قوانين بأبعاد سياسية لتكريد شمال سوريا

الأحد 2015/09/20
قوانين تمييزية تصدرها الإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا تزيد من هجرة السوريين

سنّ ما يسمى بـ”المجلس التشريعي للإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة،” في جلسة خاصة الثلاثاء 15 سبتمبر الجاري ما أطلق عليه تسمية “قانون إدارة وحماية أموال المهاجرين والغائبين”، وهو يتعلق بأموال وأملاك الغائبين والمهاجرين المنقولة وغير المنقولة والعقارات السكنية والتجارية والأراضي الزراعية.

ويأتي هذا القانون الجديد بعد سلسلة قوانين وقرارات صدرت عن الإدارة الذاتية كانت مثار خلاف وجدل كبير، وأثارت استياء عاما لدى مختلف المكونات القومية والدينية في المجتمع السوري، منها قرار “التجنيد الإلزامي في القوات الكردية” لأبناء المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي أفرغ المنطقة من الشباب حيث دفعهم للهجرة وترك البلاد، وقرار لفرض التعليم باللغة الكردية لكامل منهاج المرحلة الابتدائية في المدارس ذات الغالبية الكردية والذي شل العملية التربوية والتعليمية في كثير من المدارس في مدن وبلدات محافظة الحسكة شمال سوريا.

وقد دفع هذا القرار المتعلق بالتعليم باللغة الكردية الكثير من العائلات (الكردية والعربية والآشورية السريانية) إلى نقل أبنائها من المدارس التي ستخضع للتعلم باللغة الكردية إلى المدارس الخاصة بالكنائس السريانية الآشورية والأرمنية حتى فاقت قدرة المدارس الخاصة على استيعاب جميع الراغبين الدراسة فيها.

اللافت للانتباه أن القائمين على هذه الإدارة، التي لم تعترف بها الحكومة المركزية بدمشق ولا أيّ دولة أو حكومة أخرى، تتصرف كأنها دولة قائمة بحد ذاتها لها كامل السيادة والسلطة المطلقة على مناطق شمال سوريا وعلى السكان الخاضعين لسيطرتها. ويقول سكان محليون إن القائمين على الإدارة الذاتية يُبررون قوانينهم بأنهم يسعون للحدّ من هجرة أبناء الجزيرة عن طريق إجبارهم على البقاء على ممتلكاتهم، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فهذه القوانين باتت بتأكيد السكان والناشطين السياسيين في المنطقة تزيد من وتيرة الهجرة، وتدفع السكان لبيع عقاراتهم بأسعار زهيدة خوفا من مصادرتها، وبيعها يقضي على فرص عودة المهاجرين إلى بلداتهم إذا ما توقّفت الحرب في سوريا.

معظم القوانين والقرارات التي صدرت حتى الآن تصب في صالح مشروع “تكريد الجزيرة السورية” وتحويلها إلى ما يسمونها بـ”كردستان الغربية أو (روج آفا) بالكردية

الباحث المهتم بقضايا الأقليات سليمان يوسف قال لـ”العرب” إن “مثل هذه القوانين والقرارات تتنافى مع الوظائف الأساسية والأخلاقية للدولة وهي حماية حقوق الملكية الخاصة للأفراد والجماعات المنضوية فيها وتحت سلطتها، ولا أعتقد أن هناك دولة في العالم تضع يدها على ممتلكات مواطنيها لمجرد هجرتهم وغيابهم عن البلاد”.

وأضاف يوسف “أعتقد أن هذه القرارات والقوانين المتسرعة ستزيد الشرخ بين أبناء المجتمع، وسيكون لها تداعيات سلبية وخطيرة على التماسك المجتمعي، ومن شأنها أن تزيد من أسباب التصادم العرقي والطائفي في شمال سوريا الذي يتصف بالتنوع العرقي والديني واللغوي والثقافي، كما ستثير الفتن والأحقاد والكراهية والحساسيات العرقية والطائفية، وتُؤجج كل أسباب وعوامل النزاع العرقي الذي بدأ يخيم شبحه على الجزيرة السورية”.

