ليلة الانتخابات ينام الأتراك ويستيقظون في بلد جديد

تظل الانتخابات التشريعية التي من المقرر أن تجرى في السابع من يونيو المقبل محددا رئيسيا لتفاعلات الساحة السياسية التركية في الأعوام المقبلة، والتي لا يتوقع أن تتسم بالهدوء وإنما ستكون في الأغلب عاصفة باستقطاب حاد وإصرار من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم على الحصول على صلاحيات أوسع للرئيس رجب طيب أردوغان، بينما تبدو أحزاب المعارضة مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لإحباط هذه المحاولات.
الأربعاء 2015/06/03
الدين.. سلاح الردع لدى حزب العدالة والتنمية

يقف الأتراك يوم الأحد المقبل في صفوف الاقتراع أمام مراكز التصويت للانتخابات التشريعية الأهم في تاريخ تركيا الحديث في ظل استقطاب عميق وطموح حزب العدالة والتنمية في تغيير نظام الحكم ومعه مستقبل تركيا.

وبدأ العد التنازلي للانتخابات بعد انتهاء التصويت للأتراك في الخارج، الذين يعول الإسلاميون عليهم بشكل كبير، بنسب متوسطة وقليلة.

وفي الداخل يتنافس 20 حزبا سياسيا، إضافة إلى 165 مرشحا مستقلا، على مقاعد البرلمان.

ويبلغ عدد الناخبين في تركيا 53 مليونا و765 ألفا و231 ناخبا، فيما يصل عددهم خارج البلاد إلى مليونين و876 ألفا و658 ناخبا.

وإذا كانت التفاعلات الأخيرة قد أفرزت معادلات جديدة على الساحة السياسية التركية، وأدت إلى صعود نجم الأكراد كفرس رهان في الانتخابات، فإن أجندة الأحزاب التقليدية تضم أهدافا غير تقليدية هذه المرة تدور في أغلبها حول محاولة إحباط مشروع تغيير الدستور الذي يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس مستعدا للتنازل عنه.

وظل تغيير نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أولوية على أجندة حزب العدالة والتنمية الحاكم بإيعاز من أردوغان الذي مازال غير قادر على تقبل دور الرئيس الشرفي كما ينص دستور 1982.

وخلال كل خطبه، يصر أردوغان على تسمية الدستور الحالي للبلاد بدستور الانقلابيين الذي وضعه الجنرال كنعان ايفرين بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه عام 1980، كما يصر أيضا على إقحام الدين في الحملة الانتخابية التي يخاطب من خلالها جمهوره من المتدينين.

صلاح الدين ديمرتاش: الحزب الحاكم يجهز بجدية للتلاعب بنتائج الانتخابات التشريعية

والسبت، وضع الرئيس التركي الدين في صدارة المشهد من جديد عندما استحضر ذكرى الفتح العثماني للقسطنطينية وتعهد بأن يظل صوت الأذان يتردد في البلاد إلى الأبد.

وسوف يكون إقناع المحافظين الدينيين – بما في ذلك الأكراد والقوميون المتدينون – عاملا أساسيا في انتخابات يأمل أردوغان أن تمنحه صلاحيات رئاسية أقوى وهي صلاحيات ينظر إليها المعارضون على أنها تهديد للديمقراطية.

ويستمد أردوغان – وهو السياسي الأبرز في تركيا منذ أكثر من عقد ومؤسس حزب العدالة والتنمية – الكثير من الدعم الذي يحظى به من الجماهير المتدينة.
وغالبا ما يلعب خطابه على مشاعر مشوبة بالتوتر تعود إلى العشرينات من القرن الماضي عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك جمهورية علمانية على أنقاض الدولة العثمانية.

وقال في خطاب ألقاه في اسطنبول لإحياء ذكرى الفتح الإسلامي عام 1453 الذي حول عاصمة الإمبراطورية البيزنطية إلى مقر للسلطة العثمانية “نحن لن نفسح المجال لأولئك الذين يعترضون على الأذان”.

لماذا تهدد النورسية أردوغان
اسطنبول - من المنتظر أن تلعب حركة النورسيين دورا كبيرا في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في تركيا في السابع من يونيو المقبل، وهي الحركة التي تتمثل اليوم في جماعة “خدمة” بزعامة الداعية الإسلامي فتح الله كولن.

ويتحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحركات الحركة التي يقول مراقبون إنها ستدفع بمرشحين يمثلونها لكن في قوائم أحزاب أخرى عقدت الحركة معها تحالفات انتخابية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري المعارض.

روح النورسي تؤرق منام الرئيس التركي

والنورسية حركة أسسها سعيد النورسي الذي كان من أشد المعارضين لنهج مصطفى كمال أتاتورك العلماني.

وفي مارس 1960 توفي النورسي بعد الانقلاب العسكري في تركيا الذي حدث في مايو من نفس العام، وبعدها قام المجلس العسكري الذي انقلب على رئيس الوزراء عدنان مندريس بقيادة العقيد البرسلان ترك بنقل رفات الإمام النورسي إلى جهة غير معلومة.

وكانت النورسية من قبل جماعة دينية إسلامية أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة.

وركَّز مؤسسها سعيد النورسي، الذي كان يعرف أيضا ببديع الزمان النورسي على الدعوة إلى حقائق الإيمان والعمل على تهذيب النفوس، مُحْدِثا تيارا إسلاميّا، في محاولة منه للوقوف أمام نفوذ العلمانيين الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية، وأثناء حكم كمال أتاتورك في القرن العشرين.

لكن النورسيين تحولوا مع مرور الوقت إلى تنظيم محكم ساعد رجب طيب أردوغان قبيل صعوده إلى السلطة في تشكيل حزب العدالة والتنمية الحاكم عقب انشقاقه عن حزب الرفاه وعن معلمه نجم الدين أربكان.

وكان كولن أيضا ممن تتلمذوا على يد أربكان، لكنه لم يؤمن بتجربة الحزب الذي كان يحمل أجندة إسلامية أكثر محافظة.

ومنذ عقود، حرص النورسيون على اختراق مؤسسات الدولة التركية وعلى زرع عناصرهم داخل الأجهزة الحساسة بدءا من الجيش والقضاء وأجهزة الأمن مرروا بالمفاصل الاقتصادية التركية.

وما يقلق أردوغان هو علمه تماما بمدى النفوذ الذي يتمتع به النورسيون داخل الجسم الإداري والأمني لتركيا، وظهر ذلك بوضوح العام الماضي حينما نشرت الجماعة مقاطع صوتية تظهر تورط أردوغان ووزراء في حكومته في قضايا فساد كبيرة.

كما أوضحت هذه المقاطع دعم أردوغان لمتشددين في صفوف المعارضة السورية بالأسلحة والأموال، وهو ما دفع أردوغان إلى شن حملة كبيرة على ما أسماه “الكيان الموازي”.

ويقول مؤيدون للرئيس التركي إن جماعة خدمة (النورسيين) أعلنت عداءها الواضح للإسلاميين في الحكم من خلال تحالفها مع حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي صاحب المواقف الواضحة في معاداة مظاهر الالتزام الديني والتدين.

وتتهم الجماعة بتجميع أوراق المعركة منذ حوالي عامين أو أكثر من خلال عمل شبكة تنصت موسعة من خلال سيطرتهم على جهاز الشرطة والقضاء، فتمت عمليات تنصت واسعة جدا لكل خصومهم.

ويقول الإعلام التركي الموالي للحكومة إن الجماعة تنصتت على كل الأطراف، من سياسيين ورجال أعمال وإعلاميين من الحكومة والمعارضة وحتى على أركان الدولة بما في ذلك هواتفهم المشفرة، مما وفر لهم أوراق ضغط كثيرة على شركائهم السابقين في الحزب الحاكم، وتتحدث التقديرات عن الآلاف الذين تم تسجيل مكالماتهم وجميع أفراد أسرهم.

وربط مراقبون بين الحملة التي يشنها أردوغان حاليا على هيئات قضائية ووسائل إعلام معارضة وقادة في الشرطة وبين قرب موعد الانتخابات الوشيك.

ويقولون إن هذه الخطوات تهدف إلى إبعاد أنصار كولن عن المشهد أثناء الانتخابات، وربما قد تكون مقدمة لتلاعب بالنتائج.

