الحرب على الحوثيين توحد العرب وتفرقهم

شكّلت عملية “عاصفة الحزم” العسكرية التي قادتها السعودية ضدّ ميليشيا الحوثي الشيعية في اليمن، لحظة تاريخية فارقة بحصول إجماع عربي عليها وتفهم دولي لها، إلا أن بعض الدول العربية ومنها سوريا والجزائر، شقّت هذا الإجماع.
في الوقت الذي سارع فيه المغرب إلى الاستجابة لنداء التضامن العربي وحماية الأمن القومي تناغما مع الموقف الخليجي، ودعما لعملية “عاصفة الحزم” باعتبارها آخر وصفة علاج لجأت إليها السعودية بعد جهود دبلوماسية لإثناء الحوثيين عن منطق الطائفية ولغة السلاح، جاء الموقف الجزائري على خلاف الإجماع.
وأعلنت الجزائر على لسان وزير خارجيتها رفضها التدخل العسكري في اليمن، معتبرة أن الحلّ يكمن في إعادة الفرقاء اليمنيين إلى طاولة المفاوضات، وهو أمر يبدو مناقضا للوقائع على الأرض، حيث واصل الحوثيون تمدّدهم إلى عدن بعد سيطرتهم على صنعاء، رافضين كل دعوات التهدئة بعيدا عن منطق الطائفة والمصالح الفئوية الضيقة.
وبينما وضع المغرب ثقله السياسي والعسكري دعما للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، خالف النظام الجزائري الإجماع، ليفتح ثغرة أخرى في الجدار العربي الذي تعتريه الثقوب، ليفتح جبهة خلافات جديدة في وقت يحتاج فيه الوضع العربي إلى وحدة الصفّ والكلمة.
التدخل العسكري ضد الحوثيين ضرورة لحماية الأمن القومي العربي
|
منذ أن بدأت السعودية عملية عاصفة الحزم العسكرية ضدّ مليشيا الحوثي، وضع المغرب قواته الجوية المنتشرة في دولة الإمارات تحت تصرف التحالف من أجل دعم الشرعية في اليمن.
وأكد لاحقا خلال القمة العربية التي اختتمت أعمالها مؤخرا بمنتجع شرم الشيخ في مصر، دعمه لمشروع القوّة العربية المشتركة.
وقال وزير الخارجية المغربي، إن بلاده جزء من الوطن العربي وتربطها علاقات تاريخية وثقافية بمحيطها العربي، وعليه فإن استقرار اليمن من استقرار المنطقة العربية كلّها.
وأضاف أن القوة العربية لن تسمح لأي كائن بالانقضاض على الشرعية، ومحاولة فرض الأمر الواقع، مضيفا “علينا أن نركز على القوة العربية المشتركة التي طرحها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لأنها تجيب على تطورات جديدة داخل الوطن العربي والتهديدات التي تواجهه”. وأشار إلى أن المغرب منفتح على هذا المقترح مع التركيز على تحديد الإطار وكيفية التدخل عندما تكون هناك حاجة إلى ذلك.
وأوضح الوزير المغربي أن مشاركة بلاده في “عاصفة الحزم” لم تكن الأولى من نوعها، بل إن المغرب شارك في محطات عربية أخرى، وقال “المغرب كان دائما حاضرا في القضايا العربية الأساسية، وخصوصا عندما يكون الأمن العربي مهددا”.
ويأتي الموقف المغربي، على خلاف الموقف الجزائري من عملية “عاصفة الحزم”، متناغما مع الإجماع العربي على ضرورة دعم الشرعية في اليمن، ودرء المخاطر التي باتت تمثلها مليشيا الحوثي الشيعية التي توصف بأنها ذراع إيران العسكرية في المنطقة، على الأمن القومي العربي.
وأعلنت الرباط عن تضامنها الكامل مع التحالف العربي الذي قادته السعودية، وتأييدها للتحرك العسكري لتصحيح الوضع في اليمن والدفاع عن أمن الخليج الذي هو من أمن المغرب وأمن العرب.