ويؤكد بعض أعضاء اللجنة القانونية في المجلس التشريعي بأن هذا القانون سيحمي “أموال وأملاك الغائبين والمهاجرين من العبث والاستباحة والاستيلاء عليها من الغير، ويضمن حق صاحب الملك والمال للعودة واستلام أصل أمواله”، لكن تأكيدهم هذا لم يُبدّد مخاوف المغتربين والمهاجرين، بل عزز الشكوك والمخاوف من احتمال وضع قوات الأسايش الكردية المسلحة يدها على أملاك السوريين كما فعلت بالنسبة إلى العديد من الممتلكات والأبنية الخاصة في الأشهر الأولى لتأسيس الإدارة الذاتية كفندق هدايا ومجمع مدارس الأمل السريانية، وسط مدينة القامشلي.

متتبعو عمل الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا يقولون إن معظم القوانين والقرارات التي صدرت حتى الآن تصب في صالح مشروع “تكريد الجزيرة السورية” وتحويلها إلى ما يسمونها بـ”كردستان الغربية أو (روج آفا) بالكردية”، وتكشف عن أن مشروع الإدارة الذاتية هو “مشروع سلطة ومكاسب ومنافع اقتصادية” أكثر من كونه “مشروع بناء كيان ديمقراطي تعددي توافقي” يضمن ويحفظ حقوق الجميع ويقوم على الشراكة الحقيقية والمتوازنة بين جميع مكونات وقوميات مجتمع الجزيرة السورية، ولهذه الأسباب أخفق القائمون عليها بعد سنتين على تأسيسها في كسب ثقة وتأييد الكثير من الأكراد وجميع من هم غير الأكراد.

أهالي شمال سوريا يشتكون من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومن النظام وتنظيم داعش، ويقولون إن الحزب الكردي ينفرد بتقرير مصير ومستقبل المنطقة

من جهته قال جميل ديار بكرلي، مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان لـ “العرب” إن “هذا القانون غير شرعي وهو حلقة في سلسلة الانتهاكات التي تمارسها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، تدل على رغبته إحداث تغيير ديمغرافي خطير في المنطقة، ويساهم بإنهاء الوجود التاريخي للآشوريين المسيحيين في معاقلهم الرئيسية في سوريا”.

وأضاف أن “هذا القانون ﻻ أساس قانونيا له من حيث جهة اﻻختصاص، لأنها هيئة تشريعية أُنشئت بقرار سياسي من سلطة الأمر الواقع ولا ولاية لها، مما يجعل القوانين التي تصدرها معدومة من الناحية القانونية، كما أنه ﻻ توجد جهة مخولة بتنفيذ أحكام هذه القوانين، وتنعدم بالتالي إجراءات تنفيذها، والقانون المدني السوري والأحكام المتعلقة بالاستيلاء ﻻ زال هو الساري وﻻ يجوز الاستيلاء إلا بقرار قضائي صادر عن محاكم شرعية تستمد سلطتها من الدستور، بالإضافة إلى ذلك فإن القانون له أبعاد سياسية كونه يهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي لأبناء المنطقة”.

وكانت المعارضة السورية اتّهمت الحزب الكردي وإدارته الذاتية بتدمير وسرقة المنازل والكنائس والمدارس في القرى الآشورية والعربية الواقعة على الشريط الشمالي من نهر الخابور والتي بقيت تحت سيطرة قوات حماية الشعب الكردية بحجة طرد تنظيم الدولة الإسلامية من القرى الواقعة على الشريط الجنوبي لنهر الخابور.

ويشتكي أهالي شمال سوريا من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومن النظام وتنظيم داعش، ويقول إن الحزب الكردي ينفرد بتقرير مصير ومستقبل المنطقة بعد أن انسحبت منها قوات النظام ومقاتلو التنظيم الإرهابي، وبات بمنظماته وهيئاته ومجالسه وقواه العسكرية يُشكّل سلطة الأمر الواقع في المناطق الخاضعة لسيطرته، ويصفون قوانينه بأنها شبيهة بقوانين السلطة العثمانية التي صادرت جميع ممتلكات الآشوريين والمسيحيين ممن قتلتهم أو رحّلتهم قسرا عن مناطقهم التاريخية.

4