صادرات الأسلحة الروسية تتأهب للانتعاش مجددًا في الشرق الأوسط

دول المنطقة لا تزال تبدي اهتماما ملموسا بالأسلحة الروسية.
السبت 2025/06/14
قاعدة صناعية دفاعية قوية موجهة نحو التصدير

موسكو - رغم أن الحرب في أوكرانيا شكلت ضربة قاسية لصادرات الأسلحة الروسية، إلا أن هذا التراجع لم يُلغِ مكانة موسكو في الحسابات الدفاعية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل علّقها مؤقتًا بانتظار تغير موازين المشهد الدولي.

وبينما تستمر موسكو في تعزيز قدراتها الصناعية العسكرية، مدفوعة بتجربة حرب ميدانية طويلة، تبدو بعض العواصم الإقليمية مستعدة لإعادة تفعيل علاقاتها الدفاعية مع روسيا فور بروز مؤشرات على نهاية الحرب أو تخفيف العقوبات الغربية.

ومع أن الولايات المتحدة قد ترى في تراجع موسكو فرصة لتوسيع نفوذها، إلا أن مؤشرات الأسواق وشبكات العلاقات القديمة توحي بأن عودة روسيا إلى الساحة الدفاعية ليست سوى مسألة توقيت.

الشرق الأوسط لا يزال مهتما بالأسلحة الروسية

قبل غزو أوكرانيا في عام 2022 كانت موسكو تحتل المرتبة الثانية بين أكبر مورّدي الأسلحة إلى الشرق الأوسط، غير أنها باتت الآن في المرتبة الثالثة.

تراجع الصادرات لم يُلغِ مكانة موسكو في الحسابات الدفاعية لدول الشرق الأوسط بل علّقها مؤقتًا بانتظار تغير موازين المشهد الدولي

وقد واجهت روسيا عددا من القيود التي أثّرت في قدرتها على تصدير الأسلحة، من بينها العقوبات الغربية والرقابة على الصادرات واستبعادها من نظام الدفع الدولي “سويفت”، فضلاً عن تحول أولوياتها الداخلية نحو دعم قواتها في أوكرانيا.

ونتيجة لذلك، وفي ظل منطقة تشهد في الأساس تنوعاً في مصادر شراء الأسلحة من قوى دولية متعددة، باتت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتجه بشكل متزايد نحو البحث عن مورّدين بدلاء للتجهيزات الدفاعية المصنوعة في روسيا. كما أسهم سقوط نظام بشار الأسد في سوريا خلال ديسمبر الماضي في تراجع مبيعات الأسلحة الروسية في المنطقة.

وترى الباحثة آنا بورشفسكايا في تقرير نشره معهد واشنطن أنه مع ذلك لا تزال دول المنطقة تبدي اهتماما ملموسا بالأسلحة الروسية.

ويُشير عدد من كبار المسؤولين في المنطقة إلى أن العقوبات الغربية وعجز روسيا عن تنفيذ العقود القائمة هما السبب الرئيسي وراء انخفاض صادراتها من الأسلحة.

وبعبارة أخرى، لم ينخفض الطلب على الأسلحة الروسية، وقد يرى البعض أن أداء هذه الأسلحة كان ضعيفا في أوكرانيا، غير أن الأنظمة التي تُصدّرها روسيا إلى المنطقة -وخصوصا الطائرات ومحركات الطائرات والصواريخ- لا تزال تشتغل بشكل جيد، أو على الأقل بما يتناسب مع كلفتها.

صناعات لا تزال قوية

مؤشرات الأسواق وشبكات العلاقات القديمة توحي بأن عودة روسيا إلى الساحة الدفاعية ليست سوى مسألة توقيت

يُوجَّه الاقتصاد الروسي بالكامل في الوقت الراهن نحو الإنتاج العسكري. ويُقِر المسؤولون الغربيون، في الأوساط الخاصة، بأن روسيا تُنتج حالياً ذخائر أكثر من مجموع ما تنتجه جميع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وعلى مدى العامين الماضيين أنشأت الصناعات الدفاعية الروسية سلاسل إمداد جديدة بالكامل بهدف تجاوز العقوبات خلال فترة الصراع. فقد وجهت روسيا إنتاجها إلى الداخل، واستعانت بمقاولين من الباطن في الصين لزيادة إنتاج الطائرات المسيرة والذخائر الموجهة بدقة، مثل “جيران 2” و”جيران 3″، التي تُهاجم أوكرانيا الآن بالمئات يوميا.

ورغم أن العقوبات ألحقت ضررا بالاقتصاد الروسي، إلا أنها لم تكن كافية لدفع الكرملين إلى تقديم تنازلات تنهي الحرب.

ويستمر تدريب الجنود الروس على خطوط القتال وتزويدهم بالمعدات، بدعم من مجموعة واسعة من معدات الاتصالات، كما تتم حمايتهم من هجمات الطائرات المسيرة باستخدام أنظمة الحرب الإلكترونية.

ولا تزال غالبية القوات المسلحة الروسية بمنأى نسبيا عن المشاركة المباشرة في القتال، وقد استخلصت دروسا ثمينة -وإن كانت باهظة الثمن- من الحملة العسكرية، يُرجّح أن تُطبَّق في الحروب المستقبلية.

وعلى الرغم من خسارة أو تضرّر نحو نصف الأسطول الروسي في البحر الأسود، فإن البحرية الروسية لا تزال تحتفظ بقدراتها العملياتية، بل تواصل إنتاج سفن جديدة وتحديث أسطولها حتى في خضم الصراع القائم.