وقال صلاح الدين مزوار “إن الكل يتفهم طبيعة الأزمة في اليمن ذلك أن هناك محاولة انقضاض على الشرعية وفرض الأمر الواقع، لذلك فإن التدخل العسكري كان لابد منه لأنه كان هناك تهديد لدولة عربية كبيرة هي السعودية”.
المغرب جزء من الوطن العربي وتربطه علاقات تاريخية وثقافية بمحيطه العربي، واستقرار اليمن من استقرار المنطقة العربية كلها
وأضاف “من هذا المنطلق، المغرب عبر عن تضامنه الكامل والواضح للضربات التي وجهها الائتلاف الداعم للشرعية في اليمن. كمـا أكـد انخـراطه ودعمـه الكامل للتحـالف العربي سياسيا وعسكريا وأمنيا ولوجستيا”.
وتابع في تصريحات متفرقة لوسائل الإعلام المحلية ولصحف مصرية “عندما تنطلق عمليات من هذا النوع يمكن أن تستمر حتى ترجع الأمور إلى نصابها ويبقى الهدف الأول هو الحوار بين الفرقاء والحل السياسي، فدون الحل السياسي لا يمكن إقامة مؤسسات واستقرار في اليمن”.
موقف كل أطراف التحالف والمجموعة العربية واضح في هذا المجال وهو أن هناك استقواء يجب القضاء عليه وعلى العنف والسماح لليمنيين بأن يسيروا في مسارهم انطلاقا من مخرجات الحوار الأخير. واعتبر وزير الخارجية المغربي أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، هو تحالف إقليمي لمواجهة وضع معين.
وأشار ضمنا إلى معارضة الجزائر للتدخل العسكري العربي في اليمن، الذي تقوده السعودية وقال “على العرب أن يأخذوا العبرة والدروس وأن مبادرة تشكيل قوّة عربية مشتركة أمر ملّح وقد انخرطت فيها معظم الدول العربية ويمكن أن تشكل قاعدة إذا كان هناك توافق بين الأطراف كلها”.
نرفض التدخل العسكري ونراهن على الحوار بين الفرقاء اليمنيين
|
على طرف نقيض، تقف الجزائر معارضة للتدخل العسكري العربي ضدّ الحوثيين في اليمن، كما تعارض مبادرة تشكيل قوّة عربية مشتركة للتدخل السريع عندما تستدعي الضرورة ذلك، خاصة عندما يكون الأمن القومي العربي مهددا على غرار التهديد الذي شكلته مليشيا الحوثي الشيعية التي أدخلت اليمنيين في صراعات طائفية منذ أن استولت على الحكم بقوّة السلاح، واتجاهها لفرض منطق المذهب على منطق الوطن الجامع.
وإذا كان النظام السوري أعلن رفضه للتدخل العسكري العربي ضدّ المليشيا الطائفية في اليمن، فإن رفضه مفهوم لاعتبارات مذهبية، أما الرفض الجزائري فيطرح أكثر من نقطة استفهام.
ويقول وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، إن لدى بلاده موقفا سياسيا واضحا في هذا الشأن وهو عدم المشاركة في أي قتال خارج أراضيها.
وقال “إن الجزائر ترفض المشاركة في عملية عاصفة الحزم ولديها موقف سياسي وهو أن جيشها يحارب داخل أراضيها فقط”، مضيفا أن “الحوثيين هم طرف أساسي في المعادلة السياسية اليمنية، لذلك فإن الجزائر تركز على ضرورة إجراء حوار سياسي”.
وأشار الوزير الجزائري إلى أن بلاده اعتادت أن تقدم الحلّ السياسي على التدخل العسكري، لكن الحلّ السياسي يحتاج بالضرورة إلى أرضية توافق وإلى منطلقات واقعية.
وقد لا ينفع منطق الحوار عندما يعلو رصاص الطائفية على منطق الدولة والمصلحة الوطنية العليا تماما كما فعل الحوثيون الذين رفعوا السلاح في وجه الشرعية، وقلبوا نظام الحكم وفق أجندة خارجية أساسها التمدد الطائفي.
