تنظيم الدولة الإسلامية يتطلع إلى العودة إلى سوريا والعراق

تنظيم الدولة يكثف نشاطه في المناطق التي تشهد ضعف القبضة الأمنية بعد رحيل نظام بشار الأسد.
الاثنين 2025/06/16
مساع للاستثمار في الفوضى

دمشق - في ظل التغيرات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، تتزايد التحذيرات الإقليمية والدولية من احتمال عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى المشهد بقوة. فالتنظيم، الذي كان قد سيطر في ذروة قوته بين عامي 2014 و2017 على مساحات واسعة من سوريا والعراق، يبدو أنه يستغل حالة الفراغ الأمني والفوضى السياسية ليعيد تنظيم صفوفه، مستنهضا خلاياه النائمة، ومجدّدا قدراته اللوجستية والدعائية، ومفعّلا آليات تجنيد وتسلّل لم تُرصَد بهذا النشاط منذ سنوات.

وبحسب مصادر أمنية وسياسية في سوريا والعراق، إلى جانب مسؤولين أميركيين وأوروبيين، بدأ تنظيم الدولة بالفعل في إعادة توزيع السلاح، وتحديد أهداف للهجمات، وتكثيف نشاطه في المناطق التي شهدت انسحابا مفاجئا أو ضعفا في القبضة الأمنية بعد رحيل النظام السوري السابق.
ومن أبرز المؤشرات على ذلك محاولة انتحارية في شمال العراق تم إحباطها بعد القبض على مبعوثَين من التنظيم كانا يحملان تعليمات من قادة متحصنين قرب الرقة إلى الخلايا المحلية.

ومكنت المعلومات التي استُخلصت من التحقيق معهما القوات العراقية من إحباط هجوم كبير على مطعم مزدحم، في واحدة من أهم الضربات الوقائية خلال العام.

داعش يستغل الفوضى في سوريا لإعادة تنظيم صفوفه وتفعيل خلاياه، ما يثير مخاوف إقليمية ودولية من عودة تهديده

وعلى الرغم من أن وتيرة الهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها في سوريا والعراق قد تراجعت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، فإن هذا الانخفاض لا يُفسَّر بالضرورة بأنه ضعف في البنية التنظيمية، بل قد يكون مؤشرا على مرحلة من إعادة التموضع وتطوير الإستراتيجية.

وفي سوريا، لم يعلن التنظيم سوى عن 38 هجوما، في مقابل أكثر من 270 العام الماضي، بينما سجّل في العراق أربع هجمات فقط حتى الآن، وفقا لبيانات موقع سايت المتخصص في مراقبة الجماعات المتشددة. ومع ذلك، تحذر بعض التقديرات من أن هذا الصمت النسبي قد يُخفي تحضيرات لأعمال أعنف وأكثر تعقيدا.

ويأتي التحرك النشط لداعش في لحظة حرجة للقيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي يسعى لتثبيت سلطة مركزية على بلد ممزق ومنهك من حرب أهلية دامت أكثر من عقد.

وفتح الانقسام بين جماعات المعارضة المسلحة السابقة، ومحاولة دمجها في مؤسسات الدولة، إلى جانب السعي نحو انفتاح دبلوماسي مع الغرب، الباب أمام خطاب مضاد من بعض الإسلاميين المتشددين الذين اتهموا الشرع بـ”الرضوخ” للولايات المتحدة و”الخيانة” عبر بدء محادثات تطبيع مع إسرائيل.

واستثمر تنظيم الدولة هذا الانقسام الأيديولوجي سريعا، داعيا في نشرته الإخبارية الإلكترونية “النبأ” المقاتلين الأجانب إلى الانضمام إلى صفوفه ورفض التفاهمات السياسية الجديدة.

وزادت مخاوف إضافية من التوتر بعد إعلان واشنطن عن نية تقليص وجودها العسكري في سوريا إلى النصف هذا العام.

ويخشى العديد من المسؤولين من أن يؤدي هذا الانسحاب إلى تمكين التنظيم من تحرير مقاتليه المحتجزين، الذين يُقدّر عددهم بنحو تسعة آلاف داخل سجون تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) المدعومة أميركيا.

ووقعت بالفعل محاولتان فاشلتان للهروب منذ سقوط الأسد، ما يشير إلى أن التنظيم لم يتخلّ عن هدفه الأساسي في استعادة قوته البشرية.

ولا يزال التنسيق الاستخباراتي بين دمشق وبغداد وواشنطن قائما في بعض الحالات المحدودة، بحسب ما أكده مسؤولون أميركيون وسوريون.

الانقسام بين جماعات المعارضة المسلحة السابقة فتح الباب أمام خطاب مضاد من الإسلاميين المتشددين الذين اتهموا الشرع بـ"الرضوخ" للولايات المتحدة و"الخيانة"

وأسفرت مداهمات أمنية في حلب مؤخرا عن مقتل ثلاثة مسلحين واعتقال أربعة آخرين، وضبط أسلحة وأزياء عسكرية، في واحدة من أقوى الرسائل بأن الدولة السورية الجديدة تسعى جاهدة لمواجهة التهديد، رغم هشاشة الوضع الأمني واستمرار العنف الطائفي، والغارات الإسرائيلية، والتوترات مع الجماعات الكردية المدعومة من تركيا.

وتقدر الأمم المتحدة أن عدد مقاتلي داعش النشطين في سوريا والعراق يتراوح بين 1500 و3000، غير أن أخطر فروع التنظيم وأكثرها نشاطا باتت متمركزة الآن في أفريقيا، وفقا للجيش الأميركي.

ورغم الضربات الجوية والعمليات البرية التي تستهدف فلول التنظيم، تشير معلومات إلى أن داعش أعاد تمركز مقاتليه من الصحراء السورية إلى مناطق حضرية مثل دمشق وحمص، مع تزويدهم بكواتم صوت وأحزمة ناسفة، ما يُنذر بمرحلة جديدة من العنف منخفض الشدة يصعب تعقبه.

وفي العراق، رصدت الأجهزة الأمنية نشاطا متزايدا في مناطق جبلية تقليدية تشكّل ملاذا للمتشددين، مثل تلال حمرين. ويُعتقد أن التنظيم استولى على كميات كبيرة من السلاح الذي تركه جيش النظام المنهار في سوريا، وهو ما يثير القلق بشأن إمكانية تهريبها إلى داخل الأراضي العراقية.

ورغم عدم وجود مؤشرات على أن التنظيم سيستعيد الأراضي التي خسرها في السابق، إلا أن قادة أمنيين في البلدين يحذّرون من التهاون مع عدو أثبت عبر السنين قدرة على التكيّف والبقاء، واستغلال الفراغات الأمنية والمؤسساتية بشكل فعّال.

وفي خضم هذه المتغيرات، تبقى عودة داعش تهديدا حقيقيا يتطلب يقظة استخباراتية وتنسيقا إقليميا واسع النطاق، إلى جانب حلول سياسية لا تقل أهمية عن القوة العسكرية.

7