حزب أردوغان للناخبين: الأغلبية للعدالة والتنمية أو الفوضى

أنقرة - وسط أجواء من التوتر ناتجة عن تفجيرات نفذها جهاديون وتجدد النزاع الكردي ومخاوف من النزعة التسلطية للحكم بقيادة رجب طيب أردوغان، يتوجه حوالي 55 مليون ناخب تركي داخل البلاد، إلى صناديق الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية المبكرة.
وكانت اللجنة العليا للانتخابات التركية، أعلنت في وقت سابق أن عدد الناخبين الأتراك في الخارج يبلغ مليونين و895 ألفا و885 ناخبا، وقد أدلوا بأصواتهم، في 113 بعثة دبلوماسية تتوزع على 54 دولة، يوم الأحد الماضي، في حين يستمر الاقتراع في المعابر الحدودية التركية حتى اليوم الأحد.
ويتنافس في الانتخابات 16 حزبا، أبرزها حزاب العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، والحركة القومية، والشعوب الديمقراطي، الذي شكّل الحدث في الانتخابات الأولى، لا فقط لكونه يخوض الانتخابات كحزب ممثل عن الأكراد، الذين اعتادوا المشاركة كمستقلين، بل أساسا بسبب النتيجة التي حقّقها والتي بلغت حوالي 13 بالمئة.
ويقول مراقبون إنه من المثير للاهتمام أن الحزب الذي حال دون حصول العدالة والتنمية على العشرة بالمئة التي كان يحتاجها للسيطرة على البرلمان والحكومة، هو حزب الشعوب الديمقراطي، الذي نجح في أن “ينتقم” من تجاهل العدالة والتنمية للقضية الكردية، رغم أن صوت الأكراد كان في السابق من أكثر الداعمين له، وافتكاكه لعدد من المقاعد من حزب العدالة والتنمية كان كافيا ليحرمه من الأصوات الضرورية لتعديل الدستور بما يشتهي الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويقول خبراء، في مركز ستراتفور للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنشأ بنفسه أسوأ عدو له في الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في السابع من يونيو الماضي، وأيضا في الانتخابات التي تجري اليوم، ومثلما حوّل من قبل، حليفه السابق فتح الله غولن، إلى عدوّ لدود، عادى الأكراد، الذين حوّلوا وجهة أصواتهم نحو ممثّلهم حزب الشعوب الديمقراطي.
وكانت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، أعلنت نتائج الانتخابات النيابية، التي جرت في 7 يونيو الماضي، وأوضحت أن حزب العدالة والتنمية فاز بـ 40.87 بالمئة من أصوات الناخبين، وحلّ حزب الشعب الجمهوري أعرق أحزاب المعارضة، في المركز الثاني بنسبة 24.95 بالمئة، بينما حصل حزب الحركة القومية على 16.29 بالمئة، وتمكن حزب الشعوب الديمقراطي، من تخطي الحاجز الانتخابي (10بالمئة)، بحصوله على 13.12 بالمئة من الأصوات. وحصلت الأحزاب الأخرى والمرشحون المستقلون على 4.77 بالمئة.
|
اختبار لأردوغان
أدلى في الانتخابات السابقة 47 مليونا و462 ألفا و695 ناخبا بأصواتهم، فيما بلغ عدد الناخبين المشاركين اليوم 54 مليونا و49 ألفا و940 ناخبا، في زيادة قال خبراء إنها تعكس بشكل أكيد أهمية الحدث وتداعياته، خاصة المستجدات السياسية والدبلوماسية والأمنية داخل تركيا وفي محيطها الإقليمي.
وتتركّز الأنظار بالأساس على حزب العدالة والتنمية، ورئيسه السابق، ورئيس الدولة الحالي رجب طيب أردوغان، الذي يحمّله سياسيون ومراقبون، من بينهم أعضاء في حزبه، مسؤولية الفشل الذي مني به العدالة والتنمية، حيث بات أردوغان رمزا للرئيس السلطوي الذي يهدد مكتسبات الجمهورية التركية الثانية. ويحمّله الأتراك مسؤولية تورط بلادهم في الصراعات الإقليمية بما فتح أبوابها أمام الإرهاب.
وعلى مدى أسبوعين، عمل رئيس الوزراء المنتهية ولايته أحمد داود أوغلو وزعماء الأحزاب الثلاثة الكبرى، في المعارضة الممثلة في البرلمان، على حشد أنصارهم على أمل تكذيب استطلاعات الرأي التي تتوقع جميعها أن تأتي نتيجة انتخابات الأحد تكرارا للنتائج التي خرجت بها صناديق الاقتراع قبل خمسة أشهر.
وفي أثناء رئاسة أحمد داود أوغلو البالغ 56 عاما خسر حزب العدالة والتنمية للمرة الأولى منذ 13 عاما أكثريته في البرلمان. كما فشل في تشكيل ائتلاف حكومي، وهو خيار يصعب على أردوغان تقبله بأيّ حال نظرا إلى طموحه في توسيع صلاحياته الرئاسية عبر الفوز بأكثرية نيابية مطلقة.
وقد يضطر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في حال عدم حصول الحزب على الأكثرية، إلى الكفاح من أجل مستقبله السياسي. كما قد تطرح مثل هذه النتيجة تساؤلات حول دور أردوغان في المستقبل.
وتتوقع استطلاعات الرأي أن يحصل حزب العدالة والتنمية على ما بين 40 و43 بالمئة من نوايا التصويت، وهي نتيجة غير كافية ليحكم بمفرده، بل قد يضطر مرة أخرى لمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية.
وفي هذا السياق، ترى المحللة أصلي أيدنتاشباش، من المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية أن “الرهان الرئيسي للانتخابات التشريعية سيكون تقليص أو تعزيز سلطات أردوغان”.
