برج الفنون يُضفي معنى وروحا جديدة على قلب الرياض

من كان يظن أن البنية التحتية القديمة قد تتحوّل يومًا إلى تحفة فنية تزين سماء العاصمة؟ في قلب الرياض، وضمن أحد أكبر مشاريعها التطويرية، ينهض برج الفنون في الرياض كرمز حيّ لتحول ثقافي جريء تمضي فيه المملكة بخطى واثقة. بارتفاع يصل إلى 30 مترًا وتصميم مستوحى من أبراج الكهرباء التي كانت يومًا ما مجرد ملامح وظيفية على الطريق، يعيد البرج تعريف العلاقة بين الفن والعمارة، ويعكس طموح الرياض في أن تصبح مركزًا للإبداع المعاصر.
الرياض – بينما تتجوّل في ممشى أحدث معالم العاصمة، “الشارع الرياضي”، من المؤكد أن معلمًا جديدًا سيلفت انتباهك.
يتألق برج عند تقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وطريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول بألوانه وطابعه المميز.
يبلغ طول المسار الرياضي 135 كم من المسارات المخصصة للمشاة والدراجات، وأكثر من 23 موقعا رياضيا، ويضم تسعة متاحف ومراكز ثقافية، إضافة إلى الفعاليات والأسواق المجتمعية والفنون.
ورغم أن “البوليفارد الرياضي” يهدف أساسًا إلى تشجيع النشاط البدني، إلا أن “برج الفنون” يُضيف إلى المكان بُعدًا آخر، إذ يشكل مساحة تأمل وتحفيز على التواصل الإنساني والانغماس في التفكير، بدلاً من الركض السريع وسط صخب المدينة.
كان الفنان السعودي الشهير عبدالناصر غارم قد جسّد في بداية مسيرته الفنية الطابع المعماري البسيط من خلال أعمال مثل “الصراط” و”الطريق إلى مكة”.
صرح غارم لصحيفة “عرب نيوز” السعودية بأن “هذه القطعة شاهدة على التحول الذي يشهده هذا المكان. إنها رمز للاستثمار في البنية التحتية الثقافية، دليل على أهميتها لأي مجتمع. أعتقد أن البرج يجسد هذا التحول، لاسيما أنه، في حد ذاته، يحوّل أحد رموز الطاقة إلى منارة للتعبير الإبداعي.”
كان البرج في السابق واحدًا من أبراج كهرباء عديدة يبلغ ارتفاعها 83.5 متر، وكان من المقرر أن يُزال من أجل مشروع الشارع الرياضي.
قال غارم “سألتُ إن كان بإمكاني الحصول على عمل فني،” موضحًا أنه، بصفته أحد الفنانين المرشحين لتقديم عمل فني لتجميل الشارع، كان حريصًا على استخدام الهيكل الحالي.
ويرى الكاتب والقيّم الفني الأميركي ناتو تومسون أن العمل يمثل “دليلًا ملموسًا على التزام المملكة بتغذية المشهد الثقافي، تمامًا كما أولت اهتمامًا لقطاع الطاقة في الماضي،” مضيفًا أن تحويل برج طاقة إلى معلم فني هو انعكاس للتوجه الجديد الذي يجعل من الثقافة أحد محركات التنمية.
ويُمثل هذا العمل “دليلًا حيًا على التزام المملكة برعاية مشهدها الثقافي، وجعل الفنون والإبداع جزءًا لا يتجزأ من هويتها، تمامًا كما كان النفط والطاقة في الماضي.”
ويستخدم العمل عناصر من العمارة السعودية وأنماطًا من المنازل القديمة، وأبرزها الشكل المثلث.
وقال غارم “كنت محظوظًا لأن البرج كان مكوّنًا من مثلثات، وهو شكل هندسي يجمع بين مختلف مناطق المملكة والملامح التاريخية لبداياتنا، لذا فهو رمز للوحدة.”
وترتبط جميع القطع المستخدمة بالسردية الكبرى للمملكة، بما في ذلك التنوع الاقتصادي والتحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية.
هذه القطع شاهدة على التحول الذي يحدث. إنها رمز للاستثمار في البنية التحتية الثقافية، ودليل على مدى أهميتها لأي مجتمع.
و”تشير الألوان إلى العلاقة بين تاريخنا وتراثنا ومفاهيم البهجة والضيافة الروحية. البرج يدفعك دائمًا إلى النظر إلى الأعلى.”
وبالنسبة إلى غارم، فإن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، مثل “برج الفنون”، ترفع الأنظار باستمرار، محفزةً الناس على القفز من المألوف إلى غير المتوقع، ودافعةً إياهم لاحتضان المستقبل بخيال واسع.
وقال “العمل مستوحى من ضوء الشمس. ضوء النهار يضفي بُعدًا مختلفًا تمامًا على العمل مقارنةً بإضاءته الحضرية ليلًا. الألوان لا تظهر فجأة؛ بل إنها تتغير وتتحول وتنبض بالحياة بطرق مختلفة على مدار اليوم. هنا، تصبح الطبيعة عنصرًا أساسيًا في البناء.”
حتى الرياح لعبت دورًا في تحديد عدد القطع الملونة المستخدمة ومواضعها. علّمني ذلك ضرورة وجود فجوات تسمح للعمل الفني بالتنفس، واضطررتُ إلى التواضع أمام قوة الطبيعة.
وأضاف غارم “أصبحت الرياح شريكتي في التصميم.” وقد صُمم “برج الفنون” ليشعر الناس بأنهم ممثلون ومتصلون.