وإن لم تعلن جماعة كولن أي خطوات مفاجئة مع قرب موعد الانتخابات قد تؤثر بشكل كبير على مسارها في غير صالح حزب العدالة والتنمية، فمن المؤكد أنها ستحاول كسب أعداد مؤثرة من مقاعد البرلمان المقبل، وهو ما قد يؤثر على مستقبل أردوغان وحزبه العدالة والتنمية ومستقبلهما في حكم البلاد.

وأضاف أمام أعداد غفيرة من المؤيدين الذين يلوحون بالعلم التركي الأحمر وترتدي غالبية المشاركات فيه الحجاب ويضع بعض الرجال عصابات على رؤوسهم تحمل اسم أردوغان “لن نفسح المجال لأولئك الذين يريدون أن يطفئوا جذوة الفتح التي تشتعل في قلب اسطنبول منذ 562 سنة”.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية سيجد صعوبات كبيرة في الوصول إلى عدد مقاعد تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا وسط سطوع نجم حزب الشعوب الديمقراطي واحتمالات أن يتجاوز الحد النسبي للتمثيل في البرلمان وهو 10 بالمئة من أصوات الناخبين ليصعب من مهمة العدالة والتنمية ويدفعه إلى اللجوء إلى خيار الحكومة الائتلافية أو حكومة الأقلية وبالتالي يحرم أردوغان من تحقيق حلم النظام الرئاسي.

ويراهن حزب الشعوب الديمقراطي على جذب ناخبين جدد بخلاف قاعدته الكردية للدخول إلى البرلمان لأول مرة، مما يهدد بحرمان الحزب الحاكم من مقاعد حاسمة.

وحزب الشعوب الديمقراطي حزب صغير لكنه قد يلعب دورا كبيرا في الانتخابات البرلمانية بالنظر إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان يحتاج إلى تحقيق فوز كاسح لتغيير الدستور وتوسيع الصلاحيات الرئاسية.

ويقول إسماعيل ياشا، الباحث السياسي التركي “بينما تستعد تركيا لإجراء انتخابات برلمانية هامة للغاية تسعى القوى المعارضة نفسها لتلميع نجم جديد على غرار نموذج أكمل الدين إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية الماضية، وهذا النجم الجديد الذي تتسابق وسائل الإعلام المعارضة في ترويجه هو الزعيم الشاب الكردي صلاح الدين دميرتاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، وبمعنى آخر أن دميرتاش هو غاندي هذه الانتخابات”.

وأضاف “القوى المعارضة لأردوغان بحاجة ماسة إلى تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي حاجز 10 بالمئة في الانتخابات حتى لا يحصل حزب العدالة والتنمية على عدد من المقاعد يكفيه لتغيير الدستور، ولذلك تصطف جميعها اليوم إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي، وتستنفر وسائلها الإعلامية للنفخ في “بالون دميرتاش” لتجعله زعيما مقبولا لدى الناخبين الأتراك المنزعجين من سياسات الحكومة التركية”.

ومنذ تحقيقه نجاحا نوعيا كبيرا في الانتخابات الرئاسية الماضية، أدرك دميرتاش أنه قد يُوظف من قبل المعارضة للعب دور الحصان الأسود في الانتخابات التشريعية التي تشعر قوى المعارضة التقليدية بأنها آخر جولة انتخابات على الإطلاق.

وبدأ دميرتاش تقمص هذا الدور منذ ما قبل مطلع العام الحالي.

والشهر الماضي، قال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي إن حزب العدالة والتنمية شكل فريقا مكونا من 3500 شخص للتلاعب في نتائج الانتخابات العامة.

ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “راديكال” التركية عن دميرتاش تأكيده أن ما قاله مبني على وثائق وأدلة رسمية، تؤكد أن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية سليمان صويلو يتولى رئاسة الفريق المشار إليه، بعد أن تأكد للقياديين في الحزب الحاكم الانخفاض الملحوظ في شعبية الإسلاميين، وبالتالي عدم التمكن من تغيير النظام في البلاد من البرلماني إلى الرئاسي.

وأشار دميرتاش إلى أن “فريقا خاصا يوجد حاليا في مقر الحزب الحاكم لتلقي دورة فنية على التلاعب بنتائج الانتخابات التشريعية”، مضيفا أن صويلو يتنقل بين الحين والآخر إلى المدن التركية للإشراف على الاستعدادات الجارية لعملية الاحتيال والتلاعب.

