مواقع افتراضية أم مواقع عسكرية.. الكل في مرمى بريطانيا

لندن- تتوازى الضربات الجوية والميدانية التي تنفذها القوى الدولية سواء في شكل تحالف مثل الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، أو بشكل منفرد مثل الذي تقوم به روسيا الآن فوق الأراضي السورية، مع “الضربات الإلكترونية” في فضاءات التواصل الاجتماعي، والتي تعج بخطابات التحريض الديني المتطرف لاستقطاب الضحايا وتجنيدهم في الخلايا الجهادية داخل أوروبا (وخاصة بريطانيا) أو خارجها في مناطق التوتر مثل سوريا أو العراق.
وأكدت السلطات البريطانية في أكثر من مناسبة أن الحرب ضد الإرهاب لا تقتصر فقط على الحرب العسكرية الميدانية للمسلحين المتطرفين، وإنما تمرّ كل إستراتيجيات القضاء على الإرهاب والتطرف عبر اقتلاع ثقافته والمحامل التي تحوي هذه الثقافة الدعائية التي تبيض الإرهاب وتبرره بغطاء ديني مغلوط.
ويحتاج هذا إلى خبرات مزدوجة سواء في المجال الإلكتروني والبرمجيات وشبكات التواصل الاجتماعي، أو في المجال الفقهي الإسلامي الذي من خلاله سوف تصاغ الرسائل المضادة للتطرف والدعوة إلى القتال.
وقد انطلقت الإجراءات الميدانية في الهجوم المضاد داخل الفضاءات التواصلية على الإنترنت باستهداف الصفحات والمواقع التي تحوي داعية للإرهاب إما بالرد على النصوص أو بإغلاق الصفحات والمواقع.
الإجراءات التي تقوم بها السلطات البريطانية تهدف إلى منع أي هجمات محتملة أو سفر الشباب إلى مناطق التوتر
ولكن هذا المنهج في التعاطي مع تلك المادة دائما ما يعاني قصورا في ملاحقة الصفحات التي تفتح من جديد، وكأن المعركة دون نهاية بين طرف السلطة البريطانية وطرف آخر هلامي متكون من أشخاص ربما لا يكونون فوق أرض واحدة.
اتخذت السلطات البريطانية جملة من الإجراءات الأمنية التي تتوازى مع الإستراتيجية التي أعلن عنها ديفيد كاميرون مؤخرا، حول مكافحة الدعاية الإرهابية في الإنترنت. وقال رئيس وزراء بريطانيا إن أولياء الأمور البريطانيين الذين يشعرون بقلق من احتمال سفر أولادهم الذين تبلغ أعمارهم 16 و17 عاما إلى سوريا أو العراق تحت تأثير المتشددين سيكون بإمكانهم التقدم بطلب لمصادرة جوازات سفرهم.
ويهدف هذا الإجراء إلى وقف استمرار تدفق البريطانيين الشبان الذين تجتذبهم الأفكار المتطرفة لتنظيم الدولة الإسلامية للانضمام للتنظيم الذي يقاتل في الشرق الأوسط. وقال كاميرون “إن دحر المتشددين الإسلاميين هو نضال جيلنا”. ويقول كاميرون وفقا لمقتطفات من كلمة له إن”إستراتيجية الحكومة الجديدة لمكافحة التطرف إشارة واضحة للخيار الذي اتخذناه للتصدي بعزم لهذه الأيديولوجية السامة”.
وقد أشارت تقارير صحفية أنه بالإضافة إلى هذه الإجراءات، فإن السلطات تهدف إلى تشكيل مجموعات تقدم بدائل لخطابات تعتبرها الحكومة “خطيرة”، إضافة إلى تقديم دورات تعليمية حول وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء مواقع إنترنت، وتوفير الدعم لمشاريع محددة، بهذا الخصوص.
|
ولفت بيان صادر عن رئاسة الحكومة البريطانية إلى إقامة تعاون بين القطاع والشرطة والحكومة لمنع محتويات ذات صلة بالتطرف والإرهاب تنتشر على شبكة الإنترنت، على غرار تعاون مماثل أقيم سابقا ضد استغلال الأطفال عبر الإنترنت. وقال كاميرون “سنعمل على ترجيح كفة أصوات الاتجاه العام في كبح أصوات المتطرفين، وسنزيل بيئة التمييز التي يمكن أن تجد فيها التوجهات المتطرفة أرضية خصبة”، حسب البيان.
وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، قد أعلن الأسبوع الماضي، عزم حكومته إخراج جرائم “الإسلاموفوبيا” المرتكبة في بريطانيا، وويلز، من القائمة العامة لجرائم الكراهية، وإدراجها لأول مرة في قائمة مستقلة، تحت اسم “جرائم الكراهية ضد المسلمين”. وذلك في إجراء استباقي أكد خلاله خبراء أن الدوائر الحاكمة تسعى إلى منع أي احتجاجات تقوم بها الجماعات الحقوقية بدعوى “التمييز ضد المسلمين في الإستراتيجية التي وضعت”. ويشار أن عدد المسلمين في المملكة المتحدة، يصل قرابة 3 ملايين نسمة، فيما يقدر وصول هذا الرقم إلى 5.5 مليون، مع حلول 2030.
ومن بين الأجزاء الرئيسية لهذا النهج الجديد تعزيز حماية الأطفال والأشخاص المعرضين للتأثر من خطر التطرف من خلال تزويد الآباء والمؤسسات العامة بكل النصائح والأدوات والدعم العملي الذي يحتاجونه.
ويؤكد كاميرون أيضا إن أي شخص أدين بجريمة إرهابية أو نشاط متطرف سيُمنع بشكل تلقائي من العمل مع الأطفال والأشخاص المعرضين للتأثر. وقالت الحكومة إنه خلال العام الماضي سافر عدد من الشبان البريطانيين للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وأضافت أنه وفقا لأحدث إحصاءات للشرطة فإن من بين 338 شخصا اعتقلوا في إطار مكافحة الإرهاب كان 157 مرتبطين بسوريا و56 كانت أعمارهم تقل عن العشرين.
تستطيع لندن دخول الحرب على الإنترنت
رغم الدعوات التي أطلقتها العديد من الجمعيات ومجموعات الضغط في بريطانيا بضرورة مواجهة الفكر المتطرف الذي بدأ في الانتشار بين صفوف شباب الجالية المسلمة عبر الانفتاح والتسامح والحض على التعايش المشترك في مجتمع علماني، إلا أن الإجراءات الأخيرة التي قامت بها السلطات والتي وردت على لسان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون كانت كافية لتعلن فشل هذه المنهجية في الحد من الدعاية للتطرف والإسلام المتشدد.
السلطات البريطانية تتتخذ جملة من الإجراءات الأمنية التي تتوازى مع الإستراتيجية التي أعلن عنها ديفيد كاميرون مؤخرا، حول مكافحة الدعاية الإرهابية في الإنترنت
فرغم التنوع الذي يعرف عن المجتمع البريطاني وقدرته على امتصاص ثقافات مختلفة حملها المهاجرون معهم من جميع أنحاء العالم، لم تقدر التركيبة المعقدة والمتماسكة للمجتمع البريطاني من صد موجة التطرف العاتية التي بدأت تتوغل بشكل مسبوق بين الجاليات المسلمة.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي أقوى بكثير من وحدة المجتمع البريطاني، لذلك لجأت الحكومة على ما يبدو إلى الدفاع عن بريطانيا بنفس السلاح المستخدم في الهجوم عليها.
وأكدت مصادر حكومية بريطانية أن مجال التواصل الافتراضي وشبكة الإنترنت يشكلان تهديدا مباشرا تتمكن من خلاله العناصر الإرهابية من استقطاب الشباب وتجنيدهم في صفوف الجماعات الجهادية أو تأهيل أحدهم ليصبح “ذئبا منفردا” حسب تحليلات خبراء أمنيين، وهو الأمر الذي دفع بالمسؤولين إلى اعتماد خطط لمقاومة هذه الظاهرة، لعل آخرها ما أعلن عنه رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون الذي كشف عن خطة ستكلف خمسة ملايين جنيه إسترليني (6.8 مليون يورو) لمساعدة المنظمات المحلية على التصدي لدعاية المجموعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة تلك التي تعتمد على وسائل التواصل الافتراضي لتشيع أفكار العنف والتطرف.
ويعتبر الخبراء والسياسيون أن الدعاية الإعلامية الإلكترونية والمنمقة للتنظيم تغوي الشبان في غرف نومهم وتشدهم نحو تطرف قد فاق الدعوات التي تصاعدت حول ضرورة إدماج المسلمين بشكل سلس وسليم في الحياة العامة لبريطانيا، الأمر الذي دفع السلطات المختصة في أكثر من مناسبة إلى أن تقوم بحملات مضادة على الفضاءات الافتراضية، وذلك بالاستعانة بخبراء وعلماء في الدين الإسلامي لتفنيد دعاية التطرف ومواجهتها من داخل السياق والنص الديني الإسلامي، وهو ما تسعى الحكومة إلى تطويره الآن.
|
وقد جاء إعلان ديفيد كاميرون عن خطة الدعاية المضادة عشية بدء “إستراتيجية جديدة ضد التطرف” والتي بدأت بشكل فعلي أمس الإثنين، حسب ما أعلنت رئاسة الحكومة البريطانية في بيان. وأوضحت الحكومة أن الخطة ستؤدي إلى دعم المنظمات المحلية وكذلك تقديم “خطابات بديلة ذات مصداقية حول الأفكار الخطيرة التي يروج لها المتطرفون”.
