التبوريدة تجمع المجد والبارود في الرباط

هذه الفنون التقليدية المتوارثة جيلا بعد جيل توحد فئات اجتماعية مختلفة في أجواء احتفالية، كما تسلط الضوء على التنوع الذي يميز مختلف جهات المغرب.
الأربعاء 2025/06/04
خيول ومكاحل في عرض مبهر

في أجواء احتفالية تجمع بين البارود والتراث، تُوجت سربة المقدم رشيد سيكاس بجائزة الحسن الثاني للتبوريدة، وتميز الحدث أيضا بعرض فني عالمي للفارس الفرنسي لورينزو، الذي أضفى لمسة استثنائية على مهرجان الفروسية التقليدية بدار السلام في الرباط.

الرباط ـ فازت سربة المقدم رشيد سيكاس، عن جهة الدار البيضاء – سطات، الأحد بدار السلام في الرباط، بالدورة الرابعة والعشرين لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية “التبوريدة”، برسم بطولة المغرب لفئة الكبار، المنظمة خلال الفترة الممتدة من السادس والعشرين من مايو إلى الأول من يونيو.

وقد ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة برياضة الفروسية التقليدية من خلال تنظيم مسابقات جهوية ووطنية تقام سنويا لاختيار أفضل “السربات”، وأفضل فارس، وأفضل فرس، وأفضل زي تقليدي، مع تخصيص جوائز مالية للمشاركين تشجيعا على الإقبال على ممارسة هذه الرياضة المتجذرة في الثقافة المغربية، والتي تُعد جزءا من أصالة المملكة وتاريخها العريق.

وتمكن الجمهور، خلال هذه النسخة، ولأول مرة بالرباط، من متابعة عروض الفروسية الدولية التي قدّمها الفنان الفرنسي الشهير لورينزو، يومي السبت (31 مايو) والأحد (1 يونيو)، ما أضفى بعدا فنيا مميزا على هذه الدورة.

وتوحد هذه الفنون التقليدية المتوارثة جيلا بعد جيل فئات اجتماعية مختلفة في أجواء احتفالية، كما تسلط الضوء على التنوع الذي يميز مختلف جهات المغرب من حيث الحرف التقليدية وفنون الفروسية.

ويضم المغرب حاليا أكثر من 300 فرقة للفروسية التقليدية (التبوريدة)، منضوية تحت لواء الجامعة الملكية المغربية للفروسية، وتتوفر على نحو 5900 فرس مخصصة لهذه الفنون.

pp

وتتضمن منافسات الفروسية التقليدية عروضا تقدمها السربات التي تتألف كل واحدة منها من 14 فارسا وفرسا، إضافة إلى “المقدم”، وتُنفّذ بمنتهى الانضباط والدقة. ويتولى “المقدم”، الذي يكون غالبا أكبر الفرسان سنا، مهمة تنظيم الفرقة وتحفيز فرسانها.

ويستعرض “المقدم” أو “العلام”، قبل كل محاولة، فرسانه ويشجعهم بترديد أسمائهم، ثم تدخل المجموعة إلى ساحة العرض وتبدأ بتحية الجمهور (الهدة أو التشويرة). إثر ذلك، يعود الفرسان إلى نقطة الانطلاقة، حيث يصطفون في خط مستقيم بانتظار إشارة “المقدم”، لتنطلق الخيول في عرض جماعي بديع يظهر من خلاله الفرسان مهاراتهم في السيطرة على الخيول والمحافظة على انتظام الصف، إضافة إلى الحركات التي يؤدونها باستخدام بنادقهم، حيث يُطلب منهم إطلاق النار دفعة واحدة بمجرد إعطاء الإشارة، إذ يُعدّ تزامن الطلقات وانسجامها شرطا أساسيا لنجاح “التبوريدة”، أو ما يُعرف أيضا بـ”الطلقة” أو “التخريجة”.

وتُقيَّم السربات وفق معايير محددة من قِبل لجنة تحكيم تابعة للجامعة الملكية المغربية للفروسية، تأخذ بعين الاعتبار الأداء الجماعي تحت قيادة “المقدم”، والتعبير الحركي، والتطابق الحركي، والانضباط، وتوحيد حركة البنادق، وتزامن الطلقات، ووحدة اللباس والسروج.

وتقوم فلسفة “التعبير” في هذه الرياضة على جودة أداء الفرق المتبارية، كلّ حسب تقاليده وانتمائه الجهوي أو القبلي، مع الأخذ بعين الاعتبار درجة التنسيق بين الفرسان، ومستوى التواصل، والسيطرة على الجواد، بالإضافة إلى أسلوب الركوب والمظهر العام للفارس وحصانه.

ويحرص الفرسان على ارتداء الزي التقليدي المكوّن من الجلابة، والسلهام، والعمامة، والسروال الفضفاض، ويتمنطقون بالخنجر المعروف بـ”الكمية”، وينتعلون حذاءً تقليديا عالي الساق. أما السلاح المستخدم في فنون الفروسية التقليدية فهو البندقية المعروفة بـ”المكحلة”، والمزينة بنقوش وخطوط متعرجة، فيما تُزين السروج بزخارف مستمدة من التراث المغربي، يصممها صناع تقليديون مهرة.

وقد تمكنت سربة المقدم رشيد سيكاس، حاملة لقب النسخة الماضية، من الحفاظ عليه هذا العام، متقدمة على سربة المقدم المهدي أنجار، عن جهة مراكش – آسفي، التي أحرزت الميدالية الفضية، فيما عادت الميدالية البرونزية إلى سربة المقدم دحمان حسناوي، عن جهة الشرق (عمالة وجدة أنكاد).

وشاركت في الدور الأول من منافسات فئة الكبار 18 سربة، على مدى أربعة أيام، تأهلت منها عشر سربات إلى الأدوار النهائية. أما في فئة الشبان (12 – 16 سنة)، فقد شاركت سبع سربات، تأهلت منها خمس إلى المرحلة النهائية.

pp

وقدّم الفنان الفرنسي الشهير لورينزو عرضا فنيا استثنائيا السبت بدار السلام في الرباط، في إطار الدورة الرابعة والعشرين لجائزة الحسن الثاني للتبوريدة. واشتهر لورينزو بعروضه التي تتحدى قوانين الجاذبية، حيث قدّم لوحات بهلوانية رائعة جمعت بين التوازن والرشاقة، أبهرت الحاضرين من عشاق الفروسية.

وتألقت خيوله العشرة، السوداء والبيضاء، التي أدى بها العرض من دون لجام، في مشاهد عكست انسجاما تاما بين الفارس وجياده، من أبرزها استعراضه واقفا على صهوة جوادين، ملوّحا بالعلم الوطني المغربي بكلتا يديه.

وقد سبق للورينزو أن شارك في النسخة الأولى من معرض الفرس بالجديدة سنة 2008، ومنذ ذلك الحين، جاب مختلف أنحاء العالم، مشاركا في بطولات دولية مرموقة مثل دورة الألعاب العالمية للفروسية وبطولة العالم للتحمل.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال لورينزو “العرض كان رائعا، واستمتعت كثيرا أمام جمهور مغربي يعشق الفروسية. الحلبة والفضاء كانا مناسبين تماما لهذا النوع من العروض.” وأضاف أن المغرب يولي أهمية كبرى لتربية الخيول والحفاظ على تقاليده العريقة، مشددا على ضرورة نقل هذا الموروث من جيل إلى آخر.

18