تزايد العنف ضد الرجال يعكس تحولات المجتمع في كردستان

عدم معالجة الأسباب الجذرية المؤدية إلى العنف يفاقم الأزمة عامًا بعد عام.
الأحد 2025/06/15
الرجل الشرقي له سلطة أكبر على المرأة

من الصعب الوقوف على الأعداد الحقيقية للمعنفين من الرجال في كردستان العراق بسبب التحرج من تقديم شكاوى، غير أن منظمات حقوقية تدق ناقوس الخطر محذرة من تفشي الظاهرة وتأثيراتها السلبية، خصوصا أنها تعكس تصاعدًا خطيرًا في مستوى العنف الأسري الذي بات يهدد استقرار المجتمع.

أربيل (كردستان العراق) - كشف اتحاد رجال كردستان عن ارتفاع لافت في حالات العنف الأسري والانتحار والقتل بحق الرجال خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، في مؤشر خطير يعكس تداعيات الاضطرابات الاجتماعية المتزايدة والأزمات الاقتصادية المتواصلة في إقليم كردستان.

ولطالما كان العنف الأسري في كردستان يُنظر إليه على أنه ظاهرة تمس النساء بالدرجة الأولى، لكن الإحصائيات الأخيرة تكشف عن تصاعد حالات العنف ضد الرجال، وهو ما يعكس تحولات اجتماعية مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية والثقافية المتغيرة.

ومن الصعب الوقوف على الأعداد الحقيقية للمعنفين من الرجال في عموم العراق بسبب التحرج من تقديم شكاوى حول تعرضهم للتعنيف من قبل زوجاتهم، لاعتبارات اجتماعية، لذلك فإن الأرقام المسجلة في هذا الخصوص تعتبر أقل من الواقع لكنها غير مبالغ فيها بحسب ادعاءات البعض.

وأعلن رئيس اتحاد رجال كردستان برهان فرج تسجيل 194 شكوى عنف أُسري تقدم بها رجال خلال الفترة الممتدة من بداية العام الجاري حتى الأول من مايو الماضي، مؤكدًا أن هذا الرقم يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بالأعوام السابقة.

وأضاف أن الإحصائيات الرسمية سجلت أيضًا 23 حالة انتحار لرجال، بالإضافة إلى 5 حالات قتل من قبل زوجاتهم أو أهالي زوجاتهم أو من قبل أطفالهم تعود أسبابها إلى مشاكل وخلافات عائلية، لافتاً إلى أن هذه المؤشرات “تعكس تصاعدًا خطيرًا في مستوى العنف الأسري الذي بات يهدد استقرار المجتمع.”

194

شكوى عنف أُسري تقدم بها رجال من بداية العام الجاري حتى مطلع مايو الماضي في كردستان العراق

وقالت تقارير حديثة إن الكثير من الرجال الذين يتعرضون لعنف زوجاتهم لا يتجرأون على كشف ذلك والذهاب إلى المنظمة، نظرا إلى أنهم يعتبرون أن الرجل هو صاحب القرار الأول والأخير في المجتمع الذكوري الذي يعيشون فيه، لذلك يفضّلون التكتّم على معاناتهم على البوح بها وكشفها للعموم وما يخلّفه ذلك من فضيحة.

وعن أسباب هذا التصاعد أوضح فرج أن “التغيرات المتسارعة التي يشهدها المجتمع الكردي، إلى جانب استمرار الأزمة المالية التي تعصف بالإقليم، تعد من أبرز المحركات وراء تصاعد العنف ضد الرجال،” مشددًا على أن عدم معالجة الأسباب الجذرية المؤدية إلى العنف هو ما يفاقم الأزمة عامًا بعد عام.

ويعاني المئات من الرجال في الإقليم سنويا من تعنيف أسري على يد زوجاتهم، لتصل بعض الحالات إلى التعنيف النفسي والجسدي والجنسي، في ظل تحركات لتعديل قانون الأحوال الشخصية للتقليل من تلك الحالات التي باتت تؤثر على بنية المجتمع.

