الإحراج بالدين
عادة سيئة لكنها شائعة: الإحراج بالدين. هذا المسلك قد تنتهجه بعض الدّول ضدّ المواطنين إما طول الوقت أو في بعض الأوقات، وقد يسلكه بعض المواطنين ضدّ السلطة سواء بمناسبة أو بلا مناسبة، وقد تمارسه بعض الحكومات ضدّ المعارضة قصد تمرير بعض القرارات، وقد تطبّقه بعض المعارضات ضدّ الحكومة لتحقيق بعض المكتسبات، وقد تلجأ إليه بعض الأقليات الدينية ضدّ الاندماج في بعض المجتمعات، وقد يمارسه الجميع ضدّ النساء والأفراد والأقليات لأجل قمع الحريات.. لكن الرهان لعبة قذرة بكل المقاييس.
الأمثلة كثيرة ولا تحصى، أشهرها ما يمارسه المتسولون في الأزقة والشوارع والطرقات، وكذلك تفعل بعض الفضائيات.
وثمة أمثلة من مستويات أخرى، مثل التذرّع بأموال الزكاة لعدم كشف الحساب، والتذرّع بإحدى الشعائر لتعطيل بعض الالتزامات، أو ارتداء العمامة واستهلال الكلام بالبسملة والحوقلة والحسبلة لإحراج المنتقدين. لكن بعض الحيل أكبر من ذلك، وسأنقل إليكم بعض المشاهدات:
رجل دين مثير للجدل منعته المملكة العربية السعودية من دخول أراضيها، وكان يريد إلقاء “محاضرة” أو “خطاب” أو لستُ أدري. المهم في هذه النازلة أن الرّجل بدل أن يناضل من أجل “حقه” بصدق ووضوح فقد قرر أن يداور ويناور ويلجأ إلى حيلة الإحراج الديني، فتقدم بطلب تأشيرة لأداء مناسك العمرة، وعندما رُفض طلبه نشر بكائيات على تويتر من قبيل: اللهم احتسبها لي عمرة حرموني منها.. إلى آخر العويل والبكاء.
حيلة أخرى شائعة في أوساط الفصائل “الجهادية” للثورة السورية المنكوبة والمقاومة “الإسلامية” المنهكة في غزة، تتعلق بمشاهد إطلاق النار من داخل المساجد. حتى إذا قام العدوّ بقصف مصدر إطلاق النار وانهارت المئذنة علت أصوات الندب والنحيب على بيوت الله التي تُهدّم وحرماته التي تُنتهك إلى آخر العويل والبكاء. نعم، الحرب خدعة لكن ليس إلى درجة الحقارة.
تنظيم إسلامي مغربي (صائم عن السياسة احتجاجا على السياسة كما يقول!) انتظر فرصة سانحة للعودة إلى الشارع بعد أن غادره ابتغاء مرضاة حزب إسلامي آخر (غير صائم) فائز في الانتخابات، ثم لم تأت المناسبة. ففكر ودبر وقدر وانتظر العشرية الأخيرة من شهر رمضان ليطالب بحق أعضائه المسلمين في ممارسة شعيرة الاعتكاف لأجل الصلاة في مساجد الله. حتى إذا مُنع سُمعت أصوات النحيب على ضياع الإسلام إلى آخر العويل والبكاء.
نعم، السياسة أن تلعب أوراقك كما تريد، لكن الدين ليس أوراقا للعب. أما بعد، فهناك سؤال أخير: ما المروءة؟ المروءة ألاّ تلعب دور الضحية حتى ولو كنتَ في موقع الضحية.