غزة تدفع ثمن حرب إسرائيل على إيران

نتنياهو يجني مكاسب سياسية من الفصل الدولي بين ملفي غزة وإيران.
الخميس 2025/06/19
الجوع يفتك بالغزيين

أنظار العالم تتركز على الضربات الموجهة للمنشآت النووية الإيرانية، فيما تغيب غزة عن المشهد الدولي رغم استمرار مأساتها. وتحوّلت الحرب على إيران إلى غطاء سياسي ودبلوماسي لإسرائيل، بينما تدفع غزة الثمن بصمت.

غزة - بينما توجه إسرائيل ضرباتها المركزة إلى المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، يبرز واقع موازٍ يتجاهله الخطاب الدولي والإعلامي: غزة، بكل ما فيها من بشر ومآسٍ، تدفع الثمن الباهظ لهذه الحرب الإقليمية التي تدور بعيداً عن حدودها الجغرافية، لكنها تغذي بشكل مباشر آلامها السياسية والإنسانية.

وتشير الباحثة كسينيا سفيتلوفا في تحليل نُشر على موقع معهد تشاتام هاوس البريطاني، إلى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران حققت لإسرائيل مكاسب إستراتيجية ودبلوماسية، لكن أحد أبرز هذه المكاسب تمثّل في نقل الأنظار الدولية عن المجازر والدمار في غزة، وتحويل مركز الاهتمام العالمي إلى إيران وبرنامجها النووي.

ونجحت إسرائيل، ولو مؤقتاً، في فصل المسارين في العقل الأوروبي: مسار الهجوم على غزة الذي قوبل بانتقادات شعبية ورسمية حادة، ومسار المواجهة مع إيران الذي حظي بدعم علني من دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وتلك الدول التي لم تتردد في التنديد بالحرب على غزة، أبدت في المقابل تفهماً لحرب إسرائيل على إيران، بل واعتبرتها دفاعاً مشروعاً عن النفس. لكن الثمن السياسي لهذا التحول دفعته غزة.

وفي اللحظة التي صدرت فيها مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بدا أن إسرائيل مهددة بالعزلة. إلا أن الضربات ضد إيران سرعان ما أعادت نتنياهو إلى المشهد الدولي كزعيم يقود “معركة ضد الخطر الإيراني،” لا كمتهم بجرائم حرب في غزة.

الضربات ضد إيران أعادت نتنياهو إلى المشهد الدولي كزعيم يقود معركة ضد الخطر الإيراني لا كمتهم بجرائم حرب في غزة
الضربات ضد إيران أعادت نتنياهو إلى المشهد الدولي كزعيم يقود معركة ضد الخطر الإيراني لا كمتهم بجرائم حرب في غزة

وفي هذا السياق، يبدو أن المأساة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة قد تم تهميشها عمداً. فالقصف لا يزال مستمراً، والمعاناة تتفاقم، وحماس لا تزال تحتجز رهائن إسرائيليين. غير أن المجتمع الدولي، المشغول الآن بإيران، لم يعد يضغط بالزخم نفسه لإنهاء الحرب أو لإغاثة المدنيين في القطاع.

وتُحذر سفيتلوفا من أن هذا الانفصال السياسي بين الملفين قد يؤدي إلى إعادة تأهيل دبلوماسي لحكومة نتنياهو، رغم أنها المسؤولة عن مآسٍ غير مسبوقة في غزة. فدعم أوروبا الضمني للحرب على إيران يعزز شرعية حكومة تواجه عزلة دولية بسبب سياستها في الأراضي الفلسطينية.

وفي المقابل، فإن الفلسطينيين، وخصوصاً سكان غزة، باتوا ضحية مزدوجة: مرة بسبب الحرب المباشرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على القطاع، ومرة أخرى بسبب الحرب البعيدة التي تُشن على إيران، وتُستخدم لتبرير استمرار المعاناة في غزة، بل ولتبرئة ساحة من تسبب بها أمام المجتمع الدولي.

بل إن الرأي العام العربي، رغم رفضه العلني للهجمات الإسرائيلية على إيران، ظل متفرجاً إلى حد كبير على ما يحدث في غزة. وأما إقليمياً، فكانت الأولويات الأمنية – مثل اعتراض الأردن للصواريخ الإيرانية – كفيلة بتبديل التحالفات، حتى ولو مؤقتاً، على حساب المواقف المبدئية تجاه فلسطين.

