الكاتب إبراهيم المصري: تنظيم داعش نسخة حديثة وأكثر شرا من "الحشاشين"

يرفض الكاتب إبراهيم المصري كل المسميات الداعشية وما خلفته من فوضى وقتل باسم الدين. ويؤكد المصري، في حوار مع “العرب” حول كتابه الصادر حديثا بعنوان “داعش وأخواتها.. نصوص الإرهاب”، أنه يتابع، منذ سنوات طويلة، جماعات الإسلام السياسي، ويركّز بالخصوص على جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرها مسؤولة عن كل الدم المراق في العالم العربي.
ويضيف المصري قائلا لـ”العرب”: ثمة جريمة معلنة منذ عقود في عالمنا العربي، اسمها استعادة الخلافة وتأسيس دولة على مناط الدين، ورفض هذه الفكرة لا يعني رفضا للدين الذي سيظل باقيا مع البشر، وإنما رفض لاستخدام الدين في مآرب سياسية واقتصادية ورغبة في السيطرة على حياة الناس في هذه المنطقة من العالم.
ويجيب إبراهيم المصري عن سؤال حول أهدافه وما الذي يريد قوله من خلال الكتاب، قائلا إن أي فكرة مستندة على الدين أو على الأيديولوجيا وتعمل بوصفها نقيضا للدولة الوطنية هي فكرة فاسدة وتصل بأصحابها، مهما كانت نواياهم، إلى الإرهاب وإن تنظيم داعش يمثل التجلي الأكبر للشر الناجم عن استخدام الدين لتخريب الأوطان والدول الحديثة.
|
ويضيف أن داعش بإعلانه الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، ليس مبدعا فيما فعله، فالأصل في كل هذا هو جماعة الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا عام 1928، والتي تقوم في أساسها العقائدي والفكري والديني على استعادة (دولة الخلافة الإسلامية).
وبالفحص البسيط لكل جماعات الإسلام السياسي يتبين أن الجذر واحد، وهو رفض الدولة الوطنية ومبدأ المواطنة، لاستعادة نموذج لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يستقيم مع الزمن الحديث ولا مع مبدأ المواطنة ولا مع أي قيمة من القيم التي تؤسس لمساواة ناجزة تستند في أصلها وفصلها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي إطار الدولة الوطنية الحديثة.
وبالنسبة لمغامرة نشر كتاب ضد الدواعش في هذا الوقت، قال إبرهيم المصري: حين قررت نشر الكتاب، كانت البداية بنصوص كنت أنشرها تباعا على صفحتي على الفيسبوك، ثم تطورت إلى كتاب. وهذه ليست المرة الأولى التي أجابه فيها مثل هذه الجماعات، في عامي 2004 و2005، كنت أنشر مقالات على الإنترنت أهاجم فيها بشدة جماعة الإخوان المسلمين وأفند منطقها الفاسد والذي هو في الحقيقة ضد الدين والدنيا، وحاليا أكتب كتابا عن هذه الجماعة، تحديدا بوصفها جذر الشر الذي رعاه الاحتلال الإنكليزي والقصر الملكي في مصر ردا على الوطنية الناهضة من ثورة 1919، وكان الاستعمار الغربي أذكى في تخريب بلداننا بمثل هذه الجماعات التي ترعاها دول وأجهزة مخابرات بما فيها تنظيم داعش، وإن لم نغامر الآن في مجابهة هذا الشر، فمتى نغامر؟.
وبسؤاله عن موقف المثقف تجاه ما يقع من أحداث مؤلمة في منطقتنا العربية، أجاب إبراهيم المصري قائلا إنه يتوجس كثيرا من لفظ “المثقف” ويستعيض عنه بتعبير “إنسان مصري عربي يكتب”، ويستخدم أداته المتاحة في يده لمواجهة تلك الأحداث المؤلمة التي تمر بها منطقتنا العربية.
ويضيف المصري أنه ليس وحده من كتب في هذه الأحداث في الحقيقة، كثيرون في مصر والعراق وسوريا وغيرهم من الدول العربية كتبوا ودافعوا بشراسة عن إنسانية الإنسان وحقه في الحياة والكرامة والحرية، والأمر يتعلق أكثر بخفوت أصواتهم كلها، فما من أحد في الحقيقة يهتم بما نكتب، والجمهور في معظم الدول العربية غارق في مصائبه من لقمة العيش إلى القتل الذي أصبح مشاعا.
|
وأضاف المصري أن تنظيم داعش الآن هو امتداد طبيعي لتنظيم القاعدة التي هي امتداد طبيعي لجماعة الإخوان المسلمين، سلسلة أشرار تحاول أن تمسك بمصائرنا وتسفك دما غزيرا، وهي على أي حال سلسلة مسبوقة في تاريخنا بجماعة، مثلا جماعة الحشاشين التي أسسها حسن الصباح وكانت تنفذ اغتيالات وأعمالا إرهابية في مرحلة من مراحل الدولة الفاطمية، وتستند إلى حد كبير على ما تستند إليه تنظيمات الإرهاب الحديثة، حتى في الشكل الاقتصادي للجباية واستغلال ثروات الناس وأرزاقهم للاستمرار والإنفاق.
كأن إبراهيم المصري يعلمنا بكتابه أنه لم يعد ثمة مكان للخوف، وإن خفنا فإن هذا بالضبط ما تريده تنظيمات الشر المنفلتة في العالم العربي، وإلّا لماذا هذه الأفلام التي يتم إنتاجها بمستويات همجية من الشر ومن الحرق والإغراق والمذابح الجماعية. ويضيف المصري: عن نفسي لا أخاف، وكما يقولون في مصر “العمر واحد والرب واحد”، وعلينا جميعا نحن سكان هذه المنطقة المنكوبة من العالم ألّا نخاف وأن نتحلى بالشجاعة التامة في مواجهة كل من يرفع سلاحا كائنا من كان ولأي هدف كان، وما من أمر شرعي في حياتنا سوى أوطاننا ودولنا وجيوشنا ومؤسساتنا. وعدا ذلك يجب وضعه مباشرة في خانة الإرهاب ومواجهته بالقانون والسلاح أيضا، وبالكلمة والإعلام وبكل وسيلة متاحة.
ووصف المصري أبابكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، في كتابه بأنه “يفوق شجاعتنا”، ويبرر ذلك قائلا إنه كتب ذلك ساخرا، ففيما كانت القاعدة وجماعات مثل التكفير والهجرة في مصر والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد أيضا، والقاعدة التي أسسها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تسعى للخلافة “عبر إرهاب مرحلي”، جاء أبوبكر البغدادي وتفوق على الجميع، حتى أنه وضع مسلمين أصوليين في حرج، وبعضهم رفض خلافته متعللا بأنها جاءت بالقوة، وكان على هؤلاء اتساقا مع منطقهم أن يبايعوا أبابكر البغدادي فورا على خلافته.
ويرى المصري أنه كان لابد أن نصل إلى هذه المرحلة من الإرهاب الدموي لكي ندرك وبشكل مفزع أن ما سكتنا عنه طويلا، أي الجماعات الدينية الإرهابية، سوف تقوض أوطاننا وهي تقوم بذلك بالفعل. ليختم مؤكدا أنه ما من إطار للعيش سوى الدولة الوطنية، منذ أن تقررت هذه الدولة في معاهدة ويستفاليا في القرن السابع عشر في أوروبا، لكي تضع حدا لنزاعات الأوروبيين الدموية باسم الدين أيضا.