المغرب والاتحاد الأوروبي: مواقف موحدة لمواجهة أزمات المنطقة

شدّدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فديريكا موغريني، خلال زيارتها للمغرب، الأسبوع الماضي، على أهمية التعاون بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي على مستوى الشراكة الاقتصادية وأيضا على مستوى التحديات الأمنية، التي يتصدّرها خطر الإرهاب وأزمة الهجرة غير الشرعية.
الأحد 2015/07/26
وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار: زيارة موغريني تأتي في إطار تطوير التعاون الاستراتيجي بين الرباط والاتحاد الأوروبي

عندما طالب العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني بانضمام المملكة المغربية إلى المجموعة الأوروبية عام 1987 كان يدرك، بالتأكيد، أن الاستجابة لهذا الطلب لن تكون ممكنة، في تلك الظروف السياسية والجيوسياسية الخاصة. غير أن الكثيرين أدركوا، منذ ذلك الحين أن المغرب، الذي لا يبعد عن أوروبا جغرافيا إلا أقل من عشرين كيلومترا، يعوّل بشكل أساسي على تطوير علاقاته بالمجموعة الأوروبية، بشكل أكثر عمقا، في المستقبل، وإنّ عدم توفر الشروط لتحقيق الانضمام والتمتع بوضع العضو كامل العضوية في المجموعة الأوروبية لا يعني أن إنجاز خطوات نوعية باتجاه تكريس شكل ما من الشراكة العميقة والمتطورة معها، ليس بعيد المنال، متى توفرت الإرادة السياسية القوية لدى جميع الأطراف للعمل على تحقيق مثل هذا الطموح.

وقد جاء توقيع اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في أكتوبر عام 2008 ليشكل نوعا من تحقيق ما يمكن اعتباره الرؤية الاستشرافية للملك الراحل الحسن الثاني، التي حرص الملك محمد السادس على العمل على تجسيدها على أرض العلاقات المغربية الأوروبية، وليعكس طبيعة ما تم تحقيقه من إنجازات، خلال فترة وجيزة، على صعيد التبادل التجاري والتعاون مع أوروبا في مختلف المجالات والميادين.

وبطبيعة الحال، فإن توقيع اتفاقية منح العلاقة مع المغرب الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي دون غيره من دول المنطقة، بمثابة منعطف تاريخي حقيقي في علاقات الاتحاد الأوروبي مع المغرب. وهي علاقات تقوم على الثقة المتبادلة واعتماد أسلوب الحوار البنّاء في التعاطي مع قضايا الخلاف الممكنة بين الشركاء في أيّ وقت من الأوقات.

وفي هذا السياق، فإن الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية، على هذا المستوى أو ذاك، لم يغلق، في أيّ وقت من الأوقات، أبواب التعاون بين المغرب وشركائه الأوروبيين للعمل سوية، في مواجهة استحقاقاتها في مختلف المستويات، وفق منهجية تدرجية في معالجة المشاكل في سياق الحرص على تعميق التفاهم حول القضايا الجوهرية لتطوير العلاقات بينهما.

من الشراكة إلى الوضع المتقدم

اتّبع المغرب في علاقاته مع أوروبا سياسة تميزت بالنفس الطويل، على أساس التركيز على القضايا الحيوية للجانبين، ومحاولة تأجيل كل مناقشة حول القضايا التي يعتبرانها ثانوية، أو غير ملحّة، تفاديا لكل الصراعات الجانبية التي يمكن أن تؤثرا سلبا على العلاقات بين الطرفين، رغم معرفة تلك العلاقات لمراحل أزمة صريحة بينهما. وقد نجح الانطلاق من إعطاء الأولوية القصوى لكلّ ما يجمع، في تجنب حدوث قطائع سياسية بينهما. وهذا على الرغم من بروز تيارات سياسية، في مختلف مؤسسات الاتحاد الاوروبي، حاولت دائما وضع العصيّ في دواليب العلاقات المغربية الأوروبية متخذة قضية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، ذريعة لمحاولة فرملة التوجه الأوروبي الأساسي نحو تعميق العلاقات مع المغرب.