على الجانب الآخر، يبدو حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية أكثر حيوية في هذه الانتخابات ما يشكل عامل ضغط آخر على العدالة والتنمية.

وعلى غرار حزب الشعوب الديمقراطي شدد الحزبان المعارضان الكبيران الآخران على تباطؤ الاقتصاد التركي مؤخرا.

فيبدو أن صفحة “المعجزة” التركية طويت اليوم، حيث بلغت البطالة أعلى مستوياتها منذ خمس سنوات وازداد التضخم، وضعفت العملة أمام الدولار واليورو وتوقف النمو عند أقل من 3 بالمئة، بعيدا عن سنوات النمو “على الطراز الصيني” التي فاقت 8 بالمئة.

وصرح الاقتصادي سيف الدين غورسيل من جامعة بهجة شهير في اسطنبول “طوال عشر سنوات شهدت تركيا نموا مرتفعا (…) تمت مشاطرته”، وأضاف “اليوم دخلنا حلقة نمو ضعيف لم تعد تجيز تقليص التفاوت الاجتماعي…من الواضح أن العدالة والتنمية سيخسر ناخبين”.

وإلى جانب ذلك فإن اتفاقا وطنيا تم توقيعه لتشكيل تحالف انتخابي بين حزبي السعادة والوحدة الكبرى اليمينيين، والذي عمل كحائط صد دون لعب أردوغان وحزب العدالة والتنمية على أصوات الإسلاميين عبر توظيف الدين في الدعاية الانتخابية واستغلال القضايا التي يتعاطف معها الشعب التركي كقضية القدس وغزة.

لكن مراقبين يقولون إن العدالة والتنمية مازال يرى في الأحزاب الإسلامية الصغيرة مخرجا له في حال تمكن العلمانيون من تحقيق نتائج كبيرة والحصول على عدد مقاعد غير متوقع.

أجندة الأحزاب التقليدية تضم هذه المرة أهدافا غير تقليدية تدور حول إحباط مشروع العدالة والتنمية لتغيير الدستور

ورغم تبني حزبي السعادة والوحدة الكبرى أجندة مناقضة لحزب العدالة والتنمية، إلا أن الأيديولوجية الإسلامية تظل هي الحاكم والوسيط بين الجانبين في حال شعر الحزب الحاكم بتراجع غير مسبوق في نسب التصويت له، خاصة بين صفوف الأكراد.

وقد شهدت تركيا في الآونة الأخيرة تجاذبات حادة تخللت المناقشات العدائية حول تعديل الدستور، وعكست الانقسامات التاريخية بين الأحزاب التركية على مدار سبعة عقود مضت.

ويقول إرغـن أوزبودن الباحث في الشؤون التركية إن النظام الحزبي الحالي في تركيا قائم على انقسام مركزي – محيطي. فبدءا من العصر العثماني وامتدادا إلى عصر الجمهورية كان المركز يتألف أساسا من نخب الدولة البيروقراطية التي لديها عقلية سلطوية ووصائية قوية، وجاءت بإصلاحات غربية الطراز بمساهمة محدودة من المجتمع المدني.

أما المحيط فيضم وفقا لأزبودن قطاعات المجتمع الأخرى التي تلعب دورا ضئيلا أو معدوما في الإدارة الحكومية.

ومع الانتقال إلى نظام التعددية الحزبية أواخر الأربعينات من القرن العشرين، تم تنظيم المحيط وتمثيله بمجموعة أحزاب يمين الوسط: الحزب الديمقراطي وحزب العدالة، وحزب الوطن، وحزب الطريق القويم، والآن حزب العدالة والتنمية، بينما لا يزال حزب الشعب الجمهوري الممثل الرئيس للمركز.

وفي الساحة الانتخابية، كانت دائما أحزاب يمين الوسط تهيمن على المشهد. وهكذا، في الانتخابات البرلمانية العامة الخمسة عشر التي أجريت في الفترة بين 1950 و2007، كان متوسط نسبة التصويت لأحزاب يمين الوسط (أو اليمين) 63.5 بالمئة مقابل 33.8 بالمئة لأحزاب اليسار.

12