السلطة والنفوذ يحكمان الانتخابات المصرية بمبدأ التوريث

لطالما اعتبر الفوز بمقعد في البرلمان بمثابة ضمانة بالنسبة للأثرياء وأبناء العائلات العريقة سياسيا في مصر للحفاظ على سلطة آبائهم ومكاسب عائلاتهم ونفوذها. سُنّة انتخابية عرفها المصريون جيدا وباتت أهدافها الخفية جلية أمام نظرهم قبل أهدافها المُعلنة، لكن على الرغم من ذلك مازالوا لم يجدوا لها حلا ناجعا يحول دون تأثيراتها السلبية وتداعياتها السيئة على العملية الانتخابية برمتها، خاصة أنها مازالت تسجل حضورها في جل المحطات وآخرها الانتخابات البرلمانية التي بدأ إجراؤها أمس الأحد.
الاثنين 2015/10/19
الانتخابات البرلمانية خطوة أخيرة في مسار انتقالي شابته الكثير من الصعوبات

مافتئت ظاهرة توريث الوظائف، سواء الإدارية أو السياسية أو غيرهما، تعتبر أمرا طبيعيا في مصر لكثرة تواترها؛ فنجل الطبيب هو الأقرب ليصبح طبيبا، وأبناء المهندسين والقضاة وأستاذة الجامعات وغيرهم، يسلكون في الغالب ذات الطرق التي سلكها آباؤهم بدافع ضمان الوظيفة في مجتمع تتفشى فيه البطالة. وقياسا على تلك العادة، التي تجد لها مطابقات في أوجه عديدة من حياة المصريين، ووفق شهوة دائمة للسلطة، يمكن فهم الأسباب التي تقف وراء اعتياد بعض العائلات المصرية على توريث مقاعد البرلمان لأبنائها وذويها.

وغالبا ما اعتبرت السلطة والنفوذ والوجاهة، الثالوث الذي تدور في فلكه رغبة الفوز بمقعد تحت قبة البرلمان، وهي رغبة تحتاج إلى تربيطات ومعارك تؤدي إلى الدخول في أجواء المؤامرات السياسية والتربيطات الاجتماعية.

وقد كشف برلماني سابق، خير عدم ذكر اسمه، لـ”العرب” عن جلسات خفية كانت تعقد بين كبار المسؤولين وأصحاب النفوذ خلال فترة حكم حسني مبارك، مع عائلات مصرية كبيرة، للحصول على مقعد في البرلمان، مقابل مبالغ مالية باهظة، وفي حالة وفاة النائب، تبدأ بعدها بساعات عملية الاتفاق على توريث نجله.

وأوضح المصدر أن الحزب الوطني الحاكم أيام مبارك، كان يضم صلب قائماته من ينتمون إلى عائلات كبيرة في محافظات مختلفة، لضمان عدد مريح من المقاعد، في المقابل تستفيد العائلة بحصول أحد أبنائها على لقب “النائب”، ما يعتبرونه سببا في فتح الأبواب المغلقة، وتعزيز الوجاهة الاجتماعية.

صراع العائلات

كشفت الدعاية الانتخابية التي جرت على مدى الأيام الماضية، قُبيل التّوجه أمس الأحد إلى صناديق الاقتراع، عن حدة الصراع بين أبناء النواب السابقين ومنافسيهم، للحفاظ على مقاعد آبائهم. وتزداد هذه المعارك شدة وشراسة من محافظة إلى أخرى.

عائلات تعيش خارج العملية السياسية تماما فلا يعنيها غير الحفاظ على استمرار مكانتها ونفوذها

وقد جعل التاريخ المتوارث في العمل البرلماني من قبل العائلات، محافظة الشرقية بدلتا مصر، على سبيل المثال ، الأكثر توريثًا، وقد دفعت عائلة أباظة، بيسرا أباظة، نجلة البرلماني السابق فؤاد أباظة، لخوض المعركة الانتخابية عن دائرة أبوحماد، وكانت العائلة تسيطر على عدد من مقاعد البرلمان في الدوائر المختلفة بالشرقية، وهي واحدة من أعرق العائلات في مصر، ولها تاريخ سياسي وبرلماني كبير، وسبق أن خرج منها محمود أباظة رئيس حزب الوفد السابق.

ويجري الصراع الانتخابي في هذه الآونة بين أبناء النواب السابقين على أشده في الشرقية أيضا، حيث يخوض وجيه أباظة نجل حسين أباظة نائب مجلس الشورى السابق، المعركة الانتخابية بدائرة منيا القمح، وينافس خالد مشهور، نجل النائب الأسبق عن الحزب الوطني عبدالرحمن مشهور. أما في دائرة ههيا، فيصر عصام أبوالمجد، نجل النائب السابق عن الحزب الوطني أبوالمجد نصار على وراثة مقعد والده.

وفي القليوبية، شمال القاهرة، تحتكر عائلة الفيومي مقاعد البرلمان منذ زمن، ويعد محمد عطية الفيومي نجل عطية الفيومي أشهر رموز الحزب الوطني المنحل، حامل لواء العائلة في الانتخابات البرلمانية الحالية.

