مبادرة أميركية لإدماج إيران في معادلة نووية إقليمية شاملة

التحول الأميركي في نهج التفاوض يختبر نوايا إيران النووية.
الاثنين 2025/06/02
مقترح أكثر واقعية يزيد الضغوط على طهران

في خضم تصاعد القلق الدولي من تسارع البرنامج النووي الإيراني، طرحت واشنطن مقترحا جديدا يربط بين وقف تخصيب اليورانيوم وإنشاء تجمّع إقليمي للطاقة النووية يضم إيران ودولا عربية، في محاولة لإعادة الزخم للمسار التفاوضي ضمن مقاربة أكثر واقعية. المقترح يعكس تحولا في نهج التفاوض الأميركي ويضع طهران أمام اختبار جديد لجدية نواياها النووية.

واشنطن - يضع مقترح أميركي بإنشاء تجمع إقليمي لإنتاج الطاقة النووية يضم إيران والمملكة العربية السعودية ودولا عربية أخرى مقابل وقف طهران أنشطة تخصيب اليورانيوم، الملف النووي الإيراني مجددا في دائرة الترقب الدولي.

ويرى محللون أن المقترح الأميركي يوازن بين تطلعات إيران الإستراتيجية وهواجس المجتمع الدولي، ما يزيد من الضغوط الإقليمية والدولية على طهران.

ويشير المحللون إلى أن رفض طهران المحتمل للمقترح الأميركي يزيد من التشكيك في نواياها خاصة وأنها تؤكد دائما أن برنامجها النووي لأغراض سلمية وهو ما يوفره المقترح الأميركي.

ووصف البيت الأبيض المقترح بـ”المفصل” و”المقبول”، داعيا إيران إلى قبوله باعتباره “من مصلحتها”.

وبحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز، فإن المقترح الأميركي لا يتضمن مسودة اتفاق شاملة، بل يقدم سلسلة نقاط مختصرة، تدعو بالأساس إلى وقف تخصيب اليورانيوم، مقابل إدماج إيران في إطار إقليمي مشترك لإنتاج الطاقة النووية، يضم السعودية ودولا عربية أخرى، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.

وفي توقيت حساس أمنيا وإستراتيجيا، يبدو أن واشنطن تراهن على خلق معادلة “الطاقة مقابل التجميد النووي”، بدلا من العودة الميكانيكية إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

المقترح الأميركي يوازن بين تطلعات إيران الإستراتيجية وهواجس المجتمع الدولي، ما يزيد من الضغوط الإقليمية والدولية على طهران

ويأتي العرض الأميركي غداة تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أشار إلى تسريع إيران لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، وهو ما يُنذر باقتراب طهران أكثر من العتبة الحرجة لإنتاج سلاح نووي، وهو السيناريو الذي ترفضه الولايات المتحدة وإسرائيل تماما وتعتبرانه خطا أحمر.

وفي المقابل، حاول وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي التقليل من احتمالية التصعيد، مؤكدا أن “السلاح النووي غير مقبول”، ما يكرر الخطاب الإيراني التقليدي حول سلمية البرنامج، لكنه لا يُقنع العواصم الغربية التي تعتبر مستويات التخصيب المرتفعة خارجة عن نطاق الاستخدام المدني.

ويأتي هذا التطور ضمن سلسلة مباحثات سرية انطلقت منذ أبريل الماضي، بوساطة سلطنة عُمان، الحليف الدبلوماسي الهادئ لكلا الطرفين.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن خمس جولات من النقاش قد عُقدت حتى الآن دون الإعلان عن أي تقدم حاسم، مما يعكس عمق الخلافات وعدم الثقة المتبادل. لكن الإعلان الأميركي الأخير يوحي بأن واشنطن باتت مستعدة للمجازفة بإعادة تشكيل المعادلة التفاوضية من خلال مقترح “أكثر واقعية”، لا يطالب بالعودة الكاملة إلى الاتفاق السابق، بل يعرض ترتيبات تقنية واقتصادية قد تكون مغرية لإيران التي تواجه ضغوطا اقتصادية داخلية متفاقمة.

ومع ذلك، يبرز سؤال مركزي: هل ترغب إيران بالفعل في التوصل إلى اتفاق جديد؟ في الظاهر، تُبقي طهران على خطاب مزدوج: فهي من جهة تُصر على الطابع السلمي لبرنامجها النووي وترفض السلاح الذري علنا، ومن جهة أخرى تواصل رفع مستوى التخصيب وتوسيع قدراتها التقنية، ما يمنحها ورقة ضغط تفاوضية ثمينة، ويتيح لها الاقتراب التدريجي من “العتبة النووية” دون اجتيازها صراحة.