العمل مستمر بين المغرب وأوروبا من أجل إيجاد حل للأزمات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة وتحد من تطورها الاقتصادي

غير أن كل الاستفزازات التي قام بها نواب أوروبيون هنا، أو سياسيون من بعض دول الاتحاد هناك، لم تتمكن من إيقاف عجلة تطور هذه العلاقات التي انتقلت عبر سنوات مديدة من مرحلة عميقة إلى أكثر منها عمقا إلى أن وصلت إلى منح المغرب المكانة التي يحتلها في الوقت الراهن.

وكان واضحا منذ الإعلان عن الزيارة التي قامت بها منسقة السياسات الخارجية والسياسة الأمنية الأوروبية فديريكا موغريني إلى المغرب، في أول زيارة لها للبلاد منذ توليها هذا المنصب في نوفمبر الماضي، إلى إعطاء دفعة جديدة لعلاقات الشراكة الواسعة التي تربط بين الاتحاد الأوروبي والمغرب وهو ما من شأنه بحسب العديد من المراقبين أن يؤشر على تحولات نوعية جديدة في العلاقات التاريخية العميقة بين الجانبين. وهي علاقات لا تقتصر على القضايا الثنائية وعلى الجوانب الاقتصادية ومتابعة البرامج الإصلاحية الكثيرة التي ينجزها المغرب في مختلف المجالات والتي يواكبها الاتحاد الأوروبي سياسيا وماليا من خلال برنامج الاتحاد الأوروبي للتعاون، بل شملت المحادثات بين المسؤولين المغاربة والمسؤولة الأوروبية ملفات ساخنة هامة على شاكلة ملف الحرب على الإرهاب الذي استشرى في عدد من البلدان والوضع في ليبيا حيث اضطلع المغرب بدور حيوي في استضافة الحوار الوطني الليبي الليبي تحت إشراف الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات جنوب العاصمة المغربية الرباط والذي أدى الى التوقيع بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق سياسي يمكن أن يؤدي في حال التزام مختلف أطراف الأزمة الليبية بتطبيق بنوده إلى إخراج البلاد من دائرة العنف والنزاع المسلح إلى مرحلة جديدة من البناء السياسي لمؤسسات الدولة.

وبطبيعة الحال، فإن عددا من الملفات الهامة تم تناولها في لقاءات موغريني مع رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران ووزير الخارجية صلاح الدين مزوار ووزير الداخلية المغربي محمد حصاد، أشارت إليها المسؤولة الأوروبية في تصريحاتها الصحفية بعد لقاءاتها مع المسؤولين المغاربة كما أكّد عليها وزير الخارجية المغربي.

وقالت موغريني في تصريح صحافي إن هناك “شراكة صلبة قائمة على الثقة” بين المغرب والاتحاد الأوروبي؛ مؤكدة أن المغرب والاتحاد الأوروبي يتقاسمان المنطقة نفسها، البحر المتوسط التي هي ربما المنطقة الأصعب في العالم حاليا وأنهما يعملان كثيرا على حل الأزمات في المنطقة، مشيرة إلى ضرورة أخذ الوقت اللازم للاستثمار في شراكات وهو السياق الذي تندرج في إطاره زيارتها للمغرب.

70 بالمئة من الاستثمارات الأجنبية في المغرب أوروبية

كشفت الممثلة الأعلى لسياسة الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي، النقاب عن “توقيع اتفاقية قريبا، تتيح للاتحاد الأوروبي والمغرب المشاركة في عمليات مدنية مشتركة، في تدبير بعض الأزمات”. وقالت موغريني، “تم الانتهاء مؤخرا من وضع اللمسات الأخيرة للاتفاقية”. واعتبرت “العلاقة بين الطرفين قوية وتتسم بالثقة”، مضيفة أن العمل مستمر بين الجانبين من أجل إيجاد حل للأزمات في المنطقة، والتي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتحد من التطور الاقتصادي”.

دعم أوروبي للمغرب

أوضحت موغريني أن الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم المغرب، والوقوف بجانبه في مجموعة من الملفات، مثل الأمن، ومحاربة الإرهاب، إضافة إلى ملف الهجرة، مشيرة إلى أن المحادثات تناولت كيفية العمل المشترك لدعم الدول المصدرة للهجرة.

