نغمات التكنو تتحدى الصمت في ليل دمشق

في أولى حفلاتها بسوريا، عادت دي جي نورية من برلين لإحياء أمسية موسيقية في دمشق وسط إقبال جماهيري كبير. رغم المخاوف يصرّ المنظمون على دعم مشهد الحياة الليلية كرمز للحرية والتنفيس.
دمشق – قبل منتصف الليل بقليل في دمشق، تحتشد مجموعة من مرتادي نادي الباب الشرقي الليلي الكائن في قلب العاصمة السورية، وقد ركزوا كل حواسهم وطاقاتهم للاستمتاع بالموسيقى والرقص.
وتتمايل الأجسام برشاقة وانطلاق على إيقاع نغمات الموسيقى، التي تحييها الموسيقية السورية الشهيرة المعروفة باسم دي جي نورية، التي جاءت من برلين خصيصا، لتقدم أول حفل موسيقي لها في موطنها الأصلي سوريا.
ولأن الجمهور السوري متعطش لمثل هذه الحفلات فقد بيعت التذاكر بالكامل، وهذا الحفل باكورة نشاط نورية التي عادت إلى موطنها، بعد أن هربت من الحرب الأهلية.
وتقول والدموع تفر من عينيها “كانت هذه العودة لأحي حفلا في سوريا، حلما تحقق بعد أن كنت أتخيل أنه بعيد المنال.”
وبعد أن حققت الشهرة في برلين، التي تود أن تطلق على نفسها لقب عاصمة العالم في موسيقى التكنو، وهو نوع من الموسيقى السريعة الراقصة التي تستخدم فيها آلات موسيقية إليكترونية، لم تكن نورية متأكدة من أن موسيقاها ستناسب أذواق الجمهور السوري، ولكن هذه الفتاة التي تبلغ من العمر 32 عاما، قالت بعد أن لاحظت الإقبال الكبير إن “أعداد الجمهور لا يمكن تصديقها.”
وتعرب نورية عن شعورها بالذهول إزاء استطاعتها الصعود على خشبة المسرح في دمشق، بعد مرور ستة أشهر فقط من سقوط حكم بشار الأسد الذي أحكم قبضته على السلطة طويلا.
وتتأمل مجريات الحفل الذي أقامته مؤخرا في دمشق، وتقول “في تلك الليلة أصبحنا قادرين على ممارسة الحياة، التي كنا ننتظرها منذ وقت طويل وتذوق حريتنا، وأثناء الحفل كان كل فرد من المشاركين يتنفس الحياة ويرقص، لم نعد نشعر بالخوف.”
وفي نفس يوم الحفل الموسيقي لنورية تم تأسيس جمعية كاساتا التي نظمت حفلها.
يقول فيليب ظريف المؤسس المشارك للجمعية، “إنني لا أعتقد أن الدولة تريد أن تكون هناك حياة ليلية في سورية، إنهم يقولون إنهم لا يعارضون ذلك ولكنهم يتصرفون بشكل مختلف.”
وأثارت التقارير التي تتردد حول المداهمات المسلحة لنوادي الرقص، وإغلاق الحانات الخوف بين الكثيرين في مشهد الحياة الليلية، وبرغم أنه لم يصدر حظر رسمي لبيع المشروبات الكحولية أو إقامة الحفلات الموسيقية والغنائية، فإنه جرى إغلاق حانات مرارا في الآونة الأخيرة، تحت ذريعة بيع الكحوليات فيها.
غير أن ظريف الذي يشتهر باسم بوشكو كعازف دي جي، في سوريا وخارجها يرفض الاستسلام.
ويقول إن جزءا “من مسؤوليتي يتمثل في كفالة أن يتمكن الجيل الجديد من الرقص.”
وبدأت جمعية كاساتا في تنظيم الحفلات الموسيقية نظرا لقلة عددها، وفقا لما يقوله ظريف وإن كان يقر بأنها عملية محفوفة بالمخاطر. ويضيف ضاحكا إنه في الوضع الحالي قد يمثل الاستمرار في تنظيم الحفلات نوعا من الغباء، “ولكنه نوع جيد من الغباء.”
ويشير ظريف إلى أنه لم تحدث حتى الآن أية حوادث، أثناء الفعاليات التي ينظمها تكون لها صلة بالحكومة الجديدة بشكل مباشر.
ومن ناحية أخرى يؤكد جون مرتضى (24 عاما) أثناء حفل نورية، أنه “بدون الموسيقى لن يكون للحياة طعم، وسيشعر المرء بأنه ينقصه شيء ما.” وتقول ضيفة أخرى في الحفل تدعى تاتيانا سعيد، إن الناس يشعرون بالخوف بالطبع، “ونحن نشعر بالتوتر ولكننا نريد أن نمارس حياتنا الطبيعية.”
ويعلق حمزة حمدان على تطورات الأوضاع، فيقول إنه بعد أن قاسى السوريون كثيرا خلال السنوات الماضية، أصبحت الموسيقى وسيلة للتنفيس عن الضغوط التي يشعرون بها، ويضيف إن “الموسيقى تساعدنا على معالجة كل شيء.”
بينما تقول مشاركة أخرى في الحفل “للأمانة أنا جئت إلى هذا المكان وأنا أشعر بالخوف،” موضحة أنها مرت في طريقها للملهى بعدة نقاط للتفتيش وبقوات أمن.
ولكنها تقر بأن المناخ العام تغير، وتؤكد أهمية إتاحة مساحات آمنة للناس، الذين يحبون الموسيقى والحفلات، وتضيف “إننا بحاجة إلى هذه الحفلات لكي ننسى جميع الأشياء التي تراكمت بداخلنا.”
ويقول ظريف من جمعية كاساتا إن تطور الأمور، سواء بشكل إيجابي أو سلبي يتم على أساس يومي.
والشيء الوحيد المؤكد بالنسبة له هو، “أنني لن أغادر هذا البلد إلا إذا ألقوا بي خارجه.” ويضيف إنه “من المهم أن نمضي قدما”.
وكانت نورية تخطط أصلا لإقامة حفل واحد في دمشق، ثم تتوجه إلى بيروت قبل أن تعود إلى برلين لتواصل حفلاتها هناك.
والآن هي تعتزم العودة إلى بلدها سوريا، وتقول “سيحدث ذلك في الثامن من ديسمبر المقبل على أقصى تقدير، والذي يوافق يوم الحرية.”