"شعرة النبي" في طرابلس مزار اللبنانيين منذ 126 عاما

تختلف عادات وتقاليد الاحتفاء بشهر رمضان من دولة عربية مسلمة إلى أخرى، لكن جميعها تشترك في تقديم الجانب الروحي على بقية جوانب الحياة؛ فتكثر مظاهر الزينة والاحتفالات الدينية وتتكثف الزيارات للأماكن المقدسة من جميع فئات المجتمع وجميع الأعمار، وفي لبنان يتجه آلاف المواطنين إلى الجامع المنصوري الكبير لزيارة الأثر الشريف.
الاثنين 2015/07/20
شعرة النبي أثر اقترن بالقداسة عند اللبنانيين المسلمين الفخورين بوجوده في طرابلس

بيروت – على مدار 126 سنة لم يتخلف اللبنانيون وخاصة أهالي طرابلس على عادة زيارة شعرة من شعرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في آخر يوم جمعة من شهر رمضان ويتوافد الشيوخ والكبار والصغار رجالا ونساء إلى الجامع المنصوري الكبير، للتبرك بشعرة النبي وتقبيل هذا الأثر في مرتين الأولى عقب صلاة فجر يوم الجمعة، والثانية عقب صلاة الجمعة مباشرة.

اقترنت هذه العادة عند المسلمين في لبنان بالمناسبات الدينية فتجدهم يملأون الجامع في آخر جمعة من رمضان وفي المولد النبي الشريف وغيرها من المناسبات التي يتم فيها إخراج هذا الأثر الشريف وعرضه أمامهم ليقوموا بتقبيله والتبرك وبرائحة النبي على وقع الابتهالات والمدائح النبوية، والتضرع إلى الله بالدعاء.

وتصطحب الأمهات والآباء أبناءهم معهم لتلفحهم نسمات بركة شعرة النبي وأيضا ليتشبعوا بهذه العادة وبمختلف تفاصيلها وطقوسها حتى تترسخ في أذهانهم وفي ثقافتهم وبذلك تقربهم من دينهم ومن عاداتهم وتحفظ أصالة أهالي طرابلس وهويتهم التي تمثل العادات الرمضانية والتقاليد جزءا لا يتجزأ منها.

خالد تدمري، رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس، أشار إلى أن زيارة الأثر النبوي الشريف في مدينة طرابلس “حدث ديني تنفرد به طرابلس عن سائر المدن اللبنانية وحتى بلاد الشام”، وقال “قرر السلطان عبدالحميد أن يرسل هذا الأثر المتمثل في شعرة واحدة من لحية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، محفوظة داخل أنبوب زجاجي، معلقة ومثبتة بالشمع الأحمر المغلف بالعسل والعنبر، مغلقة بهلال ذهبي، كتب عليه أنها شعرة من لحية الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد كانت محفوظة في جناح الأمانات المقدسة في قصر طوب كابي في إسطنبول”.

من ناحيته، قال مفتي مدينة طرابلس الشيخ مالك الشعار “نجتمع في يوم الجمعة الأخيرة من رمضان، في غرفة الأثر الشريف، الذي يمثل قيمة تاريخية ودينية عظيمة في مدينة طرابلس″.

أما باسم قدور، أحد المواطنين الذين توافدوا لزيارة الأثر الشريف، فيقول إنه “من الجميل أن نتبرّك بهذه الشعرة النبوية الشريفة، شعور لا يمكن أن يوصف”، مؤكدا “أنه منذ الصغر ووالدي يأتي بنا إلى هنا لنتبرّك، ونسأل الله أن يرزقنا زيارة النبي صلى الله عليه وسلم”.

زيارة الأثر النبوي الشريف في مدينة طرابلس حدث ديني تنفرد به طرابلس عن سائر المدن اللبنانية وحتى بلاد الشام

الأثر الشريف المتمثل في شعرة النبي محفوظ في الجهة الجنوبية الغربية من الرواق الغربي في خلوة آل الميقاتي في الجامع المنصوري الكبير بطرابلس، التي كانت قديما موضع مكتبة المسجد، وصارت تعرف الآن بغرفة الأثر، ويجلس فيها القراء والحفظة ويتلون القرآن الكريم بعد صلاة العصر طوال أيام شهر رمضان، ويختمونه في اليوم التاسع والعشرين بحضور مفتي المدينة وعلمائها.

وبحسب المؤرخ اللبناني، عمر عبدالسلام تدمري فإن السلطان العثماني عبدالحميد خان الثاني “أهدى أهل طرابلس شعرة من أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، تقديرا لولائهم للدولة العليّة”، مشيرا إلى أن هذه الهدية “وضعت في علبة من الذهب الخالص، وأرسلت مع أحد الباشوات في فرقاطة خاصة إلى طرابلس″. وكان ذلك تحديدا عام 1889 بعد تجديد بناء جامع الحميدي، المعروف قديما بجامع التفاحي، في طرابلس.

وعندما وصلت الشعرة إلى ميناء طرابلس، خرج أهالي المدينة لاستقبالها، في ظل فرحة عارمة عمت المدينة بأسرها، وعندما نزل حامل العلبة، تناولها منه مفتي المدينة الشيخ حسين الجسر، ووضعها على رأسه وحملها إلى الجامع الكبير”. وأشار تدمري إلى أن “الأثر الشريف كان مُهدى في الأصل ليوضع في جامع الحميدي، ولكن الشيخ علي رشيد الميقاتي أقنع رجالات البلد بأن يوضع في الجامع المنصوري الكبير، كونه أكبر مساجد طرابلس. وهكذا شهد الجامع الكبير احتفالا حضره آلاف المسلمين من أنحاء طرابلس وقرى قضائها، للتبرك برؤية الأثر الشريف وتقبيله، وظلت شوارع طرابلس مزينة لمدة 7 أيام، والموالد تُقرأ في المآذن والبيوت احتفالا بقدوم شعرة النبي للمدينة.

وتعد زيارة الجامع المنصوري الكبير بطرابلس للتبرك بشعرة النبي من أهم العادات التي اقترنت برمضان لدى أهل طرابلس بدرجة أولى ولدى اللبنانيين عموما وهي من بين سمات شهر الصيام لديهم وأحد أبرز المزارات والمقاصد التي يحرصون على زيارتها في مناسبة سنوية وفرحة متجددة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مظاهر الاحتفاء برمضان لدى البنانيين مختلفة من منطقة إلى أخرى إلا أن معظمها يكون في المساجد والزوايا والتكايا، حيث تقام مجالس الدعاء وتلاوة القرآن الكريم.

12