وقال وزير الخارجية الجزائري في الاجتماع التحضيري للقمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ “نحن دائما وأبدا نعتقد أنه لا بديل عن الحوار، فالحل السلمي مطلوب ولا بديل عن لم الشمل وفتح آفاق جديدة في ظل الديمقراطية وتحقيق الوئام والحوار بين كافة الفرقاء اليمنيين وجعلهم صفا واحدا في مواجهة الإرهاب”.
وللجزائر على ما يبدو رأي آخر يخالف الإجماع العربي ويتجاهل التهديد الذي تمثله مليشيا الحوثي الشيعية للأمن القومي العربي، ويكفي أنها رفضت الحوار مرارا واختارت السلاح بديلا عن التوافق.
الجزائر ترفض المشاركة في عملية عاصفة الحزم ولديها موقف سياسي وهو أن جيشها يحارب داخل أراضيها فقط
وقـال رمطان لعمـامرة “الجـزائر لن تسمح بمشـاركة وحـدات من جيشهـا الـوطني الشعبي في مهام قتالية خارج حدودها. نحن نقدر الاقتراح المصري لمثل هذه الأفكار خدمة للعمل العربي المشترك وللأمن القومي العربي، وفي نفس الوقت نعتقد أنه لا بـد أن نستفيـد من تجربة غيرنا”.
وتابع “أنا أعتقد أنه أولا وقبل كل شيء يجب أن تكون كل حلقة من الحلقات المكونة لهذه المنظومة (قوة عربية مشتركة) قوية ومتماسكة وبالتالي لابد من التركيز على الأمن والاستقرار وترتيب البيت العربي”. وأضاف أن هناك “إجراءات وقائية يجب أن تتخذ في كل بلد من البلدان، ولا بد من بناء مجتمع متسامح ومتكامل تسوده العدالة الاجتماعية لمختلف فئات المجتمع وتكثيف الجهود الرامية إلى إيجاد الحلول السلمية للمشاكل القائمة”.
ورأى الوزير الجزائري أنه “إذا تعذرت كل هذه الأمور والوسائل على المساعدة في الحل، فلا بد من التفكير في استغلال ما لدينا من وسائل متوفرة في ميثاق الجامعة العربية والأمم المتحدة كقوات حفظ السلام، وهناك إمكانية للدول التي تسمح دساتيرها بالعمل في هذا الإطار”.
وشدّد على أن الجزائر لن تسمح لجيشها بالقتال خارج حدود الوطن، ولكن يمكن أن تكون لها مساهمات لوجستية دون أن تشارك بوحدات قتالية.
واعتبر وزير الخارجية الجزائري أن اليمن لديه من المؤهلات ما يجعله جاهزا لبناء السلام الداخلي وجعله مصدر استقرار للمنطقة التي ينتمي إليها، معربا عن أمله في أن تتوقف المواجهة وأن يتعاون الجميع من أجل الحوار تحت مظلة الأمم المتحدة وتلبية نداء الدول الخليجية التي دعت إلى الحوار الذي أبدت السعودية استعدادها لاستضافته.
ميليشيا الحوثي حركة دينية يمنية المنشأ طائفية الهوف
|
دبي (الإمارات)- ميليشيا الحوثي التي استولت على الحكم في اليمن بقوة السلاح، واستدعى انقلابها على الشرعية وجرائمها بحق اليمنيين تدخلا عسكريا عربيا، هي في الأصل حركة دينية اجتماعية مسلحة نشأت عام 1992 بمنطقة صعدة الجبلية شمال غرب اليمن، وأطلقت على نفسها اسم “أنصار الله” على غرار ميليشيا “حزب الله” في لبنان.
أسسها حسين الحوثي الذي قتل في 2004 ووالده المرشد الروحي للحركة بدرالدين الحوثي، وخاضت ست حروب مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، استمرت حتى 2010، لكن صالح عدوّ الأمس أصبح اليوم بعد التطورات التي شهدها اليمن حليفها الرئيسي، ويعدّ، حسب مصادر يمنية وعربية، القوة الحقيقية خلف صعودها المثير منذ 2014.
