كاتب السيناريو السوري محمد خير الحلبي: دمشق خزان حكايات

دمشق- العرب- مع كل موسم درامي يتجدد موعد الشاشات العربية مع عدد من أعمال "البيئة الشامية"، التي لاقت حفاوة منقطعة النظير لدى المشاهد العربي. ويعتبر مسلسل "قمر الشام"، الذي تعرضه حالياً قناة (ام.بي.سي)، من أهم هذه الأعمال التي تابعها الجمهور العربي هذه السنة.
يحدثنا الأديب والسينارست محمد خير الحلبي عن بدايات انشغاله بالكتابة الدرامية، قادماً إليها من عالمه الشعري، فيقول: "الكتابة عالمي، أنا كائن كتابي، كائن شعري، حدث هذا مع بداية وعيي وأول تعلمي ومفهمتي للكلام.
الثورة وسلطة الصورة
عن دوافعه بأن يكون أول عمل درامي يكتبه هو من نوع ما يسمى "دراما بيئة شامية" والذي حمل اسم (قمر شام)، يجيب: "يخطئ من يظن أن الأثر الكلامي يمكن بلوغه غايته، ما لم تحمله وسيلة انتشار، وكلما كان الخطاب أكثر عمقاً كلما كانت حاجته إلى الانتشار أكثر سطوعاً.
صحيح أن الكتاب يبقى طويلاً، وهذه قدسيته ومفارقته عن الشاشات، لكن الوصول الذي تؤديه الدراما يغفر لك هذا الانتحاء بهدفك. هذا جزء أساس من أهداف كتابتي لمسلسل "قمر الشام". واختياري الكتابة بالبيئة أي بالملمح الدمشقي للقص، ينبع من الخصوبة والغنى الذي تتمتع به هذه المدينة العميقة في الزمان والجميلة بالمكان من قوى القص، لأنها لم تتوقف فيها الحياة طيلة آلاف السنين، فهي بذلك خزان غني وممتلئ وقادر دائماً على مد خيالنا بالحكايات.
أما الذي أردت قوله في هذا العمل الذي يأتي والثورة السورية تدخل عامها الثالث، فهو أنه وكما تعلمون فإن الرواية الدرامية تحتاج إلى عناصر رئيسية قوية وقادرة على جعلها نابضة بالحياة وفي عصر مثل هذا الذي نعيشه عصر بدت فيه سلطة الصورة أقوى من أي صورة أخرى بخاصة تلك التي تشتغل على السيطرة على بناء خيال المتلقي فقد استطاعت بعض الأفلام والأعمال الدرامية أن تشكل رأياً وذوقاً أقرب ما يكون إلى القبول بالموت والتمتع بالجريمة..
لذا أردت من "قمر الشام" أن يكون أول خطواتي في مشروعي القادم نحو الاشتغال على تقويض هذه الظاهرة الشريرة ودعم نشوء نوع من الجمال يقدر على مواجهتها.. وفي الثورة السورية أظهرت الصورة أثراً بالغاً في تغيير طبيعة تلقي الناس لمأساتنا.. وأدعي أنا أن أجهزة استخبارية عملت بمنهجية على تشويه نبل إنساننا.. ونجحت في إشعال نار لم تكن سورية المنشأ على الإطلاق..
إذن فأنا أردت من "قمر الشام" أن يبين كيف يمكن للشر أن ينتشر متسللاً بين الناس نتيجة ضعف أو حاجة أو جهل.. وكيف يمكن للقوي النبيل ابن البلد أن يواجه هذا إذا ما كان قريباً من أهله وشعبه.. وثمة رسالات أخرى كثيرة حملتها الشخصيات في طياتها أعتقد أنها وصلت إلى جمهورها بأحسن وسيلة.
المسلسل ونجومه
وعن الإضافة التي تضفيها مشاركة نجوم كبار أمثال الفنانة القديرة منى واصف والنجم بسام كوسا والفنان فايز قزق للعمل، ورأيه بما قدمه المخرج مروان بركات وهل كان أميناً على ما كتب على الورق؟ يقول الحلبي: "معلوم أن نجوم بهذا الوزن وهذه القامات في الدراما العربية لاتشتغل أعمالاً لا تحمل في دواخلها ما يضيف وما هو ثمين ويستحق.
أما بالنسبة إلى المخرج مروان بركات، فهو الشخصية الأساسية في ظهور هذا النص وانتشاره وإعطائه حقه في الحياة. والحق أنه لم يدخر جهداً في أن يمنح اللحظة الفنية الجمالية حضورها الذي تستحق. إن جميع من شاركني هذا العمل من فنيين وفنانين وإداريين يستحقون أجمل التقدير وأعظم المحبة.
ويؤكد الحلبي أن الرقابة السورية لم تتدخل في النص أبداً، وأنه بلغ الرسالة كما يريد لها أن تصل. مؤكداً أن عمله لاقى النجاح الذي توقعه له. مضيفاً: "لو لم تكن الظروف التي تعيشها بلادنا بهذا البؤس وهذه المأساوية، لكان لشعبنا كلام آخر يمكن أن يغنينا عن الإجابة عن أي أسئلة تطرح حول مدى نجاح هذا العمل.