تقديم المزيد

الأنظمة التي تُصدّرها روسيا إلى المنطقة -وخصوصا الطائرات ومحركات الطائرات والصواريخ- لا تزال تشتغل بشكل جيد، أو على الأقل بما يتناسب مع كلفتها

تتمتع روسيا بفرصة حقيقية للخروج من الحرب في أوكرانيا بينما تمتلك مجموعة أوسع من العروض للمشترين المحتملين للأسلحة في الشرق الأوسط، مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع النزاع. كما ستحظى بقاعدة صناعية دفاعية قوية موجهة نحو التصدير.

وفي سيناريو ما بعد الحرب، من المرجح أن تصبح روسيا واحدة من الدول الرائدة عالمياً في مجال الطائرات المسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه والذخائر عالية الدقة، بفضل صناعتها الدفاعية الآخذة في النمو، وتعطشها لعقود تسليح جديدة في الخارج بعد سنوات من الحرب المستمرة، وما صاحبها من توسع في قطاع الدفاع لتعزيز الطاقة الإنتاجية.

وعلاوة على ذلك لن يستمر التراجع في مبيعات الأسلحة الروسية على الصعيد العالمي بمجرد انتهاء القتال أو توقفه مؤقتا. وبناءً على معدلات الإنتاج خلال العامين الماضيين من الحرب، أصبحت قاعدة الصناعة الدفاعية الروسية أقوى، وهي الآن قادرة على إنتاج أنظمة أسلحة معينة بمعدلات أعلى مما كانت عليه قبل الحرب، مع تطوير أنواع جديدة تماما من الأسلحة لدعم العمليات العسكرية الروسية.

وعلى سبيل المثال أصبحت روسيا الآن تنتج صواريخ أكثر مما كانت تنتجه قبل الحرب، وكذلك دبابات بأعداد تفوق تلك التي تُستخدم في القتال. كما قامت روسيا بتحويل الطائرات المسيّرة الإيرانية أحادية الاتجاه إلى طائرات “جران 2” والآن “جران 3” بسرعة فائقة.

وعلاوة على ذلك يتم تعديل مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة الروسية التي فشلت خلال المراحل الأولى من الحرب بشكل مستمر، بهدف تحسين فاعليتها في القتال.

وقد لاحظ المشترون المحتملون للأسلحة في المنطقة ذلك بوضوح، حيث تواصل الكثير من الدول الأفريقية دراسة توسيع علاقاتها مع روسيا، فيما ستظل دول مثل الجزائر تعتمد على روسيا لصيانة معداتها العسكرية المزودة روسيّا إلى حد كبير. كما أدت التحسينات الأخيرة في العلاقة بين روسيا وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان إلى تمكين روسيا من الحفاظ على موطئ قدم لها في السودان.

ووفقا للتقارير فإن روسيا تحقق هدفها المنشود منذ فترة طويلة، وهو إنشاء ميناء بحري على البحر الأحمر. كما تشير التقارير إلى أن ليبيا تمثل هدفا لروسيا كي تحل محل قاعدتها البحرية في البحر الأبيض المتوسط، التي تقع في سوريا.

رد واشنطن المحتمل

رغم أن العقوبات ألحقت ضررا بالاقتصاد الروسي، إلا أنها لم تكن كافية لدفع الكرملين إلى تقديم تنازلات تنهي الحرب

توفر اللحظة الراهنة فرصة حقيقية للولايات المتحدة، في ظلّ تعزّز موقع أوكرانيا في مواجهة روسيا في المنطقة. قبل الحرب كانت الصناعة العسكرية الأوكرانية بلا شك أكثر البدائل تنافسية لمصادر الأسلحة الروسية على الصعيد العالمي. وكما هو الحال مع روسيا، من المرجح أن تخرج أوكرانيا من الحرب وهي تمتلك واحدة من أكثر الصناعات الدفاعية تطورًا وابتكارًا في أوروبا، إلى جانب خبرة واسعة في تحديث وصيانة المعدات الروسية.

وبفضل الاستثمارات الأوروبية والأميركية، يُتوقع أن تعزز أوكرانيا قدراتها الإنتاجية وتوسّع قاعدتها التكنولوجية في مجال التصنيع العسكري.

أما الدول التي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الروسية لكنها مترددة في إعادة بناء علاقاتها مع موسكو، فبإمكانها الاعتماد على أوكرانيا كبديل جاهز، يوفر حلولًا أقل تعقيدًا من حيث المتطلبات التنظيمية وقيود الرقابة المفروضة على استيراد المعدات الغربية.

ومن المؤكد أن الكرملين لا يُبدي أي اهتمام بإنهاء الحرب، وأن الأوكرانيين لن يستسلموا بسهولة، ومن غير المرجح أن تنتهي الحرب في أي وقت قريب.

ومع ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تتحرك الآن لتعزيز موقعها في أسواق الأسلحة في الشرق الأوسط من خلال تسهيل عمليات الدفع مقابل التكنولوجيا الأوكرانية، ومنع روسيا من تحقيق المزيد من الأرباح من صناعة أسلحتها.

وبسبب تكيف صناعة الدفاع الأميركية مع الثورة التكنولوجية العسكرية التي أحدثتها الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، لاسيما في مجال التكنولوجيا المتوسطة والمنخفضة، ينبغي أن تتمكن صناعة الدفاع الأميركية من منافسة الموردين الروس في الأسواق الأخرى. وبغض النظر عن مجريات الحرب في أوكرانيا، فإن اتخاذ خطوات الآن لمنافسة روسيا سيخدم مصالح الولايات المتحدة.

7