الإصلاح العميق لمنظومات التعليم العربية يبدأ بدحر الفساد

أعلنت أكثر من دولة عربية الحرب على الفساد في التعليم، لتكون بداية الطريق نحو إصلاح المؤسسات التعليمية وجاء هذا الإعلان تبعا للتوافق بين الكثير من الخبراء على أن تطوير التعليم لن يتم إلا باتخاذ إجراءات تمنع وصول الفاسدين إلى مناصب عليا، وتتعلق بوضع خطط التطوير أو تنفيذ استراتيجيات مستقبلية للنهوض بهذا القطاع.
وعكست أولى خطوات الإصلاح عمق الإحساس بالخطر، خاصة بعد أن كشفت تقارير منظمة الشفافية الدولية، أن هناك علاقة وثيقة بين انتشار الأمية وتفشي الفساد.
وأقرت دول عربية، مثل المغرب والسعودية والبحرين والكويت، تدشين برامج واسعة النطاق سواء من خلال المقررات الدراسية أو عبر بروتوكولات التعاون مع منظمات مدنية ودولية، لأجل مكافحة الفساد التربوي والإداري وتعزيز النزاهة في أوساط النشء والشباب.
وبالنظر إلى تفشي الظاهرة في بعض المؤسسات التعليمية في مصر، فقد كان التعامل معها بشكل مختلف، حيث أصدرت الحكومة قرارا بتشكيل أول لجنة عليا في البلاد لمكافحة شتى أشكال الفساد بالمنظومة التعليمية، ابتداء من المدرسة مرورا بالإدارات التعليمية وانتهاء بالمسؤولين الكبار في المديريات وواضعي السياسات التعليمية، أو حتى المستشارين والمساعدين بالوزارة.
فساد التعليم في مصر، قد لا تختلف أشكاله عن تلك الموجودة في بلدان أخرى، لكن التحرك الحكومي كان نتيجة الصدمة من احتلال مصر المركز قبل الأخير في التصنيف العالمي لجودة التعليم، رغم أن هذا المركز لم يكن بالنسبة إلى التربويين والمجتمع أمرا مستغربا، لأن احتلال هذا المركز ناتج عن وجود نحو مليوني طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي يجهلون القراءة والكتابة، باعتراف وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى وجود خريجين في التعليم الفني يعانون المشكلة ذاتها.
وبحسب خبراء تربويين، تعاني مصر من تقادم المناهج التعليمية، ونقص تدريب المعلمين بالشكل الأمثل، وعدم وجود إستراتيجية لتطوير التعليم، وتدني الاهتمام بالأنشطة التربوية في المدارس. كلها عوامل دفعت عددا هاما من الطلبة إلى اللجوء للدروس الخصوصية، ما كلّف الأسر المصرية نحو 14 مليار جنيه (حوالي 1.8 مليار دولار) سنويا، كفاتورة إنفاق على هذا النوع من التعليم الموازي.
ومن هنا اتجهت وزارة التعليم في مصر إلى تبني حلول على غرار البدء في المشروع القومي لتدريب المعلمين، وغلق مراكز الدروس الخصوصية، وربط الراتب الشهري للمعلم بقدرات الطالب العلمية وإطلاق “برنامج القرائية” لتحسين القراءة والكتابة، وتعديل المناهج بما يواكب احتياجات سوق العمل.
تقارير منظمة الشفافية الدولية، كشفت أن هناك علاقة وثيقة بين انتشار الأمية وتفشي الفساد
واعتبرت الوزارة أن أشكال الفساد التي أعلنت عنها النيابة الإدارية في مصر، تعيق الخطط الإصلاحية التي تتطلب شخصيات نزيهة بحوافز مادية هامة، لا سيما أن أشكال الفساد تشمل مخالفات مالية ضخمة متعلقة بصرف المكافآت دون وجه حق، وتأليف كتب مدرسية مخالفة لأسلوب مناهج التعليم، علاوة على تسريب الامتحانات والتعاقد مع معلمين يفتقدون الكفاءة.
أما قرار الحكومة، فقد شمل عقوبات صارمة ضد الفاسدين مهما اختلفت مناصبهم، وقد تصل العقوبة إلى حد الإبعاد عن المنصب وتكليف شخصيات أخرى تتمتع بالنزاهة والشفافية، لتنفيذ ما تخطط له الحكومة لأجل تحسين صورة التعليم المصري.
وفي هذا السياق، قال أشرف بدوي أستاذ التربية ومناهج التدريس، إن التعليم يشكل أهم القطاعات الحكومية في الدولة وأن انتشار الفساد في هذا القطاع يمهّد الطريق للفساد في مؤسسات وهيئات مختلفة، وبالتالي، فإن محاربة الفساد في التعليم باتت مسألة ملحة وغير قابلة للتأخير، لأجل تطوير المنظومة التعليمية بكامل جوانبها التربوية والإدارية.
بدوي أضاف لـ“العرب” أن هذا التطوير أفضل استثمار للمستقبل في أي بلد، فاليابان غزت العالم بالتكنولوجيا والعلم، لأنها جعلت التعليم مشروعها القومي وقضت على الفساد فيه، موضّحا أن الفساد يقضي على المستوى العلمي والمهني لجيل المستقبل ويرفع من شأن الطلاب والمعلمين والإداريين الذين قد يحصلون على مآربهم بالمخالفة والمحسوبية، ويهدر المكانة الاجتماعية لحاملي الشهادات الدراسية بالجهد والنزاهة، ما يسبب الإحباط واللامبالاة.
وأكد أستاذ التربية أن مصر من أكثر البلدان العربية التي ينتشر الفساد في منظومتها التعليمية، وقد أدركت حكومتها خطورة الفساد على الخطط المستقبلية لتطوير التعليم. ونوه إلى أن هناك معلمين يمتنعون عن التدريس وشرح المناهج لتوسيع نطاق الدروس الخصوصية.
وقال هاني كمال، الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم لـ”العرب”، إن الحكومة تستهدف القضاء تماما على فساد المنظومة التعليمية حتى تقوم المدارس بدورها الفعلي وهذا يحتاج إلى مساندة الأسر، بالامتناع عن المشاركة في فعل فاسد سواء بالرشوة أو الواسطة، وبالإبلاغ عن المخالفين. وشدد على أنه لن تكون هناك نقلة نوعية في الاقتصاد أو تحسن في المستويات المعيشية قبل القضاء على هذه الظاهرة بالمدارس.
وقال طارق نورالدين، الخبير التربوي لـ“العرب”، إن الحديث عن خطط لتطوير التعليم في أي مجتمع، قبل تطهير المنظومة التعليمية يعد إهدارا للمال والجهد، والأهم أن تكون لدى صانع القرار عزيمة لمواصلة معارك التطهير. كل هذا يشترط أن يشارك الآباء والطلاب في “حوكمة” المدارس وسياسات التعليم. كما أن وجود نظام متابعة ومساءلة واضح لكل عناصر العملية التعليمية من مربين وإداريين وغيرهم من شأنه التصدي إلى العمليات المشبوهة، مؤكدا أن التحقيق بجدية في كل حالة فساد وفضحها أمام الرأي العام وإبعادها عن كل ما له علاقة بالمدارس، مسألة ضرورية.