وتتنوع أشكال العنف بين النفسي والقانوني والاقتصادي، خاصة في حالات الطلاق والحرمان من الأبناء.

وتعكس هذه الظاهرة مشكلة أكبر تتعلق بغياب الحوار واحترام الأدوار بين الأزواج. فقد يؤدي العنف المتبادل بين الأزواج إلى آثار نفسية واجتماعية خطيرة على جميع أفراد الأسرة، وخاصة الأطفال الذين قد يكبرون في بيئة غير صحية، ويعيدون إنتاج سلوكيات العنف في حياتهم المستقبلية.

ومن مظاهر تعنيف الرجال تعنيفا نفسيا إبعادهم عن المنازل، وقد قسم المختصون ذلك إلى نوعين، الأول للرجال متوسطي العمر وخصوصاً حينما تكثر المشكلات الأسرية داخل الأسرة فيكون الرجال أكثر عرضة للإخراج من المنازل، والثاني يشمل كبار السن من الرجال، ويتعلق بتخلف الأسر عن إعانة كبار السن والقيام بتوطينهم في المصحات أو دور إيواء المسنين.

أشكال العنف تتنوع بين النفسي والقانوني والاقتصادي والطرد من المنزل، خاصة في حالات الطلاق والحرمان من الأبناء

ويلجأ عدد كبير من الرجال إلى الإقامة في الفنادق، بسبب قيام نسائهم بطردهم من البيت لأسباب مختلفة، ويرى ناشطون أن غالبية القوانين في الإقليم تدعم المرأة، ومجحفة في حق الرجال، فضلا عن وجود المئات من المنظمات المدنية التي تدعم حقوق المرأة، في حين ليس هناك من يدافع عن الرجل.

وفي المقابل ينفي المدافعون عن حقوق المرأة وجود عنف ضد الرجل، وإن وجد فإنه نفسي وغير جسدي، مبررين ذلك بأن الرجل الشرقي له سلطة أكبر على زوجته بحكم طبيعة المجتمع العراقي الذكوري.

ويرون أن موضوع ممارسة العنف ضد الرجال من قبل النساء مبالغ فيه، وأن حالات كهذه تحدث نادرا في المجتمع الكردستاني، الذي يشهد ممارسة حالات العنف ضد النساء بشكل ملحوظ.

وأوضحوا أن المجتمع الكردستاني مجتمع ذكوري رغم وجود قوانين تضمن حقوق المرأة، وأشاروا إلى أن “الرجل ما زال يتمتع بالسلطة الكاملة ويملك القرار في الأسرة، كما يتمتع بالحرية الكاملة، في حين يفرض المجتمع قيوداً كثيرة على المرأة.”

لكن فرج أكد أن العنف الذي يواجهه الرجال في كردستان يتمثل في الخيانة الزوجية ونفور الزوجات من أزواجهن جنسيّا، بالإضافة إلى طرد آبائهم المسنين من قبل زوجاتهم، والحرمان من زيارة العائلة والاستيلاء على الأموال الخاصة، وقال إن العنف يصل إلى ذروته من خلال تعرض الزوج للعنف الجسدي من قبل زوجته.

وقال إن منظمته تهدف إلى تفعيل دور الرجل في الأسرة والمجتمع، والدفاع عن حقوق الرجال وإصلاح الحياة الاجتماعية المختلة نحو حياة يسودها الوئام والمحبة، كما دعا في وقت سابق إلى تعميم دور المنظمات المدافعة عن حقوق الرجال على المحافظات العراقية الأخرى، وجعل يوم تأسيس منظمته يوما لمناهضة العنف ضد الرجل. كما دعا المنظمات الحقوقية النسوية إلى توعية النساء حول مراعاة واحترام حقوق الرجل والزوج وعدم الاقتصار على الدفاع عن حقوقهن.