وذكرت المفوضة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في اللقاء الذي جمعها بوزير الشؤون الخارجية صلاح الدين مزوار، أن منطقة البحر المتوسط أصعب فضاء في العالم خلال الوقت الحالي، وقد تطرّق الطرفان إلى الأوضاع الأمنية التي تعيشها المنطقة برمتها، مركزين بالأساس على ملفات الأمن والاستقرار.

وقال وزير الخارجية المغربي مزوار من جهته، إن زيارة موغريني، تأتي في إطار العلاقات المتميزة بين الطرفين، وتؤكد الالتزام المشترك لتطوير التعاون الاستراتيجي بينهما، لافتا إلى أن بلاده والاتحاد الأوربي، يعتزمان رفع التحديات المشتركة بالمنطقة المتوسطية، وتحقيق السلام، والعمل المشترك فيما يتعلق بملفات الاستقرار والأمن.

كما أكد أن “لدى الجانبين علاقة نضجت ويعتبران نفسيهما موجودين في منطقة مضطربة نسبيا إلا أنه يجب أن يكونا قادرين على البناء في الأوقات الصعبة أيضا”. وأضاف الوزير المغربي أنه إضافة إلى المسائل التقليدية الأمنية ومسائل الهجرة، تم التطرق في المحادثات مع موغريني أيضا إلى إعادة النظر في “سياسة الجوار الأوروبية” واقترح عقد اجتماع بهذا الصدد في المغرب في الخريف المقبل.

المغرب والاتحاد الأوروبي يتقاسمان منطقة البحر المتوسط التي هي ربما المنطقة الأصعب في العالم ويعملان كثيرا على حل الأزمات في المنطقة

يذكر أن المغرب يدرك جيدا كما يدرك الاتحاد الأوروبي أن مواجهة الإرهاب الدولي الذي يمكن أن يضرب في كل مكان من هذا العالم لا بد لها من تنسيق الجهود بين الدول في عملية مكافحة هذه الآفة الخطيرة وهو محور كل سياسة جادة لمكافحته. وهذا لا يعود فقط إلى أهمية تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية المختصة في مختلف البلدان عن تحركات وأنشطة المنظمات الإرهابية بل في تمكين الدول المعنية من عناصر فعالة في بلورة الخطط الملائمة القائمة على تضافر الجهود الاقتصادية التنموية والسياسية والأمنية بما يمكّن من تحييد العديد من المخاطر على قاعدة خطط استباقية أبانت عن فعاليتها في كثير من المناسبة كما دلّ على ذلك تفكيك كثير من خلايا الإرهاب واحباط العديد من العمليات التي كانت الجماعات الإرهابية تخطط لها في مختلف دول المنطقة وأوروبا.

وفي كل الأحوال، فإن حرص المغرب على تطوير علاقاته مع عدد من الأقطاب الدولية خلال السنوات الأخيرة وخاصة الاتحاد الروسي والصين لم يكن على حساب تطوير وتنويع علاقاته في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية مع الاتحاد الأوروبي الذي يحظى بمركز الصدارة في تلك العلاقات كما يدل على ذلك حجم الاستثمارات الأوروبية بالمغرب قد وصل إلى نسبة 70 بالمئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في البلاد. ورغم أن المفاوضات حول “اتفاق كامل ومعمق للتبادل الحر” بين الطرفين لا تزال معلقة منذ أشهر عدة، إلا أن الوزير مزوار أعلن أن المغرب “يواصل العمل إلى جانب الاتحاد الأوروبي لتجسيد هذه الطموحات” على أرض الواقع.

وفي ما يمكن اعتباره ضربة سياسية للتوجهات الجزائرية المناهضة للمغرب في موضوع الاتفاق حول الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي بدعوى كونه موجها ضد مصالح أبناء الصحراء المغربية، جددت اللجنة الأوروبية التأكيد على قانونية هذا الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي ومطابقته للقانون الدولي وأن عائداته الإيجابية يستفيد منها المغاربة في مختلف مناطقهم على عكس الأطروحات المغرضة لجبهة البوليساريو الانفصالية ومن يدعمونها والتي تزعم أن أوروبا بهذا الاتفاق تساهم في نهب ثروات الشعب الصحراوي المزعوم.

4