وأشارت مثلا إلى التأهيل على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي أو تقديم مساعدات تقنية تتيح للجمعيات “خلق موقع على شبكة الإنترنت”.
وقد أشار عدد من النواب المسلمين في البرلمان البريطاني إلى فشل الإستراتيجية العامة التي وضعت لتحديد العلاقة بالأئمة والدعاة في بريطانيا، والتي من خلالها يتوجه هؤلاء القادة إلى الجالية المسلمة في مناسبات العبادات بضرورة التعايش السلمي ورفض الأفكار المتطرفة، لكن “رؤوس الأئمة بقيت مدفونة في الرمال”، حسب تصريح النائب شهيد مالك عضو البرلمان السابق عن حزب العمال البريطاني.
الحرب الافتراضية أشرس من حرب المدافع
تواجه الإجراءات الأمنية المتواصلة التي تقوم بها السلطات البريطانية في مجال مكافحة الإرهاب وانتشار الدعاية للتطرف بالعديد من العوائق ذات الطابع الفني والتواصلي بالأساس، رغم الخطط التي وضعت وتوظيف الخطاب الديني الإسلامي الوسطي والمعتدل داخل العديد من الصفحات في المواقع التواصلية الاجتماعية.
ففي تقرير لمؤسسة “كواليام”، وهي مؤسسة بحثية لمكافحة الإرهاب، عن جهود السلطات البريطانية لمحاربة التشدد على الإنترنت، قال خبراء إن المواد الداعية إلى الإرهاب تعود للظهور على الشبكة العنكبوتية فور قيام السلطات بإزالتها.
وأشار التقرير إلى أنه أصبح من الصعب مراقبة المحتويات المنشورة على الإنترنت بسبب الطرق البديلة التي يلجأ إليها مروجو هذه الأفكار، منها تقنية “الويب الخفي” أو الشبكة المعتمة التي تمكنهم من نشر مواد أو صفحات ديناميكية دون أن يتم تعقبها بسهولة، وقد ظهر استعمال هذا الأسلوب في البداية مع مروجي المخدرات وشبكات المافيا العالمية التي تجري نقل أموالها من البنوك في شبكات إنترنت خارجة عن نطاق المراقبة أو السيطرة أو التحديد.
الدعاية الإعلامية الإلكترونية والمنمقة للتنظيم تغوي الشبان في غرف نومهم وتشدهم نحو التطرف
وأشار البحث إلى أن وحدة مكافحة الإرهاب على الإنترنت في بريطانيا أزالت 65 ألف محتوى من الإنترنت كان يدعو إلى الإرهاب، منها 46 ألفا منذ ديسمبر الماضي، لافتا إلى أن 70 بالمئة من هذه الموضوعات كانت تدور حول الأحداث في سوريا والعراق.
كما تطرق التقرير إلى الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك في الترويج للإرهاب، إذ يقوم “مروجو الإرهاب” بالتعبير عن أفكارهم عبر وسائل التواصل دون أن يتم إبلاغ السلطات عنهم. وأشارت الدراسة إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة التنظيمات المتشددة، مشيرة إلى الانتقادات الشديدة التي تعرض لها فيسبوك كونه لم يبلغ السلطات البريطانية باحتمال قيام أحد الأشخاص بقتل جندي بريطاني.
وكان فيسبوك أغلق الصفحة الخاصة بمايكل أديبويل الذي أقدم على قتل جندي بريطاني، بعد أن نشر على صفحته في الموقع رغبته في “قتل جندي بطريقة وحشية” قبل 5 أشهر من إقدامه على ذلك بالفعل في حادثة وولويتش الشهيرة، دون أن يبلغ الموقع السلطات بهذه الخطوة. واعتبر التقرير أن أفضل طريقة لمحاربة الإرهاب على الإنترنت تكمن في نشر الأفكار المضادة للإرهاب على المواقع المختلفة ونشر التوعية في المدارس والجامعات والسجون بمخاطر التشدد.
وقال الخبراء إن التنظيم استطاع أن يطور إستراتيجية إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي كافة، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وطرقها في عالم تقنية المعلومات، ليبث فيديوهات وأفلاما دعائية بتقنيات وجودة عالية تضاهي إنتاج شركات السينما، وكل الطرق التي تتم بها المواجهة مع إستراتيجيات هذا التنظيم الإرهابي يتم استحداث طرق ملتوية للهروب منها ومن المراقبة وأنظمة تحديد الأمكنة والأشخاص المشرفين على الصفحات، الأمر الذي جعل الحكومة البريطانية في سعي دائم إلى التطوير والبحث في المجال الإلكتروني.