مشكلة تتعلق بغياب الحوار
مشكلة تتعلق بغياب الحوار

ورأى فرج أن مجتمعات إقليم كردستان تعيش منذ سنوات حالة من التغيرات الاجتماعية العميقة نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية المتتالية والتطور التكنولوجي، وقد أدت هذه التغيرات إلى تفكك البنية الأسرية وظهور أنماط جديدة من العنف الأسري، منها الموجه ضد الرجال.

وأشار إلى أن “الرجال كما النساء أصبحوا ضحايا للعنف الأسري، في ظل غياب برامج التوعية والدعم النفسي والاجتماعي،” مؤكدًا وجود “ارتفاع ملحوظ أيضًا في نسب الطلاق خلال الأشهر الأخيرة، ما يُعد مؤشرًا إضافيًا على هشاشة البنية الأسرية في الإقليم.”

وارتفعت حصيلة الطلاق أيضا منذ عام 2010 إلى غاية 2024، حيث وصل عدد حالات الطلاق إلى 115 ألف حالة في الإقليم، مخلفا 300 ألف طفل.

وأشار فرج إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لها دور في ازدياد المشاكل الاجتماعية في الإقليم بسبب استخدامها استخداما سيئا؛ ففي أغلب الأوقات تؤدي إلى ازدياد هذه المشاكل، إضافة إلى ارتفاع عدد حالات تدخل أهالي الزوجين في حياتهما الزوجية بشكل كبير.

وطالب رئيس اتحاد رجال كردستان في حديثه مع الجهات الحكومية والمنظمات المدنية بـ”وضع سياسات عاجلة لمعالجة هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة، من خلال التوعية المجتمعية، والدعم النفسي، وتوفير حلول اقتصادية تخفف الضغوط عن العائلات في الإقليم.”

غير أن العنف ضد الرجال لا يقتصر على كردستان العراق فقط، بل هناك الكثير من الحالات أيضا في مدن عراقية أخرى، حيث كشفت مفوضية حقوق الإنسان عن إحصائية تتعلق بحالات العنف ضد الأزواج في محافظة ديالى خلال الفصل الأول من العام الجاري.

وقال مدير مكتب المفوضية في ديالى صلاح مهدي إن “ظاهرة العنف ضد الأزواج موجودة في ديالى، وقد بدأت وتيرتها بالتصاعد خلال السنوات الأخيرة،” مبينًا أن “معدل العنف ضد الأزواج خلال الفصل الأول من العام الجاري بلغ ما نسبته 10 في المئة من إجمالي حالات العنف الأسري المسجلة رسميًا في مراكز الشرطة بعموم مناطق ديالى.”

الكثير من حالات العنف الذي يواجهه الرجال في كردستان تتمثل في الخيانة الزوجية ونفور الزوجات من أزواجهن جنسيّا

وأضاف مهدي أن “هذه النسبة لا تعكس الرقم الحقيقي للحالات كافة، لاسيما أن الكثير من هذه القضايا يُتجنب الإبلاغ عنها كونها تعدّ وصمة اجتماعية، ما يدفع البعض إلى حلّها خارج الإطار الرسمي،” لافتًا إلى أن “النسبة التقديرية الحقيقية قد تتراوح بين 15 و20 في المئة من مجموع حالات العنف الأسري.”

وأشار إلى أن “العنف ضد الأزواج يتخذ عدة صور، منها عنف الأبناء ضد آبائهم، أو عنف الزوجة أو أقربائها ضد الزوج، وهناك أسباب متعددة تؤدي إلى هذا النوع من العنف،” موضحًا أن “بعض هذه القضايا يتم حسمها بالتراضي داخل مراكز الشرطة، بينما تُحال قضايا أخرى إلى المحاكم المختصة للفصل فيها وفق القوانين النافذة.”