وفي نهاية المطاف، ترى سفيتلوفا أن نتنياهو ربما كسب معركة سياسية داخلية بفضل الحرب على إيران، إذ تراجعت الاحتجاجات الداخلية والخلافات حول قانون التجنيد، لكن الصراع لم يُحسم بعد، والأسئلة الإستراتيجية تظل معلقة، أبرزها: هل تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها دون تدخل أميركي مباشر؟ وهل يستمر الدعم الدولي إذا طال أمد الحرب دون نتائج واضحة؟

وحتى إن استمرت إسرائيل في استهداف إيران، فإن القضية الفلسطينية، ومعاناة غزة على وجه الخصوص، ستعود إلى الواجهة، لا كحدث طارئ، بل كجذرٍ دائم للاشتباك الإقليمي وعدم الاستقرار.

ومنذ أكثر من عقد ونصف العقد، يعاني قطاع غزة من حصار خانق، وبنية تحتية مدمّرة، وأزمات اقتصادية متراكمة. وأيّ تصعيد جديد – حتى لو لم يكن موجهاً مباشرة ضد القطاع – يزيد من تفاقم الأوضاع فيه، نظراً إلى اعتماده شبه الكامل على المعونات، والمساعدات، والانفتاح المحدود على الخارج، وهو ما يجعل من كل حرب إقليمية عبئاً إضافياً على السكان المدنيين.

وفي ظل هذا المشهد، يظل الثابت الوحيد أن غزة تدفع الثمن، مرة أخرى لحروب لا تملك فيها قراراً ولا سلاحاً ولا صوتاً مسموعاً.

الرأي العام العربي، رغم رفضه العلني للهجمات الإسرائيلية على إيران، ظل متفرجاً إلى حد كبير على ما يحدث في غزة

ومنذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في منتصف عام 2007، فرضت إسرائيل حصارا شاملا بحريا وبريا وجويا على القطاع قيّد حركة الأفراد والبضائع، وقيّد الاقتصاد المحلي، وأدى إلى انهيار شبه كامل في التجارة والإنتاج.

وتعرضت غزة لعدة حروب كبرى (2008، 2012، 2014، و2021) بالإضافة إلى الحملات المستمرة في 2023 و2024، ما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية: شبكات الكهرباء والمياه، المستشفيات، المدارس، والطرق. ورغم محاولات إعادة الإعمار، فإن الإغلاق والحصار والقيود على دخول المواد اللازمة للإعمار جعلت هذه الجهود محدودة ومؤقتة.

ويُعدّ اقتصاد غزة من أكثر الاقتصادات هشاشة في العالم، حيث يعتمد أكثر من 80 في المئة من السكان على المساعدات الإنسانية، لاسيما من الأونروا والمنظمات الدولية.

وتعتبر معدلات البطالة في غزة هي من الأعلى عالمياً (تتجاوز 45في المئة)، خصوصاً بين فئة الشباب والخريجين. كما أن القطاع الخاص لا يكاد يعمل إلا جزئياً بسبب القيود المفروضة على التصدير والاستيراد.

وتعاني المنظومة الصحية في غزة من نقص دائم في الأدوية والمعدات، وانقطاع متكرر للكهرباء، وقلة في الكوادر الطبية المؤهلة نتيجة القيود على السفر والتعليم والتدريب.

ويعاني قطاع غزة من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، بسبب استنزاف الخزان الجوفي وتلويثه بمياه البحر والمجاري. كما أن شبكة الكهرباء لا توفر سوى 4–8 ساعات من التيار يومياً، ما يعرقل الحياة اليومية ويشل قطاعات الخدمات والصحة والتعليم.

وأضعف الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس القدرة على إدارة الأزمات وتنسيق جهود الإغاثة وإعادة الإعمار. كما أن غياب التمثيل الفلسطيني الموحد في الساحة الدولية يعمّق من عزلة غزة ويقلّص فرص الضغط على إسرائيل لرفع الحصار أو التخفيف من حدّته.

ونشأ جيل كامل من أطفال وشباب غزة في بيئة حرب مستمرة، ودمار، وانعدام أفق اقتصادي أو اجتماعي. فمستويات الصدمة النفسية واضطرابات ما بعد الحرب مرتفعة للغاية، مع تزايد نسب الانتحار والعنف الأسري والمجتمعي، ما يشير إلى أزمة اجتماعية كامنة لا تقل خطراً عن الأزمات المادية.

 

اقرأ أيضا:

        • حرب لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل

        • حماس في مهب الريح

6