ونشأت ميليشيا أنصار الله في بدايتها كحركة دينية اجتماعية تنتمي إلى الطائفة الزيدية الشيعية، والتي يشكل أتباعها أغلبية في شمال اليمن وأكثر من ثلث سكان البلاد، إلا أنها متهمة بالتقارب عقائديا مع المذهب الشيعي الاثني عشري الذي يسود في إيران والعراق ولبنان، وذلك مع حصولها على رعاية من إيران.
في العام الماضي بدأ الحوثيون حملة توسعية وسيطروا على معظم معاقل نفوذ القوى التقليدية في شمال اليمن،خاصّة آل الأحمر زعماء قبائل حاشد النافذة، وسيطروا على صنعاء في 21 سبتمبر الماضي، مستفيدين من عدم مقاومة الجيش الموالي بنسبة كبيرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
كما سيطروا على دار الرئاسة في يناير الماضي، وحلّوا البرلمان ومؤسسات الدولة في الشهر التالي وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي قبل أن يتمكن من الفرار إلى مدينة عدن الجنوبية وإعلانها عاصمة مؤقتة. وجاء التدخل العسكري الذي تقوده السعودية، في وقت كان فيه الحوثيون قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على عدن معقل الرئيس هادي، ولو تمكنوا من ذلك لكان نصرا لإيران التي دعمتهم بالمال والسلاح.
ويختلف المراقبون حول مدى ارتباط الحوثيين بإيران التي تنفي دائما دعمها لهذه المليشيا الطائفية التي تمددت من صعدة إلى العاصمة صنعاء، فثمة من يرى فيهم ذراعا عسكرية لطهران في المنطقة وشوكة في خاصرة السعودية، وثمة من يعتقد أنهم مجرد حركة دينية هيأ لها مناخ التوترات الأمنية والدعم القويّ من الرئيس السابق، ظروف التغول والتمدد.
ميليشيا الحوثي خاضت 6 حروب ضد نظام عبدالله صالح، لكن عدو الأمس أصبح بعد التطورات الأخيرة حليفا رئيسيا
ومع سحب الدول الكبرى ودول الخليج سفاراتها من صنعاء، رد الحوثيون على العزلة الدولية بفتح جسر جوي مباشر مع إيران التي تعهدت بدورها بتأمين الوقود لمناطقهم وبناء محطات كهرباء، فضلا عن دعمهم في التصريحات الرسمية بوصف جرائمهم وانقلابهم على الشرعية بـ”ثورة شعبية” يمنية داخلية.
وتعيد الظاهرة الحوثية أشباح ماضي الإمامة الزيدية مع تاكيد آل الحوثي انتمائهم إلى آل البيت وانتسابهم إلى إرث أئمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال ألف عام تقريبا حتى العام 1962 حين أطاحت بالإمام البدر ثورة تهيمن عليها شخصيات سنّية. واستمر الصراع في السبعينات بين أنصار الزيدية والسنّة.
ويتهم الحوثيون من قبل خصومهم عموما بالسعي إلى عودة الإمامة الزيدية، ولو أن ذلك لا يشكل جزءا من خطابهم السياسي المرتكز على تمكين “إرادة الشعب” و”محاربة الفساد والمفسدين” ومحاربة ما يسمونه “التطرف السنّي”.
وكان يعتقد في السابق أن حملتهم العسكرية في الشمال عام 2014 تهدف الى ضمان أكبر قدر من الأراضي لهم في اليمن الاتحادي الذي يفترض أن ينشأ بموجب قرارات الحوار الوطني، إلا أن تمددهم إلى سائر أنحاء البلاد عزز المخاوف من سعيهم للسيطرة على سائر البلاد بما يصب خصوصا في مصلحة حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ما زال لاعبا كبيرا في السياسة اليمنية.