ويتعامل القانون العراقي مع قضية الاعتداء على الرجل وفقاً للقوانين ذاتها التي حاسب عليها الرجل عند الاعتداء على زوجته أو ابنته أو غير ذلك، وبالتالي لا يوجد قانون متخصص يحاسب الرجل والمرأة كلّ على حدة.

وكان مجلس الوزراء العراقي قد أقرّ في أكتوبر عام 2020 مشروع قانون “مناهضة العنف الأسري”، ومرّره إلى البرلمان، لكن القانون لم يشرّع حتى الآن بسبب معارضته من قبل جهات سياسية في البرلمان، وخصوصاً تلك المنتمية إلى الأحزاب الدينية التي ترى أن فيه “مخالفة” للشريعة الإسلامية وأنه سيؤدي إلى حدوث تفكك أسري.

وتحدث المحامي المتخصص في شؤون الأسرة محمد جمعة عن تصاعد مظاهر العنف في المجتمع العراقي خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن المجتمع بات يتسم بمستوى غير مسبوق من الجرأة على ارتكاب الجرائم والعنف الأسري.

وأضاف جمعة أن “هذه المؤشرات المقلقة ترتبط بمجموعة من العوامل، أبرزها ضعف سلطة الدولة، وهيمنة العشيرة والقبيلة على حساب القانون، وغياب الثقة بنظام العدالة.”

ظاهرة للملاحظة
ظاهرة للملاحظة

ووفقاً لحديث جمعة، فإن العنف أصبح وسيلة رئيسية لحل النزاعات في ظل هذا التحول الخطير، حيث تسجل المحاكم والمراكز القضائية يومياً حالات تتجاوز ما كان مألوفا في السابق من جرائم وتعنيف بين أفراد الأسرة وحتى بين أفراد المجتمع بصفة عامة، مضيفا أنه “منذ سنوات لم نشهد مثل هذه الجرأة على ارتكاب الجرائم.”

ويشير المحامي العراقي إلى أن تأثير العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع العراقي زاد من تعقيد ظاهرة العنف، حيث يواجه الكثير من الضحايا تحديات في التبليغ عن تعرضهم للعنف، وخاصة الرجال الذين غالباً ما يتجنبون الإفصاح خوفاً من تأثير ذلك على مكانتهم الاجتماعية، مؤكدا أن “بعض الحالات تُسجل بشكل مضلل، حيث يقدم الطرف المعتدي بلاغا كاذبا لتجنب تبعات الشكوى المقدمة ضده، ما يؤدي إلى تشويه الإحصائيات وعدم دقتها.”

وتابع أن “ما يتم الإبلاغ عنه من حالات تعنيف ضد الرجال غالباً ما يكون نتيجة رد فعل على شكوى مقدمة من الزوجة، إذ يسعى الزوج المعتدي لتقديم دعوى مضادة لتخفيف المسؤولية القانونية عنه،” مبينا أن “هذه الممارسات تؤدي إلى ضبابية في فهم الظاهرة، وإلى تزايد حالات التعنيف غير المبلغ عنها.”

وبحسب دراسة أجرتها الحكومة العراقية خلال العام الماضي، فإن عدد الإناث اللواتي تعرضن للعنف الأُسري أعلى من عدد الذكور، فقد كانت نسبة الاعتداء على الإناث 73 في المئة، فيما بلغت نسبة الذكور المتعرضين للعنف الأسري 27 في المئة ضمن إحصائيات الدعاوى المسجلة.

وتخلص الدراسة إلى أن أكثر أنواع العنف شيوعا هو العنف الجسدي، وقد بلغت نسبته 43 في المئة، بينما مثّل الاعتداء الجنسي أقل نسبة حيث بلغ 16 في المئة.

ويرى كريم سعيد محمد، الباحث الاجتماعي في المنظمة، أن الثورة المعلوماتية ساهمت في إدخال عادات سيئة على المجتمع، ما ساهم في نشر ثقافة العنف ضد الرجال.

15