فواز تللو: الأزمة السورية لا تحل سياسيا بشروط مؤتمرات جنيف

بينما سقط أكثر من مئتي ألف قتيل في سوريا إلى حد الآن، لا يزال الحديث عن حلول سياسية للصراع الدائر يشغل حيزا رئيسيا من المناقشات والجهود الرامية لحلحلته، غير أن المعارض السوري فواز تللو، أكد في حوار مع “العرب” أن تلك الحلول المطروحة “ليست سوى استهلاك للوقت”، وأن الحل يبدأ من استبعاد قادة النظام السوري الحالي.
قال المعارض السوري فواز تللو إن تنظيم الدولة الإسلامية كان يحتل المناطق المحررة وقليلا ما يصطدم مع النظام، كما أن الموارد التسليحية للمعارضة محدودة بينما يتمتع تنظيم الدولة الإسلامية بميزة عن المعارضة، تتمثل في استيلائه على مناطق نفطية تمتد إلى داخل العراق، بالإضافة إلى الموارد المالية والعمق الاستراتيجي الجغرافي، وهو ما يفتقده الثوار.
وأوضح تللو أن “داعش خطر على الجميع”، لكن “ليست هناك من استراتيجية عربية أو إقليمية واحدة لطريقة مكافحة داعش، فكل بلد مندفع لقتال التنظيم وفق أهداف خاصة به.
بعض العرب يرون أن حرب داعش ستساعد الثورة السورية، وبعضهم يرى في ذلك فرصة للقضاء على حركات الإسلام السياسي. والبعض الآخر كإدارة أوباما وحلفائها الأوروبيين ينوون غالبا توسيع ضرباتهم لتشمل قوى يصنفونها بالإرهابية على الأرض السورية على غرار جبهة النصرة والجبهة الإسلامية وأجناد الشام وتنظيمات أخرى، وسيكون الهدف الحقيقي هنا (وتحت عنوان ضرب الإرهاب) إضعاف أي جهة ثورية سورية تعيق مشروع التسوية مع النظام عبر مؤتمر جنيف أو غيره من المبادرات التي تسعى إدارة أوباما لفرضها بغرض امتصاص الثورة وإعادة إنتاج النظام الطائفي في سوريا (مع أو دون بشار أسد).
تأخير انتصار الثورة السورية يمكن ملاحظة انعكاساته في تمدد النفوذ الإيراني
أما إيران والحكومة العراقية الطائفية التابعة لها في العراق، تعتبر ان الحرب على الإرهاب فرصة لضرب أي مقاومة عراقية “سنية” لها وليس ضرب داعش فقط، أما الأكراد العراقيون فيرونها فرصة لتثبيت الحدود الجديدة لدولتهم (القائمة عمليا مع وقف التنفيذ) والتي وسعوها مستغلين فرصة تقدم داعش وانهيار القوات الطائفية للحكومة العراقية لتشمل كركوك وشمال الموصل وأجزاء من ديالى ناهيك عن الاعتراف السياسي الذي سيحصلون عليه باعتبارهم شريكا مستقلا عن الحكومة العراقية، كشريك في الحرب على الإرهاب.
حول المدة المتوقعة للخلاص من “داعش”، قال تللو إن “أوباما سرّب عبر صحيفة أميركية أن الحرب ستمتد لثلاث سنوات (أي بعد مغادرة أوباما السلطة)، مما يؤكد أن الأمر يعد بمثابة خطة غير معلنة معدة مسبقا تحت حجة ضرب تنظيم داعش، الذي لا تحتاج محاربته عمليا إلا أشهرا لإنهائه بضربات جوية مكثفة كأقصى حد”.
وأوضح المعارض السوري أنه عندما يراد الخلاص من داعش والقاعدة بسرعة وبشكل حقيقي يجب الدخول في شراكة حقيقية مع القوى السنية الثائرة في العراق وسوريا لا تهميشها والتحالف مع أعدائها الطائفيين، مما سيعني حتما تغيير المقاربات الدولية في التعامل مع الثورات، وهو ما يرفضه الأميركيون الذين يبنون حلفا إقليميا مع إيران منذ تسلم أوباما السلطة ويمنعون عمليا إسقاط النظام الطائفي السوري عبر منع الحلفاء من تسليح الثورة.
|
وحول مدى إمكانية أن تتخلى إيران عن بشار الأسد كتخليها عن نوري المالكي في العراق، أوضح تللو أن الوضع بسوريا مختلف عن العراق، فإيران لن تتخلى عن بشار الأسد وما يشاع بهذا الخصوص يساهم فيه مع الأسف بعض المعارضة، لتبرير تفاوضهم مع النظام أو فتحهم خطوط الاتصال مع إيران.
