رحلة الزخرفة في المساجد التركية بين الفن والتاريخ

فن يهتم بتزيين بعض المساجد المبنية حديثًا بأسلوب يعكس الحداثة مع المحافظة على الأسلوب التقليدي في العمل.
الأحد 2025/06/15
الخط واللون في حوار فني

يعمل فنانان تركيان في بورصة على ترميم وتزيين المساجد والمعالم التاريخية بفنّيْ الزخرفة اليدوية والخط العربي، محافظين على التراث الإسلامي العريق، ويواجهان تحديات العمل في أماكن مرتفعة، بدافع الشغف ونقل هذين الفنين إلى الأجيال القادمة.

بورصة (تركيا) - في مدينة بورصة شمال غربي تركيا يعمل نقاشون، من خلال الاستخدام البارع لفنون الزخرفة اليدوية والخط العربي، على تزيين وترميم المساجد والمعالم التاريخية، محافظين على روح هذا التراث العريق.

عمار ياسر غولر (33 عامًا) وبلال دليكطاش (41 عامًا)، تركيان بدآ مسيرتهما الفنية في سن مبكرة في بورصة، ويكرسان جهودهما لنقل فن الزخرفة اليدوية المتوارث عبر الأجيال إلى المستقبل. ويعمل التركيان على تزيين القباب العالية والزوايا التي يصعب الوصول إليها في المساجد والمباني التاريخية، مستخدمين فُرشًا دقيقة وطويلة.

ويعكف النقاشان حاليًا على مجموعة من أعمال الترميم في شاهدة قبر الشيخ المتصوف محمد محي الدين أفتاده (1490 – 1580)، أحد رموز مدينة بورصة، وذلك بتكليف من وزارة الثقافة والسياحة التركية.

ويواصل النقاشان أعمالهما الإبداعية لاسيما في مجال فن الزخرفة اليدوية وفق الأساليب التقليدية المتوارثة منذ قرون، وذلك باستخدام تصاميم مبتكرة وتنفيذها في الأجزاء العليا من المباني التاريخية والمساجد، للحفاظ على هذا التراث الثقافي ونقله إلى الأجيال القادمة. وأوضح غولر أنه بدأ تعلم هذه المهنة على يد أحد أقاربه، أثناء العطل المدرسية في عملية تعلم جاءت على مراحل حتى تحولت إلى شغف يملأ قلبه.

وذكر غولر أن مسيرته المهنية بدأت سنة 2007 في مسجد الفاتح بمنطقة تبه باشي في مدينة أسكي شهر (غرب تركيا)، وأنه أدرك منذ ذلك الوقت أن هذه المهنة تحتاج إلى حب حقيقي للاستمرار.

وقال "رحلتي التي بدأت في أسكي شهر قادتني إلى العمل في شاهد قبر الشيخ المتصوف محمد محيي الدين أفتاده." وأضاف “عندما أتقنا العمل وسعينا للإسهام في إثراء الحالة الفنية، تمكنا من العمل في أماكن تاريخية مهمة مثل تكية مولانا ومحراب الجامع الكبير وجامع خداونديكار في بورصة."

◙ استخدام بارع لفنون الزخرفة اليدوية والخط العربي تقود إلى تزيين المساجد والمعالم التاريخية وترميمها مع الحفاظ على روح هذا التراث العريق
◙ استخدام بارع لفنون الزخرفة اليدوية والخط العربي تقود إلى تزيين المساجد والمعالم التاريخية وترميمها مع الحفاظ على روح هذا التراث العريق

وتابع "في مهنتنا نذهب حيث يكون العمل، لذلك لا يقتصر عملنا على بورصة فقط، بل نعمل في جميع أنحاء تركيا. نحن نعمل في جميع المساجد الجديدة والتاريخية." ولفت غولر إلى أنهم قاموا بتزيين بعض المساجد المبنية حديثًا بأسلوب يعكس الحداثة مع المحافظة على الأسلوب التقليدي في العمل، وأنهم يبدأون عملهم من القبة وصولاً إلى الأسقف.

وقال "يجب أن تكون لدى الفنان العامل في هذا المجال رؤية واسعة. بعد التصميم نحدد مقياس مساحة العمل. ونحدد الألوان والأنماط ثم نقوم برسمها يدويًا، قبل البدء بالعمل انطلاقا من مركز القبة باتجاه السقف." وأردف "نستخدم القوالب لإنجاز هذا العمل. كما نستخدم فَراشي دقيقة جدًا وطويلة. الأعمال التي ترونها تُنجز باستخدام هذه الفراشي."

وأشار غولر إلى أن العمل يصبح أكثر صعوبة خاصة في القباب والهياكل العالية. وأضاف “لا يكون العمل صعبًا عندما نعمل في مركز القبة، بل في الأسقف، لأننا نضطر إلى العمل دائمًا رافعين رؤوسنا إلى الأعلى. آلام الرقبة والظهر، للأسف، جزء من مهنتنا." لكن عزيمتهم تدفعهم إلى مواصلة العمل من أجل بلوغ الهدف المتمثل في إنتاج عمل يمكن أن يكون جزءًا من التراث الثقافي والفني للحضارة التركية الإسلامية، متجاهلين جميع المتاعب، وفق حديث غولر.

من جهته قال بلال دليكطاش إنه يعمل في مهنة النقش منذ 2009، وإنه بدأ العمل في هذه المهنة من خلال المشاركة أولًا في أعمال الترميم، ثم انتقل لاحقًا إلى تزيين المساجد. وأوضح أنه كان يرسم على ظهر دفاتره المدرسية منذ الصغر رسوما مستمدة من الزخارف الإسلامية.

وبعد ذلك توجه إلى فن الخط العربي. ثم زاد إعجابه بالزخرفة. بعد ذلك تلقى تدريبًا في ترميم الزخارف، وبدأ العمل في هذه المهنة بعد أن خضع لدورة تدريبية. وأشار دليكطاش إلى أنهم يعملون في العديد من الأماكن التاريخية والحديثة داخل تركيا وخارجها، وأنهم يلتزمون بتزيين كل مسجد بزخارف خاصة ومميزة تختلف عن الأخرى.

وعن أعمال الترميم التي يقومون بها في الآثار التاريخية قال "نظرا لارتباطنا العاطفي بهذه الأعمال، فإننا نوليها اهتمامًا خاصا." وأضاف "نحن لا ننظر إلى هذا العمل كوظيفة فحسب، بل نعتبره خدمة مهمة للتاريخ والأعمال الفنية التي صنعها الأجداد." وأوضح دليكطاش أنهم يعملون في مساجد ذات أسقف ترتفع إلى 12 أو 18 أو حتى 30 مترًا.

وقال "ما يدفعني إلى الاستمرار هو شعور الرضا عند النزول من الأعلى والاستمتاع بالفن الذي قمت بإنجازه والذي يمثل استمرارًا للفنون التي ورثناها عن الأجداد."

10

18