أطفال يعيدون أطفالاً إلى المدرسة

في تيفلت المغربية، يقود تلاميذ حملة "من الطفل إلى الطفل" لإعادة زملائهم المنقطعين عن الدراسة بسبب الفقر والصعوبات التعليمية، لتستقبلهم مدارس "الفرصة الثانية" لتأهيلهم دراسياً ومهنياً. والمبادرة نجحت في تقليص التسرب المدرسي، وتبرز أهمية تمكين الشباب في إصلاح التعليم ومحاربة الفوارق الاجتماعية.
تيفلت (المغرب) - في ضواحي مدينة تيفلت، التي تقع على مشارف العاصمة الرباط، تتجلى قصة أمل تنسجها أنامل تلاميذ لم يتجاوزوا السادسة عشرة من أعمارهم، لكنهم أدركوا مبكرًا أن فقدان زميل أو صديق لمقاعد الدراسة لا يعني فقدانه للمستقبل. هكذا بدأت حكاية سعيد، وضحى، وهدى، تلاميذ إعدادية “جوهرة”، الذين يفتخرون اليوم بنجاحهم في إعادة ثمانية من زملائهم المنقطعين إلى فصول الدراسة، في إطار حملة وطنية تهدف إلى الحدّ من ظاهرة التسرّب المدرسي، التي تهدد سنويًا مستقبل قرابة 280 ألف طفل في المغرب.
والتسرّب المدرسي ليس مشكلة عابرة في المغرب، بل معضلة مزمنة تؤثر على بنية المجتمع واقتصاده. فوفقًا للبيانات الرسمية، ينقطع سنويًا حوالي 276 ألف تلميذ تحت سن 18، غالبيتهم في المرحلة الإعدادية، حيث تُسجَّل نحو 160 ألف حالة سنويًا. وتُعزى الأسباب في الغالب إلى الفقر، والهشاشة الاجتماعية، وصعوبات التعلم، كما يوضح مدير إعدادية “جوهرة”، سعيد تموح.
ولا يخفى أن نظام التعليم العمومي في المغرب يواجه تحديات أخرى، من بينها الاكتظاظ في الفصول الدراسية، وضعف البنية التحتية، وتفاوت الجودة بين المدارس العمومية والخاصة، رغم إطلاق العديد من برامج الإصلاح على مدار العقود الماضية. فحسب دراسة رسمية، تعزى 47.5 في المئة من حالات الفقر في المغرب إلى نقص التعليم، في بلد تصل فيه نسبة الأمية إلى نحو 25 في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم حوالي 37 مليون نسمة.
وفي هذا السياق، جاءت مبادرة “من الطفل إلى الطفل”، وهي حملة أطلقتها وزارة التربية الوطنية وتقوم على توظيف التلاميذ أنفسهم للتواصل مع أقرانهم المنقطعين ومحاولة إقناعهم بالعودة. وتحمل التلميذة ضحى الغزولي (15 عامًا) بفخر قبعتها التي تزيّنها عبارة الحملة، وتقول “الحمد لله استرجعنا ثمانية من أصل 17 من زملائنا… وسنُعيد الباقين بإذن الله.”
أما سعيد الرفاعي، زميلها في الفصل والميدان، فيعبر عن حزنه لرؤية أصدقائه يضيعون، مؤكدًا أنه شعر بمسؤولية شخصية لإعادتهم، "لإنقاذ مستقبلهم،" كما قال. النهج الذي تتبعه الحملة يقوم على القرب والمودة: الأطفال يعرفون بعضهم، يتحدثون اللغة نفسها، ويتشاركون المخاوف والطموحات. هذا ما جعل هدى النشبة (16 عامًا) ورفيقتها ضحى تتمكنان من إعادة فتاة من الجيران إلى الدراسة، بعد جلسات دعم ومراجعة ومواد تحفيزية عرضتاها عليها، بما في ذلك مقاطع مصورة لأنشطة مدرسية ترفيهية.
◙ على أرض الواقع تستقبل مدارس "الفرصة الثانية" العائدين وتوفّر لهم تعليما يجمع بين المواد الأكاديمية والتكوين المهني
لكن المبادرة لا تقف عند الإقناع. فعلى أرض الواقع، تستقبل مدارس “الفرصة الثانية” العائدين، وتوفّر لهم تعليمًا مرنًا يجمع بين المواد الأكاديمية والتكوين المهني، في مجالات مثل الحلاقة، الطبخ، والصباغة، إلى جانب أنشطة ترفيهية تساعد على تنمية المهارات الاجتماعية
والثقة بالنفس. من هذه المدارس، مدرسة أبي القاسم الشابي في تيفلت، التي تديرها جمعية السلام بشراكة مع وزارة التربية. هنا، يحاول 110 تلميذًا وتلميذة كتابة فصل جديد من حياتهم. أحدهم هو أمين عثمان (17 عامًا)، الذي ترك الدراسة لعامين، لكنه عاد بتشجيع من أصدقائه، وأصبح اليوم أحد سفراء الحملة.
يقول أمين بخجل وفخر “نجحت في إقناع ثلاثة من أصدقائي بالعودة… شعرت أن دوري أصبح أكبر من مجرد طالب.” ومن بين الذين أعادهم أمين إلى المدرسة، آية بنزكي (18 عامًا)، التي غادرت التعليم بسبب صعوبات، وعادت بعد تردد، واليوم تحلم بنيل شهادة البكالوريا. كذلك، تؤكد جيهان الرافعي (17 عامًا) أن الحملة منحتها "فرصة لا تعوّض،" وتقول "شعرت بالندم والفراغ بعد ترك المدرسة… وكنت في حاجة إلى من ينصحني."
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 70 في المئة من تلاميذ الفرصة الثانية يلتحقون بالتكوين المهني، بينما يعود 20 في المئة منهم إلى التعليم النظامي. ورغم أن هذه الأرقام مشجعة، إلا أن الطريق نحو تقليص التسرّب المدرسي بشكل جذري لا يزال طويلاً.
فهناك حاجة ماسة إلى مقاربة شاملة لا تقتصر على المبادرات المعنوية، بل تشمل تحسين جودة التعليم العمومي، وتعزيز الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة، وتطوير المناهج الدراسية، وزيادة الاستثمار في التعليم القروي، حيث تُسجل أعلى نسب التسرب. كما يجب أن يُمنح التلاميذ دورًا أكبر في إدارة العملية التعليمية، باعتبارهم فاعلين حقيقيين، لا مجرد متلقين. فنجاح مبادرة “من الطفل إلى الطفل” يُظهر أن التمكين الشبابي قادر على إحداث تغيير حقيقي، حين يتم توجيهه ودعمه مؤسسيًا.
إن قصة تيفلت هي واحدة من عشرات القصص التي تدور كل يوم في قرى ومدن المغرب، حيث يقاوم الأطفال من أجل مستقبلهم ومستقبل أصدقائهم. وفي ظل التحديات البنيوية التي يعانيها قطاع التعليم، تظل قصص النجاح الصغيرة هذه شموعًا تضيء طريقًا طويلًا من العمل والإصلاح. ربما لا يستطيع سعيد وضحى وهدى تغيير النظام التعليمي بأكمله، لكنهم نجحوا في تغيير حياة ثمانية أطفال، وهذا بحد ذاته بداية واعدة، تستحق أن تُحتذى.