ويبين الحلبي أنه من الممكن أن يكون هناك جزء ثان من "قمر الشام"، ذلك أن النص في بنيته الروائية مشغول لأن يكون طويلاً بما يتجاوز الأجزاء الثلاثة، مشيراً إلى أنه حتى اليوم لم تتم مناقشة مثل هذا الطرح.
المعيش التاريخي يصفُ محمد خير الحلبي روايته التلفزيونية الأولى "قمر الشام" بأنها: "رواية مثل الخيال ما عاش مثلها أحد، ولا سمعت بمثلها اُذن بشر، جرت بالشام وشهدت عليها مياه النهر، وحيطان الدكاكين وشبابيك البيوت، والزقايق والقنوات والسماء والأرض، ومن كثرة ما فيها من عجائب صارت من الأمثال، وصارت حواديتها عبرة لكل من يريد أن يعتبر.." ولا تستند هذه الرواية إلى إطار زمني محدد، لكنها تستعير من الشام مفرداتها، وشخوصها، وأسماء حاراتها، وتتخذ من ضفاف نهر بردى، وعين الكرش، مسرحاً لحدث محوري سيكون له تأثيره البارز على الأحداث الأخرى". *** الأديب والسينارست محمد خير الحلبي من مواليد دمشق 1963. صدر له عن وزارة الثقافة في دمشق ديوان شعر بعنوان"عرشها ماء" عام 1995. نشر الفصل الأول من روايته "أحلام ابن صديقة أبي"، وله تحت الطبع الرواية بفصولها الثلاثة، ومجموعتان شعريتان هما: "بلاد يرتبها الغرباء"، و"أحد سواي". أسس "جائزة دمشق القديمة للإبداع" عام 2002. وترأس الهيئة الإدارية لمنتدى الأربعاء الثقافي في دمشق (1999 – 2003).
مسلسل "قمر الشام"
نص: محمد خير الحلبي – إخراج: مروان بركات – شركة الإنتاج: "غولدين لاين". من بطولة: بسام كوسا، منى واصف، رفيق سبيعي، عبد الرحمن آل رشي، فايز قزق، سليم كلاس، محمد قنوع، معتصم نهار، ديمة قندلفت، هبة نور، وكثر آخرون.
ورداً على ما كتبه الزميل خطيب بدلة من نقد حول العمل وتحديداً قوله: "إن الموجب الدرامي الحقيقي لإنتاج عمل تدور أحداثه في الماضي هو وجود قصة تاريخية تحمل إمكانية الإسقاط على الحاضر، من أجل أن يشتغل خيال المتفرج في استلهام واستنباط المُثُل والعِبَر والحِكَم التي يمكن أن يستفاد منها في الحاضر والمستقبل.. من هنا ينتصب السؤال أمامنا جلياً، واضحاً وهو: ما هو الموجبُ لإنتاج عمل تلفزيوني طويل (ثلاثيني) لا تتوفر فيه هذه الثيمة التاريخية أو قابلية الإسقاط على الحاضر؟". يقول الحلبي: "الأديب والدرامي خطيب بدلة رجل له مكانته في ذاكرتي وهو كاتب جيد، لكن ما بنى عليه هذه النتيجة يصلح للعمل التاريخي.
أنا عملي ليس تاريخياً، أنا اشتغل على حكاية معيشة محمولة على البيئة الدمشقية وهذا أحد خططي في كل أعمالي، أي أن تكون دمشق هي خزان حكاياتي أي المكان الذي اُسقط عليه حكاياتي مادامت هذه المدينة حية منذ قديم الأزمنة فهي حية في الآن والأمس والبرهة الجمالية الشامية هي حقيقة جوهر اشتغالي. وأنا مؤمن بقدرتها على إمتاع وجذب بل حتى وأسر متلقيها. وقد قلت في حوارات سابقة أني لا أعمل بيئة تاريخية لكني استثمر البيئة لقول ما أريد درامياً، لذا لا أعتقد أن ما قاله الأستاذ بدلة يقع في خانة مشروعي.
خيانة الدراما
وحول ما إذا كانت الدراما السورية في الموسميين الماضيين (2012 و2013) قد استطاعت تصوير مرارة وقسوة المشهد الذي يعيشه السوريون منذ آذار/ مارس 2011، وكيف يقيم مسلسلات هذا الموسم وتحديداً التي سعت إلى محاكاة الأزمة السورية، منقسمة بين "دراما موالاة" و"دراما معارضة".
لكن وقد حدث هذا الانقسام تجاه هذه الثورة المباركة، فأنا أعتقد أن الذين اشتغلوا في الدراما عبروا عن مواقفهم أكثر مما عبروا عن حقيقة صراعنا ومنطق ثورتنا والبؤس الذي نالنا جراء الظلم الذي لحق بنا منذ الشهور الأولى للثورة من هذا النظام. لكن والأمر انتهى إلى ما انتهى إليه، فأنا ممن يؤمنون بأن الفن إنما هو من أجل الشعوب لا من أجل الأنظمة والأحزاب.
وفي نهاية حواري معكم أقول لكل السوريين وهم يعيشون تفاصيل هذه المحنة وهم أهلي وشعبي وروحي. لا تتركوا أيدي بعضكم البعض، ولا تقبلوا القسمة على هذا الفريق أو ذاك ونحن في أتون النار، فلا دافع لنا للحياة سوى الصبر وشحن الأرواح بالمحبة.