وأقصى ما يمكن أن يطرح هو تقليص شكلي لصلاحياته يبقي عمليا كل الخيوط بيده خوفا من انهيار النظام الطائفي، والفرق الوحيد هنا مع الطرح الأميركي أن الأميركيين يريدون ذلك لفترة محدودة بانتظار تجهيز قيادة “علوية” جديدة.
المواقف الدولية
بشأن المواقف الدولية، وما إذا كان هناك إرادة حقيقية لحل الأزمة أم أن المجتمع الدولي اختار خيار “استمرار الأزمة” بما يخدم مصالحه؟، قال تللو: “حتى أكون دقيقا لا يوجد موقف دولي واحد، وفي المقابل فإن السعودية وقطر وتركيا وبعض العرب والأوروبيين مؤيدون للثورة السورية وراغبون بوصولها إلى أهدافها، فرنسا مستعدة لفعل إيجابي إن وجد التوافق الدولي.
أما إدارة أوباما فترغب في إبقاء الصراع مفتوحا بانتظار تحقيق النظام السوري للانتصار العسكري أو قلب موازين القوة لصالحه مع إضعاف المعارضة العسكرية لتصبح جاهزة لتقبل الجلوس مع النظام لتمرير التسوية التي تحافظ على بنية النظام الطائفية.
واستطرد المتحدث قائلا إن ما يطرحه قد يبدو غريبا للبعض، لكنه عمليا جوهر ما يجري من تسويف في دعم المعارضة وتسليحها من جهة، وغض النظر عن تسليح النظام من قبل حلفائه وتعزيزه بعشرات آلاف الإرهابيين الطائفيين من العراق ولبنان واليمن من جهة أخرى، وكل ذلك بانتظار (إدارة أوباما) لحظة التعب في المعركة بين النظام والمعارضة، لتمرر هذه الإدارة تسويتها التي تمثل جوهر مقررات مؤتمرات أصدقاء سوريا المتمثل في “تسليح المعارضة بأسلحة غير فتاكة”.
وبين المعارض السوري أن المبعوث الأممي الجديد بدأ مهمته خلال زيارة دمشق بتصريح يقول إن “الأولوية لمكافحة الإرهاب”، وفي هذا التقاء مع النظام، كما أنه لم يطرح أي خارطة طريق. ويعتقد تللو أن مهمة المبعوث الأممي ستكون تأمين استمرار المفاوضات ولو بشكل متقطع ومتعثر بانتظار لحظة “تعب الثورة والسوريين” فعندها فقط يمكن لإدارة أوباما وشركائها تمرير تسويتهم ومع تحريف مهمته تدريجيا ليصبح مدخل التسوية بناء شراكة بين النظام السوري وبعض من مقاتلي المعارضة لمحاربة الإرهاب.
الحسم الدولي يبدأ بممارسة الضغوط لإبعاد قادة نظام الأسد عن سوريا
حلحلة الأزمة
وبخصوص سبل تحقيق “الحل السياسي” في سوريا، أشار المعارض السوري إلى أن الحل السياسي وفق ما تم تعريفه حتى اللحظة عبر كافة المؤتمرات والمبادرات ليس إلا استهلاكا لوقت ثمين يدخل سوريا في نفق طويل وينشر الفوضى فيها وفي كل المنطقة.
وكل ما طرح من حلول يركز على نقطة “الحفاظ على مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية ومنتسبيها” وهي مؤسسات تسيطر عليها الأقلية العلوية بشكل شبه مطلق، وهو ما يتعارض تماما مع هدف الثورة الرئيسي بإسقاط النظام الطائفي ومؤسساته الأمنية والعسكرية، وهو الفخ الذي تركز عليه كل المفاوضات.
وتابع تللو أن الحل السياسي يعنى أولا إبعاد قادة النظام الحاليين ومن ثم التفاوض مع قادة آخرين مؤثرين في الطائفة العلوية بعد تحضير البيئة المناسبة والمتمثلة في الاعتراف بالثورة وشرعيتها ومن ثم خطوات متبادلة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح كافة المعتقلين ورفع الحصار وسحب الميليشيات الغريبة وفتح البلاد للإعلام العالمي.
