بصمات عمانية في تاريخ منطقة البحيرات العظمى الأفريقية

الاثنين 2014/12/15
المؤتمر سلط الضوء على تاريخ العلاقات بين عمان ودول البحيرات العظمى

بوجمبورا (بوروندي) - “الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية” عنوان المؤتمر الدولي الثالث الذي نظمته هيئة الوثائق والمحفوظات العمانية بالتعاون مع المكتب الوسيط وجامعة بوروندي وجامعة السلام والتصالح في العاصمة بوجومبورا خلال الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر الجاري.

افتتحت فعاليات المؤتمر تحت رعاية الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا وبحضور ممثل حكومة سلطنة عمان في المؤتمر الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وعدد كبير من الباحثين من السلطنة وبوروندي ومن مختلف دول العالم. وقدم خلال المؤتمر حوالي 50 بحثا في محاولة لسبر الدور العماني في منطقة البحيرات العظمى من جوانب ثقافية وحضارية واقتصادية واجتماعية.

خلال الجلسة الأولى من الندوة قدمت خمس أوراق عمل استهلها أحمد بن سعود السيابي أمين عام مكتب الإفتاء بعنوان “الإسلام في مناطق البحيرات العظمى”، حيث اعتمد مدخلا جغرافيا لتحديد مصطلح منطقة البحيرات العظمى التي تشمل: تنزانيا، وأوغندا، ورواندا، وبروندي، والكونغو، وزامبيا، وزمبابوي التي سميت بالبحيرات العظمى والبحيرات الوسطى لأنها تتوسط القارة الأفريقية، وتفصل بين شرق أفريقيا وغربها.

وأكد السيابي أن الإسلام وصل مناطق البحيرات العظمى في عهد السلطان سعيد بن سلطان، بعد أن كان الإسلام محصورا في المناطق الساحلية من شرق أفريقيا التي وصلها الإسلام في عهده الأول في القرن الأول هجري بواسطة العمانيين، وكان ذلك على أيدي التجار العمانيين الذين قاموا بتسيير القوافل التجارية عبر المسار الشمالي الذي ينطلق من مدينة ممباسا في كينيا إلى المناطق الشرقية لأوغندا، والمسار الأوسط الذي ينطلق من الأماكن المقابلة لجزيرة زنجبار وهي: تالغا وبنغاني وباغامويو، ويتجه هذا المسار إلى منطقة تبورة التي كانت تعتبر المحطة الأولى للقوافل التجارية العمانية، ومن تبورة تتجه القوافل شمالاً إلى جنوب أوغندا وإلى رواندا وبروندي، وتتجه جنوباً إلى الكونغو وزامبيا وزمباوي عبر منطقة الوجيجي وعبر بحيرة تنجنيقا، وهذا المسار هو الأكثر فاعلية وتأثيرا.

الإسلام لم يدخل شرق أفريقيا قبل القرن 19، عندها أصبحت المنطقة الساحلية جزءا من الإمبراطورية العمانية

وتتبع السيابي هذه المسارات والتأثير الذي أحدثه دخول الإسلام إلى هذه المناطق والدور الحضاري العماني الذي تمثل في التخطيط العمراني والازدهار التجاري ودخول السلام إلى المنطقة.

من جانبه قدم تيموثي انسول أستاذ علم الآثار في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة ورقة بعنوان “وجهات نظر أثرية حول العلاقات بين الساحل الأفريقي الشرقي ومنطقة البحيرات العظمى/القرن الأفريقي الشرقي.1200-1900 ميلادية”، وحسب الباحث فإن أول الاكتشافات والدلائل الأثرية تظهر وجود علاقات تربط بين منطقة الساحل الأفريقي الشرقي وبين منطقة الداخل الشرقي ترجع إلى سنة 1200 ميلادية وما بعدها. كما تعود جذور الشبكات التجارية الداخلية التي وفرت المواد المتبادلة بين هذه المناطق إلى تقاليد محلية انتشرت منذ العصر الحديدي وتواصلت إلى غاية القرن التاسع عشر، عندما جاء المسلمون العرب والتجار السواحليون وسبروا أغوار مناطق أفريقيا الشرقية والوسطى. وناقش الباحث العديد من الشواهد التاريخية، مؤكدا قدرة علم الآثار على إعادة رسم ملامح العلاقات بين الساحل الأفريقي الشرقي ومنطقة البحيرات العظمى.

وفي ورقة أخرى قدم إبراهيم عبدالمجيد محمد أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنصورة ورقة بعنوان “العمانيون وانتشار الإسلام في أوغندا في القرن التاسع عشر”، حيث قال إن الإسلام لم يدخل إلى المناطق الداخلية في شرق أفريقيا قبل القرن التاسع عشر، عندها أصبحت المنطقة الساحلية جزءا من الإمبراطورية العمانية، حيث اتخذ السلطان سعيد بن سلطان جزيرة زنجبار مقرا له وعاصمة لإمبراطوريته، وبعد أن وطد العمانيون أركان حكمهم ووسعوا رقعة نفوذهم لتشمل جميع الأراضي الساحلية سعوا إلى تقوية العلاقات التجارية مع المناطق الداخلية، وهو ما أدى إلى إرسال بعثات تجارية إلى الداخل منذ ثلاثينات وأربعينات القرن التاسع عشر.

رافق المؤتمر معرض لوثائق تاريخية حول المنطقة وعلامات الوجود العماني فيها

وكان التجار العرب يتوغلون إلى داخل القارة، وقد شهدت فترة البوسعيديين في هذه المنطقة مرحلة مهمة من مراحل انتشار الإسلام في شرق أفريقيا.

وقدم سفيان بو حديبة أستاذ علم السكان في جامعة تونس ورقة حملت عنوان “الأخطارالتي تعرض لها الرواد العمانيون في دول البحيرات العظمى الأفريقية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر”، وتحدث عن قافلة سعيد بن حبيب الخفيف التي خرجت من زنجبار سنة 1845، واخترقت الغابات إلى أن وصلت إلى مدينة بنقالا في أبريل 1852. كما عبر الرَائد العماني عبدالسَلام بحيرة تنجانيقا لاكتشاف مدينة أجيجي.

يذكر أن المؤتمر احتوى معرضا مصاحبا قدم وثائق تعود إلى قرون خلت، وصورا ومقالات من صحف قديمة، ومن أبرز المعروضات مخطوط “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار” لأبي العباس شهاب الدين حمد بن يحيى فضل الله الذي يعود إلى عام 1408م، ومخطوط من بصيرة الأحكام لأبي محمد عثمان بن أبي عبدالله الأصم ويعود إلى عام 1732.

وإذا تحرك الزائر في المعرض فإنه سيجد مقالا من جريدة أميركية عن وفاة السلطان حمد بن ثويني، وعن أوضاع زنجبار، يعود تاريخه إلى 26 سبتمبر 1896.

ومقال آخر مدعما بالصور في مجلة آسيا حول تجارة القرنفل في زنجبار، يعود إلى نوفمبرعام 1932، وورقة من جريدة فرنسية توضح استقبال السلطان برغش بن سعيد لدى وصوله إلى فرنسا في 24 يوليو 1875، فضلا عن العديد من الخرائط التي توضح انتشارالإسلام في شرق أفريقيا، ووفق ما تكشفه الوثائق كان اهتمام سلاطين الدولة البوسعيدية بقراءة المجلات والصحف كبيرا.

12