وشهدت تركيا أثناء حكم حزب العدالة والتنمية نموا اقتصاديا هائلا. لكن منذ وصول رئيسه أردوغان للرئاسة، بدأ يواجه معارضة لسلطته تعامل معها بعنف، حيث ظهرت عليه علامات التسلط والتصميم على القضاء على الديمقراطية العلمانية لفرض قيمه الإسلامية على المجتمع، فيما ينكبّ على إسكات خصومه والإعلام المعارض.
ويجد الرئيس الإسلامي المحافظ نفسه أمام تحد مصيري، لكنه بات أكثر فأكثر مثار جدل في البلاد. ودقت تلك النكسة ناقوس الخطر ولو مؤقتا بالنسبة إلى طموح أردوغان الساعي إلى فرض رئاسة بصلاحيات مطلقة على البلاد. لكن الرجل القوي في تركيا الذي يبدو واثقا من استعادة قوته، ترك المحادثات حول تشكيل حكومة ائتلاف تؤول إلى الفشل وخطط لانتخابات مبكرة.
وجرت ثاني حملة انتخابية هذا العام في أجواء توتر مع تنامي أعمال العنف بشكل لافت؛ فمنذ الصيف، استؤنف النزاع المسلح المستمر منذ 1984 بين متمردي حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن التركية في جنوب شرق البلاد المأهول بغالبية كردية، وتم دفن عملية السلام الهشة التي بدأت قبل ثلاث سنوات.
ووصلت الحرب الدائرة منذ أربع سنوات في سوريا إلى الأراضي التركية. فبعد اعتداء سوروتش (جنوب) في يوليو، نفذ، في شهر أكتوبر الماضي، ناشطان من تنظيم الدولة الإسلامية هجوما انتحاريا، يعد الأكثر دموية في تاريخ تركيا، أسفر عن سقوط مئة وقتيلين أثناء تظاهرة مناصرة للأكراد في قلب العاصمة أنقرة.
ويثير تنامي العنف أكثر فأكثر قلق الحلفاء الغربيين لتركيا بدءا بالاتحاد الأوروبي الذي يواجه تدفقا متزايدا للاجئين غالبيتهم من السوريين انطلاقا من أراضيها.
تهديد بالفوضى
وضع هذا المناخ المتضافر مع تباطؤ الاقتصاد نظام أردوغان في موقع صعب، ولو أنه ركز خلال الحملة الانتخابية على خطط إنهاض الاقتصاد. وأحجم أردوغان هذه المرة عن المشاركة في الحملات الانتخابية كما فعل في انتخابات يونيو، لكنه وضع كل ثقله في الميزان بطرح نفسه ضامنا لأمن البلاد وبتكرار تفضيله لـ”حكومة الحزب الواحد”.
وكرر رئيس الدولة، قبيل الصمت الانتخابي، أمام الصحافيين أن “هذه الانتخاب ستسمح بالحفاظ على الاستقرار والثقة”، و”سيصوت الناخبون لصون وحدتنا الوطنية دون الاستسلام للتنظيمات الإرهابية”.
ولكسب أصوات القوميين جعل أحمد داود أوغلو الذي يترأس حزب العدالة والتنمية، وكان في الانتخابات الماضية ضحية الظهور الطاغي لأردوغان، من الأمن وسلامة البلاد موضوعه الرئيسي تحت شعار “حزب العدالة والتنمية أو الفوضى”.
وكرر أحمد داود أوغلو الجمعة في كونيا، معقله المحافظ المتشدد، “إننا بحاجة لحكومة قوية من أجل حماية الاستقرار (…) حزب العدالة والتنمية هو الأمل الوحيد لتركيا”. وهاجم حزب الشعوب الديمقراطي و”شركاءه” في حزب العمال الكردستاني.
في المقابل، تندد المعارضة منذ أسابيع بتعاطف السلطة مع جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية وانحرافها نحو الاستبداد. وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي) كمال كيليتشدار أوغلو في أزمير (غرب) “يريد البعض إعادة السلطنة في هذا البلد، لا تسمحوا لهم”، مضيفا “أعطوني أربع سنوات من السلطة وسترون كيف يمكن أن تحكم البلاد دون فساد ودون تبذير”.
وفي هذا المناخ من الاستقطاب الشديد، يشكّك المحللون السياسيون بخروج محادثات جديدة لتشكيل ائتلاف بنتيجة، ويتوقعون في حال الفشل اجراء اقتراع جديد في الربيع المقبل. وحذر أوزغور أونلوحصارتشيكلي، من مركز “جرمان مارشال فاند” للأبحاث في أنقرة، من أن “الناخبين تعبوا من الانتخابات”، و”الحزب الذي سيجر البلاد إلى انتخابات ثالثة سيعاقبونه بقسوة”.
وتم تخصيص نحو أربعمئة ألف شرطي ودركي للإشراف على أمن الاقتراع خصوصا في جنوب شرق البلاد الذي يشهد تجدد النزاع الكردي. وعبرت بعثة المراقبين التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في تقرير نشر هذا الأسبوع عن قلقها مشيرة إلى “أن الظروف السيئة خصوصا في المناطق التي أعلن فيها نظام حظر تجول أساءت إلى حرية الحملة إلى حد كبير”.
وأعلنت قيادات الأحزاب الرئيسية تعبئة مئات آلاف الناشطين للتحقق من عدم حصول أيّ عمليات تزوير في الانتخابات. ويتفق مراقبون كثر مع ما خلصت إليه المحللة أصلي أيدنتاشباش حين قالت “السيناريو الأكثر ترجيحا يبقى هو نفسه: المزيد من الغليان”.