الاقتراح الأميركي لا يمكن فصله عن ديناميات الردع، وتوازنات القوى في الشرق الأوسط

ولا يبدو أن التحرك الأميركي منفصل عن المتغيرات الإقليمية، خصوصا مع عودة الحديث عن تعاون نووي سلمي بين دول الخليج والولايات المتحدة، وسط جهود لبناء توازنات أمنية جديدة بعد سنوات من التوترات في الخليج واليمن وسوريا.

وتعدّ دعوة واشنطن لإنشاء “تجمّع إقليمي نووي” بمشاركة إيران والسعودية مبادرة غير مسبوقة، لكنها تبدو حتى اللحظة أقرب إلى الطرح النظري منها إلى مشروع سياسي واقعي، في ظل الشكوك العميقة وانعدام الثقة بين طهران وجيرانها العرب.

ويشكل المقترح الأميركي محاولة لإعادة توجيه المفاوضات النووية نحو مقاربة أكثر براغماتية، لكنه لا يخلو من الطابع التكتيكي.

وقد يكون الهدف منه اختبار نوايا طهران أو الضغط عليها دبلوماسيا، أكثر من كونه خطة جاهزة للتنفيذ.

وبينما تواصل إيران استثمار الزمن في بناء نفوذها النووي، تسابق واشنطن الزمن لاحتواء الأزمة قبل أن تنزلق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة أو سباق تسلح جديد.

وما بين “الاقتراح المقبول” و”السلاح غير المقبول”، تظل معادلة الردع والغموض النووي قائمة، بانتظار قرار سياسي لا يبدو قريبا.

وتعود جذور الملف النووي الإيراني إلى أوائل العقد الأول من الألفية، حين بدأت إيران بتطوير قدراتها النووية بشكل أثار قلق المجتمع الدولي، خصوصا بعد الكشف عن منشآت نووية غير معلنة مثل نطنز وأراك.

واشنطن تسعى من خلال المقترح لتقليل احتمالات التصعيد العسكري دون تقديم تنازلات كبرى

ومنذ ذلك الحين، بات البرنامج النووي محط تجاذب بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الكبرى، مع اتساع الشكوك حول وجود بُعد عسكري خفي في مساعي إيران النووية، رغم نفيها المتكرر لذلك.

وشكل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، المعروف رسميا بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، محطة بارزة في هذا المسار، إذ التزمت طهران حينها بتقييد أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. إلا أن الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق في 2018، أعاد الملف إلى مربع التوتر، ودفع إيران إلى التراجع التدريجي عن التزاماتها، بما في ذلك زيادة نسبة التخصيب وتوسيع قدرات الطرد المركزي.

ومنذ ذلك الحين، فشلت محاولات عديدة لإعادة إحياء الاتفاق، رغم الوساطات الأوروبية والضغوط الدولية. ومع تسارع وتيرة التخصيب، باتت إيران على مسافة قصيرة فنيا من بلوغ “العتبة النووية”، أي القدرة على إنتاج سلاح نووي خلال فترة زمنية قصيرة إذا قررت ذلك، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة وإسرائيل تهديدا استراتيجيا مباشرا.

وفي المقابل، استخدمت طهران هذا التقدم النووي كورقة ضغط في المفاوضات، بالتوازي مع تعزيز نفوذها الإقليمي عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ما زاد من تعقيد المشهد.

ولعبت سلطنة عمان دور الوسيط الهادئ بين الطرفين، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع واشنطن وطهران على حد سواء. وسبق أن ساهمت مسقط في هندسة المفاوضات التي أدت إلى اتفاق 2015، وتواصل اليوم هذا الدور في محاولات لردم الفجوة بين الطرفين. كما تتزامن هذه التطورات مع مساع أميركية لتعزيز التعاون النووي السلمي مع دول الخليج، في سياق مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد، وبناء منظومات ردع جماعية جديدة.

ويقول خبراء إن الاقتراح الأميركي لا يمكن فصله عن ديناميات الردع، وتوازنات القوى في الشرق الأوسط، حيث تحاول واشنطن تقليل احتمالات التصعيد العسكري، دون تقديم تنازلات كبرى، بينما تراهن طهران على استمرار الزمن لصالحها، وهي تراكم أدوات الضغط في انتظار لحظة تفاوض قد تسمح لها بانتزاع مكاسب أوسع، دون التخلي فعليا عن طموحها النووي طويل الأمد.

6