أما في محافظة المنوفية بدلتا مصر فتعد عائلة الشاذلي، حاضرا أساسيا في العملية الانتخابية، ويخوض معتز الشاذلي نجل البرلماني الراحل كمال الشاذلي، الانتخابات في دائرة الباجور بالمنوفية، خلفًا لوالده زعيم الأغلبية بمجلس الشعب، والنائب عن الدائرة نفسها لنحو 46 عاما متتالية.

تفاصيل العملية الانتخابية البرلمانية
القاهرة - تجري الانتخابات البرلمانية المصرية لسنة 2015 على مرحلتين إثنتين لشغل 596 مقعدا تحت قبة البرلمان، في أكبر بلد عربي يبلغ عـدد سكانه أكـثر من 88 مليـون نسمة. وتنطلق المرحلة الثانية للانتخابات والمقررة في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر نوفمبر المقبل في 13 محافظة تضم 28 مليون ناخب، وهذه لمحة عن أبرز المحطات التي مرّت بها العملية الانتخابية والتفاصيل التي تحكمها:

* ينتخب المصريون 448 نائبا وفق النظام الفردي و120 نائبا وفق نظام القائمات، فيما سيختار رئيس الجمهورية 28 نائبا.

* تمت المرحلة الأولى من الانتخابات في نحو 19 ألف مركز اقتراع في 14 محافظة تضم 27 مليون ناخب، من أصل 27 محافظة.

* في الحالات التي تقتضي إعادة الانتخابات ستجرى الإعادة خارج مصر يومي 26 و27 أكتوبر الجاري وداخل مصر يومي 27 و28 من الشهر ذاته.

* أدلى المصريون في الخارج بأصواتهم في 139 سفارة مصرية لكن لم يكن هناك اقتراع في أربع دول هي سوريا واليمن وليبيا وأفريقيا الوسطى لتردي الأوضاع الأمنية في تلك البلدان.

* كان مقررا إجراء الانتخابات على مرحلتين في مارس وأبريل الماضيين لكنها أرجئت بعد حكم بعدم دستورية مادة في أحد القوانين المتعلقة بالانتخابات.

* يعني نظام القائمات المغلقة المطلقة إما فوز القائمة بكامل مرشحيها أو خسارتها تماما بكامل مرشحيها.

* ينص القانون على أن تخصص حصص في القائمات للنساء والمسيحيين والعمال والفلاحين والشباب وذوي الإعاقة والمصريين المقيمين بالخارج.

* يبلغ عدد الناخبين المسجلين 55 مليونا و606 آلاف و578 شخصا من بينهم 28 مليونا و371 ألفا و91 رجلا بنسبة 51.02 بالمئة و27 مليونا و235 ألفا و487 امرأة بنسبة 49 بالمئة تقريبا.

* يبلغ عدد الشباب من سن 18 إلى 40 عاما 32 مليونا و697 ألفا و411 بنسبة 58.8 بالمئة من إجمالي عدد الناخبين.

* تقسم الجمهورية إلى 205 دوائر للانتخاب بالنظام الفردي وأربع دوائر لنظام القائمات، وتتألف دائرتان للقائمات من 15 مقعدا لكل منهما ويخصص للدائرتين الأخريين 45 مقعدا لكل منهما.

* في النظام الفردي يفوز المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة، وإن لم تتحقق تلك الأغلبية يعاد الانتخاب بين المترشحين الحاصلين على أعلى الأصوات الصحيحة ويحدد عددهم بضعف عدد المقاعد التي تجرى عليها الإعادة. وإذا كان عدد المرشحين أقل من ضعف عدد المقاعد أجري الانتخاب بينهم على أن يعلن انتخاب الحاصلين منهم على أعلى الأصوات الصحيحة وفق عدد المقاعد.

* في نظام القائمات تفوز القائمة التي تحقق الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة وإن لم تتوفر تلك الأغلبية تعاد الانتخابات بين القائمتين الحاصلتين على أكبر عدد من الأصوات.

* إذا لم يترشح في الدائرة الفردي سوى مرشح واحد تجري الانتخابات بالدائرة في موعدها ويعلن فوزه إذا حصل على خمسة بالمئة من الأصوات، وإن لم يحصل على هذه النسبة يعاد فتح باب الترشح وينطبق نفس الأمر على القائمات.

* تبلغ ولاية المجلس خمس سنوات تحتسب من تاريخ أول انعقاد له، ويجري انتخاب المجلس الجديد خلال الستين يوما السابقة لانتهاء مدة المجلس القائم.

ونظرا إلى رغبة البعض إلى إحياء سيرة الآباء وأحيانا الأشقاء، فقد تقدموا بأوراق الترشح للبرلمان، حفاظا على مقعد العائلة، أو السير على نهج الأب في الدفاع عن مصالح المواطنين، وفق تعبيرهم؛ ففي دائرة سيدي جابر بمحافظة الإسكندرية، ترشحت سحر طلعت مصطفى، شقيقة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، المحبوس على ذمة قضية مقتل الفنانة سوزان تميم، لتحل مكان شقيقها الأكبر طارق طلعت مصطفى على قائمة “في حب مصر”، في محاولة منها لاستعادة المقعد بعد انتزاعه من قبل محمود الخضيري المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في البرلمان السابق، الذي جرى حله بحكم من قبل المحكمة الدستورية العليا.