ومن ثمة فقط تبدأ المفاوضات بين ممثلي النظام (أو الطائفة العلوية بشكل أدق) والقيادة العسكرية الحقيقية للثورة، لوضع برنامج مرحلة انتقالية ومؤتمر وطني برعاية دولية مع الاتفاق سلفا على مبدأ العدالة والتسامح معا، مع حفظ حقوق المتضررين وتعويضهم. وهنا يمكن الكلام عن محاصصة طائفية في أجهزة الدولة لمدة زمنية محددة (عشر سنوات على الأقل)، محاصصة تراعي التوزيع السكاني بما يطمئن الجميع. هذا هو الحل السياسي القابل للحياة وهو معقد حتما ويحتاج إرادة دولية وليس بهذا التبسيط الذي تم به تعريف الحل السياسي في جنيف.
|
إخوان سوريا
فيما يتعلق بـ “إخوان سوريا”، قال فواز تللو إن الإخوان حرصوا منذ بداية الثورة على التواجد في كل تنظيم معارض للسيطرة عليه عبر الدعم المادي وتسويق أنفسهم على أنهم الأكثر تمثيلا للأكثرية السنية في سوريا.
لكن في الحقيقة أن تأثيرهم في سوريا على الأرض ضعيف جدا ناهيك عن تراجع دورهم بعد توسيع الائتلاف الوطني قبل عام ونصف وهم الآن كما بدؤوا، باحثين عن موقع في أي حسم أو تسوية، لذلك تراهم يوزعون الأدوار والمواقع حتى لو تناقضت، فهذا يذهب إلى روسيا وذاك إلى جنيف والثالث إلى أوسلو ورابع للسعودية وخامس لقطر وسادس لتركيا وهكذا.
في النهاية حجم الإخوان المسلمين السوريين بحجم ما يمثله الائتلاف الوطني للسوريين وقبله المجلس الوطني، كانوا في البداية لاعبا رئيسيا في كل الأجسام المعارضة التي جرى تشكيلها ويتحملون بالتالي جزءا مهما من الفشل الذريع التي وصلت إليه الأزمة السورية.
في الشأن المطلوب من المجتمع الدولي لحسم الأوضاع في سوريا، أردف المعارض السوري قائلا إن المطلوب من السوريين قبل المجتمع الدولي توحيد العمل العسكري وإنتاج ممثل سياسي بالتعاون مع شرفاء المعارضة ليمثل الثورة الحقيقية بمساعدة الدول الداعمة لها.
ومن ثم على المجتمع الدولي إدراك وحسم أمره (وخاصة الأميركيين)، أن السوريين الذين قدموا كل هذه التضحيات لن يقبلوا بأقل من إسقاط النظام الطائفي بكل أركانه وتفكيك أجهزته الأمنية والعسكرية. وبمعنى أدق أن يدركوا أن تحالف الأقليات الذي حكم سوريا بالحديد والنار منذ نصف قرن بتأييد ودعم ودولي قد انتهى، وأن الأكثرية السنية المضطهدة تملك كل الحق في أن تحكم سوريا وستفعل ذلك وفق أي نظام ديمقراطي فهي الأكثرية المطلقة، لذلك وبدلا من المناورات لحرمان الأكثرية من حقها الطبيعي عليهم أن يركزوا على مساعدة هذه الأكثرية لبناء دولة مدنية ديمقراطية سيخسر فيها تحالف الأقليات امتيازاته لكن تتمتع كسائر السوريين بحقوق المواطنة الكاملة.
واستطرد أن هذا الحسم “الدولي” يبدأ بممارسة الضغوط لإبعاد قادة النظام عن سوريا ليبدأ الحل السياسي وتسليح الثورة وإسقاط النظام عسكريا من قبل المعارضة بالشراكة السياسية مع المجتمع الدولي.
إما أن تنتصر الثورة السورية وبسرعة أو تسقط المنطقة في صراع طويل
انتصار الثورة
يحمل فواز تللو مشروعا يعطي الشرعية لحق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه عبر المقاومة المسلحة إلى جانب العمل السلمي والسياسي بما يعطي الغطاء السياسي للجيش الحر مع العمل على تنظيمه، وكذلك العمل على إصلاح وإعادة هيكلة تشكيلات المعارضة.
وتابع المعارض السوري مبينا أن تأخير انتصار الثورة السورية يمكن ملاحظة انعكاساته في تمدد النفوذ الإيراني بتواطؤ مع إدارة أوباما التي عقدت عمليا حلفا استراتيجيا مع نظام طهران باتت ملامحه واضحة وعلى حساب العرب الذين يقبعون في وسط ثلاث قوى إقليمية متنافسة، إسرائيل وإيران وتركيا. فإما أن تنتصر الثورة السورية وبسرعة أو تسقط المنطقة في صراع طويل، وهي اليوم ليست معركة السوريين والعراقيين فقط بل هي معركة كل العرب.