هل تستطيع إسرائيل بمفردها تدمير المنشآت النووية الإيرانية

واشنطن - مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط واقتراب الصدام بين إسرائيل وإيران من نقطة اللاعودة، برز مجددا الحديث عن قدرة إسرائيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل بمفردها، إذ أن الضربات التي وجهتها لبعض المواقع النووية كانت محدودة النتائج.
ويرى خبراء عسكريون أن تحقيق هذا الهدف -أي تقليص قدرة إيران النووية إلى حد كبير- لا يمكن أن يتم إلا بدعم أميركي مباشر، سواء من حيث الأسلحة أو من جهة الغطاء الجوي.
ويقول الدكتور سامي الغول، أستاذ العلاقات الدولية، إن “إسرائيل تمتلك تقنيات عسكرية متقدمة، لكن تدمير منشآت محصنة يتطلب أسلحة وغطاء جويا لا يمكن لإسرائيل توفيرهما بمفردها،” مشيراً إلى “ضرورة الاعتماد على الدعم الأميركي لتحقيق أي نجاح.”
ومن أبرز التحديات، التي تواجه أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، المنشأة المحصنة في فوردو التي تقع تحت جبل على عمق عشرات الأمتار، ما يجعلها منيعة أمام الهجمات الجوية التقليدية.
وهذا يتطلب قنابل خارقة للتحصينات، مثل القنبلة الأميركية GBU-57 المعروفة بـ”الخارق الكبير”، والتي لا تمتلكها إسرائيل.
تدمير المنشآت النووية يتطلب قنابل خارقة للتحصينات، مثل القنبلة الأميركية GBU-57 التي لا تمتلكها إسرائيل
ويوضح المهندس العسكري جوزيف ألين، الخبير في أنظمة الأسلحة الدقيقة، أن “قنبلة GBU-57 هي السلاح الوحيد الذي يمكنه إلحاق ضرر فعلي بمنشآت مثل فوردو. لكن هذه القنبلة لا يمكن حملها بواسطة الطائرات الإسرائيلية المتوفرة حالياً. هذا يبرز نقطة ضعف جوهرية في القدرة التقنية الإسرائيلية ويُظهر مدى اعتمادها على المعدات الأميركية.”
وفضلاً عن ذلك، فإن أي عملية هجومية عميقة داخل الأراضي الإيرانية تتطلب غطاء جويًا واسع النطاق، وتنسيقًا لوجستيًا واستخباراتيًا مع واشنطن.
ويقول اللواء خالد النعيمي، الخبير في الإستراتيجيات العسكرية، إن “المسافة الجغرافية بين إسرائيل والمواقع النووية الإيرانية تشكل عائقاً كبيراً. حتى مع قدرة الطائرات الإسرائيلية على الوصول، تبقى عملية التزود بالوقود جواً والحماية من أنظمة الدفاع الجوي الإيراني ضمن العوامل التي تحد من قدرة إسرائيل على تنفيذ عملية فعالة دون دعم لوجستي وجوي مكثف من الولايات المتحدة.”
ويعيد هذا المشهد إلى الواجهة السؤال السياسي الحاسم: هل ستمنح واشنطن إسرائيلَ الضوء الأخضر للقيام بعملية من هذا النوع؟ فالولايات المتحدة، رغم عدائها لطهران، تتجنب الانجرار إلى مواجهة شاملة في الشرق الأوسط خشية إرباك التوازنات الإقليمية وانهيار المفاوضات النووية، وتسعى لتحقيق توازن دقيق بين دعمها التقليدي لإسرائيل والمخاوف الأمنية الدولية والإقليمية.
وفي الوقت ذاته تحاول إسرائيل إرسال رسائل ضاغطة إلى واشنطن مفادها أنه إذا لم يُقدم الدعم اللازم فقد تتحرك منفردة، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر عالية وتكاليف باهظة، وقدرات محدودة تعزز احتمال فشل العملية أو تأجيج صراع واسع في المنطقة.
المنشأة المحصنة في فوردو تقع تحت جبل على عمق عشرات الأمتار، ما يجعلها منيعة أمام الهجمات الجوية التقليدية
وفي 12 يونيو الجاري شنت إسرائيل هجومًا جويًا واسعًا استهدف منشآت نووية إيرانية حساسة مثل فوردو ونطنز وأصفهان، إضافة إلى منشآت عسكرية ومدنية أخرى.
وأسفر الهجوم عن تدمير الآلاف من أجهزة الطرد المركزي في نطنز، ما وجه ضربة قوية للبرنامج النووي الإيراني، مع استهداف منشآت إنتاج اليورانيوم المعدني في أصفهان، وهو ما يمثل خطوة حاسمة نحو تصنيع الأسلحة النووية.
وردت إيران بإطلاق صواريخ على مواقع إسرائيلية، أسفرت عن خسائر في الأرواح وتدمير بنى تحتية حيوية، كما أسقطت دفاعاتها الجوية طائرات مسيرة إسرائيلية قرب فوردو، ما يعكس قدرتها الدفاعية التي تزيد من صعوبة أي هجوم مستقبلي.
