبة إلي اليوم حضن ثقافي عربي مهم جدا، وفي اعتقادي، المغرب اليوم، ثقافيا، أهم من بيروت ومن القاهرة. فالعواصم الشرقية المشهورة بالثقافة، كبيروت والقاهرة، تضاءلت، أو تراجعت، لأسباب عديدة أمام دور العاصمة الرباط. الحركة الثقافية في المغرب بسبب الاتصال بأوروبا، والترجمات، والعلاقة مع الثقافة العالمية، والأفق الديمقراطي والحرية الموجودة في البلاد، كلها عوامل مساعدة لم تعد تتوفر في بلد آخر، وكلها عوامل جعلت الحركة الثقافية في المغرب تتقدم بشكل كبير على زميلاتها في دول المشرق العربي”.
كان الشاعر شوقي عبدالأمير ممن عملوا باليونسكو وكان لـ“العرب” دور في نشر “كتاب في جريدة”، يعلق الشاعر “تربطني بجريدة “العرب” علاقة عملية وعلاقة عاطفية أيضا، العلاقة العملية هي أن “العرب” شريكتنا الكبرى في مشروع “كتاب في جريدة”، الذي كان يصدر عن اليونسكو، وكان يصدر في أربع دول عربية، وكانت “العرب” هي الجريدة الأولى التي توزع في أربع دول هي ليبيا، تونس، لندن والمغرب، فصحيفة “العرب” كانت وما زالت شريكة لأعظم مشروع عربي أطلقته اليونسكو.
حقيقة أنا لا أتدخل في حيثيات الصحف، فكل صحيفة حرة في ما تكتب، ولكن من حيث توزيع كتاب “اليونسكو” جريدة “العرب” كانت الأولى، ولا تفوتني الفرصة ونحن نستعد لإطلاق “كتاب في جريدة”، ورب صدفة خير من ألف ميعاد، أن أعبر عن سعادتي بلقائي صديقي محمد أحمد الهوني، رئيس تحرير جريدة “العرب”، هنا بالرباط، وهي فرصة نجدد بها تواصلنا للعمل معا على عودة مشروع “كتاب في جريدة”، الذي كان لجريدة “العرب” دور كبير في توزيعه لسنوات”.