في المحافظة نفسها، يخوض هيثم الحريري، نجل البرلماني السابق أبوالعز الحريري، الانتخابات عن دائرة محرم بك، أملا في خلافة والده في البرلمان.

أمّا في صعيد مصر، يعد الأمر أكثر صعوبة، وربما يتسبب في خلافات حادة بين العائلة الواحدة، إذا اختلف أفرادها حول مرشح بعينه. وفي بعض الأحيان تلجأ العائلات إلى سياسة الدور في الانتخابات البرلمانية، وربما تكون المعركة أشد سخونة في محافظة قنا بجنوب مصر، المعروفة بانتمائها القبلي، حيث الصراع على أشده بين قبائل العرب والهوارة والأشراف، فكل قبيلة لديها أكثر من مرشح تدعمه وتؤازره.

وتشهد محافظ المنيا، على سبيل المثال، سباقا محموما بين وليد التوني، نجل النائب السابق محمد التوني، عن دائرة أبوقرقاص، وحازم فاروق طه، نجل النائب السابق اللواء فاروق طه. وفي دائرة مطاي يخوض الانتخابات أحمد شمردن نجل شقيق النائب على شمردن، وفي دائرة بني مزار، يخوض الصراع مصطفى خالد فتح الباب، نجل النائب السابق خالد فتح الباب.

ويجمع مراقبون على أنّ هذه العائلات تبحث عن مقعد في البرلمان من أجل دعم ثرائها المادي لاكتمال الوجاهة الاجتماعية.

وفي هذا الصدد، أكّد جمال زهران أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ”العرب”، أنه ضد عملية توريث مقاعد البرلمان، وأنه لن يصلح حال الحياة السياسية في مصر، إذا استمرت هذه العملية، مشيرا إلى انعدام الكفاءة والحنكة السياسية لدى أغلب المرشحين بسبب عملية التوريث.

واستشهد زهران بكلمة الراحل عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس جهاز المخابرات العامة، حين قال “الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية”. ولفت إلى “أنّ نظام مبارك يعيد نفسه مرة أخرى في ما يتعلق بالبرلمانيات”، ولذلك فهو يعتبر “أنّ الانتخابات البرلمانية الحالية غير مجدية ولن تحقق مصالح الشعب المصري لأنّ من يؤيدون التوريث لا تعنيهم مصالح الوطن بقدر اللهث وراء كرسي البرلمان”.

البحث عن النفوذ

يؤكد عدد من المحللين والمتابعين للمشهد السياسي المصري أنّ شهوة السلطة والاحتماء بالحصانة الدبلوماسية، تبدوان الهدف الأول والأهم بالنسبة لعشاق كرسي البرلمان.

وفي هذا السياق قال سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، “إنّ الأمر في الصعيد ودلتا مصر يختلف تماما عن القاهرة، حيث تسعى العائلات الكبيرة لحصول أحد أفرادها على مقعد في البرلمان، وهو ما تعتبره حماية لمصالح العائلة، بل وربما القرية كلها”. وأوضح أن هؤلاء يعيشون خارج العملية السياسية تماما، فلا يعنيهم تعديل دستور أو تغيير قوانين، بقدر الحفاظ على استمرار مكانتهم وسط أهل القرية، لذلك يحرصون على إسداء جميع الخدمات للمواطنين.

محيي الدين محمد، وهو مهندس من محافظة قنا، قال لـ”العرب” إنّ “توريث الانتخابات البرلمانية يعود إلى ثقافة القبيلة، لأنّ العائلة الواحدة تلتف وتتّحد حول شخص واحد من أجل الحصول على عضوية البرلمان”، موضحا “أنّ المال يلعب كذلك دورا مهما في العملية الانتخابية، إلى جانب نفوذ العائلة، ولا علاقة للخبرة السياسية بذلك”. وأشار إلى “أنّ الأمر في القرى مختلف، حيث أنّ الناس معنية فقط بمن يقدم لها الخدمات، ومثل هذه الخدمات لا يقدر على تلبيتها سوى الأثرياء”.

طاهر المصري، وهو أستاذ متخصص في علم الاجتماعي السياسي، قال بدوره، “إنّ العادات تحتاج إلى سنوات طويلة لتتغير”، لافتا إلى أنّ الطابع البدوي أو القبائلي، الذي ما زال قادرا على فرض نفسه، هو نتاج طبيعي لتجاهل الدولة لبعض المناطق على مستوى التعليم والخدمات، فكان بديل مواطني تلك الجهات الاعتماد على العائلات الكبيرة التي يمكن أن تقدم لهم خدمات بديلة وتستغلهم بالتالي لأغراض انتخابية فيلبّون ذلك.

وأضاف المصري في معرض تصريحه لـ”العرب” أنّ إدارة العمليات الانتخابية ليست سهلة وتحتاج إلى الخبرة في هذا المجال، وهو ما تتمتّع به عائلات بعينها.

6