ورغم النجاحات التكتيكية للهجوم الإسرائيلي، يبقى الشك قائمًا حول قدرته على تقويض البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، خصوصًا مع بنية تحتية معقدة وموزعة على مواقع متعددة، وامتلاك إيران أنظمة دفاع متقدمة تجعل أي محاولة تدمير شاملة مكلفة للغاية.
وتوضح الدكتورة ليلى حماد، المحللة الأمنية المتخصصة في الشؤون النووية، أن “البرنامج النووي الإيراني موزع على عدة مواقع محصنة ومحمية بأنظمة دفاع جوي متطورة، وهذا يجعل استهدافه عملية معقدة ومكلفة للغاية.”
ويشير مراقبون إلى أن الإرادة الإسرائيلية قوية، لكنها تواجه قيوداً تقنية وجغرافية وسياسية تجعل من الدعم الأميركي أمرا حاسما. من دون هذا الدعم، ستظل أي عملية عسكرية محدودة النتائج، بل قد تؤدي إلى تسريع إيران برنامجها النووي بدلاً من إيقافه، ما يضع المنطقة أمام احتمالات تصعيد خطيرة يصعب التنبؤ بعواقبها.
أي عملية هجومية عميقة داخل الأراضي الإيرانية تتطلب غطاء جويًا واسع النطاق، وتنسيقًا لوجستيًا واستخباراتيًا مع واشنطن
ويجمع خبراء عسكريون وإستراتيجيون أن مستقبل المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية سيظل مرتبطًا بشكل وثيق بالقرار الأميركي، الذي يوازن بين حماية حليفه الإسرائيلي وتفادي اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، بينما تبقى قدرة إسرائيل التقنية والتكتيكية فعالة، لكنها محدودة دون شريك قوي في هذه المعركة.
ويشكّل الصراع حول البرنامج النووي الإيراني إحدى أعقد أزمات الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط منذ عقود. فمنذ الكشف عن أنشطة إيران النووية السرية دخلت طهران في مواجهة طويلة الأمد مع المجتمع الدولي، بدأت بسلسلة عقوبات ثم مفاوضات مضنية، وأخيرا المواجهة العسكرية.
وحرصت إسرائيل، التي تعتبر أي امتلاك إيراني لقدرات نووية تهديدًا وجوديًا مباشرًا، منذ سنوات على توجيه رسائل تحذيرية تارة، وتخريبية تارة أخرى، عبر عمليات سيبرانية واغتيالات نوعية داخل العمق الإيراني، لكنها لم تصل سابقًا إلى مرحلة شن هجوم مباشر واسع حتى الهجوم الأخير في يونيو الجاري.
وخلال العقد الماضي وضعت إسرائيل سيناريوهات متعددة لمهاجمة منشآت إيران النووية، لكنها واجهت عقبتين جوهريتين: أولاً، التعقيد الهندسي لمنشآت مثل فوردو ونطنز، التي بُنيت خصيصًا لتحمّل ضربات جوية؛ وثانيًا، غياب الغطاء السياسي واللوجستي الأميركي الذي يُعد عنصرًا حاسمًا في أي عملية من هذا النوع، سواء لتزويد إسرائيل بأسلحة متقدمة مثل قنابل الاختراق الثقيلة، أو لتوفير معلومات استخباراتية دقيقة وغطاء دبلوماسي دولي بعد الضربة.
وما يزيد تعقيد هذا المشهد أن إيران، خلال السنوات التي تلت انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، لم تكتفِ بإعادة تشغيل منشآتها، بل رفعت مستوى التخصيب، ووسّعت قدراتها التقنية، وأعادت توزيع منشآتها بطريقة تجعل استهدافها يتطلب عمليات متعددة ومترابطة في آن واحد.
ووفق تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد اقتربت إيران كثيرًا من العتبة التقنية اللازمة لإنتاج سلاح نووي، من دون أن تتخذ رسميًا القرار السياسي بامتلاكه، وهو ما زاد من التوتر الإقليمي والدولي.
وفي المقابل لم تتخذ الولايات المتحدة موقفًا ثابتا حيال كيفية التعامل مع هذا التهديد؛ ففي حين تعارض واشنطن حصول إيران على السلاح النووي، فإنها لا تريد التورّط في حرب إقليمية قد تؤدي إلى انهيار التوازنات الهشة في المنطقة، خصوصًا في ظل الانخراط الأميركي الجزئي في أوكرانيا والتحدي الصيني في المحيطين الهادئ والهندي.
وتوضح هذه الخلفية أن التوتر الحالي ليس وليد الأسابيع الأخيرة، بل هو نتيجة تراكمات إستراتيجية، ومماطلة دبلوماسية، وتصعيد ميداني طويل الأمد.
ولا يمكن قراءة الهجوم الإسرائيلي الأخير إلا كحلقة ضمن سلسلة من الإستراتيجيات الإسرائيلية لردع إيران أو إبطاء تقدمها النووي، وإن لم يكن كفيلاً -وفق أغلب التقديرات- بتدمير برنامجها بشكل كامل.