الواقع الجديد يفرض إعادة التفكير في مهمة اليونيفيل جنوب لبنان

قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان عبء بيروقراطي يفتقر للقدرة على التأثير الحقيقي.
الاثنين 2025/06/02
وقت الجمود انتهى

بيروت - سيواجه مجلس الأمن الدولي خلال شهر أغسطس المقبل لحظة مفصلية تتعلق بمصير قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). فبعد سنوات من التمديد الروتيني لولايتها، دون أي مراجعة جوهرية لدورها أو فاعليتها، يفرض الواقع الأمني والسياسي الجديد في لبنان ضرورة إعادة النظر في هذه المهمة، التي تحولت بمرور الوقت من أداة لحفظ السلام إلى عبء بيروقراطي يفتقر للقدرة على التأثير الحقيقي.

ويرى الباحث أساف أوريون في تقرير نشره معهد واشنطن أنه نظراً للتغييرات الدراماتيكية داخل لبنان، يجب ألا تؤدي هذه المناقشة إلى مجرد تمديد آخر غير معدل يتبع المسار المعتاد للراحة الدبلوماسية وعدم الصلة التشغيلية والفشل الإستراتيجي. ويضيف ” لقد حان الوقت لليونيفيل.. إما أن تتكيف أو تُحل.”

وفي 8 أكتوبر 2023 -بعد يوم واحد من هجوم حماس على إسرائيل- بدأ حزب الله حملته الخاصة من الهجمات واسعة النطاق على إسرائيل. ودمرت الثلاثة عشر شهراً التالية من الحرب كلا جانبي “الخط الأزرق” الفاصل بين إسرائيل ولبنان، وكشفت قيود اليونيفيل في العملية.

ودمر الهجوم الإسرائيلي في خريف 2024 أفراد حزب الله وأسلحتهم، ما أدى إلى وقفٍ لإطلاق النار في 27 نوفمبر مدعوم بآلية مراقبة وإنفاذ دولية بقيادة الولايات المتحدة شملت إسرائيل ولبنان وفرنسا.

وفي بداية 2025 أعلن رئيس لبنان المنتخب حديثا جوزيف عون احتكار الحكومة للسلاح كسياسة وطنية.

وبعد ذلك، وبدعم من آلية الإنفاذ واليونيفيل، نشر الجيش اللبناني في الجنوب وبدأ بتفكيك مواقع حزب الله، ويبدو أن ذلك تم بموافقة ضمنية من الجماعة.

الواقع الجديد يفرض إما إعادة هيكلة اليونيفيل أو إنهاء مهمتها لصالح نموذج يقوده الجيش اللبناني بدعم دولي

وبمجرد تدمير البنية التحتية لـحزب الله القريبة من الحدود بشكل شامل، انسحبت قوات الدفاع الإسرائيلية تدريجيا من جميع المواقع باستثناء خمسة مواقع متقدمة على الجانب اللبناني من الحدود، رغم أن الوحدات الجوية الإسرائيلية استمرت في ضرب المجموعة.

وقُتل حوالي 170 عضواً من حزب الله منذ وقف إطلاق النار. وحتى الآن امتنعت المجموعة عن الرد بالضرب. كما بدأ لبنان نزع سلاح الفصائل الفلسطينية المحلية من خلال الحوار مع السلطة الفلسطينية وحماس.

وأعادت هذه التطورات تشكيل المشهد الأمني وخلقت زخماً نادراً لإنفاذ قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1701 (2006) و1559 (2004)، اللذين سعيا لتعزيز السيادة اللبنانية من خلال تراجع وجود حزب الله في الجنوب، وفي النهاية نزع سلاح الميليشيات في جميع أنحاء البلاد.

واعتمد النظام الأمني المؤسس بعد حرب 2006 على الحكومة والجيش اللبنانييْن لمنع حرب أخرى بدعم من اليونيفيل.

وعلى مر السنين رفض حزب الله كلاً من هؤلاء الفاعلين وحيّد هذا النظام. وأدت الحرب الأخيرة إلى هندسة أمنية جديدة تعتمد مرة أخرى على الجيش اللبناني بدعم من اليونيفيل ولكن هذه المرة معززة بمراقبة أميركية محورية وإنفاذ عسكري إسرائيلي عدواني ضد انتهاكات حزب الله.

ومن خلال الجمع بين الجهود الدبلوماسية وقيادة القيادة المركزية الأميركية، نشط الدور الأميركي الجيش اللبناني وسمح بتعزيز كبير للاتصالات الإسرائيلية – اللبنانية، بينما تراجع دور اليونيفيل كقوة وساطة.

واعتبارا من أواخر أبريل أفاد الجيش اللبناني بأنه داهم أكثر من 500 موقع لـحزب الله وفكك أكثر من 90 في المئة من البنية التحتية الجنوبية للمجموعة.

وبحلول منتصف مايو أفادت اليونيفيل بأن حفظة السلام وجدوا أكثر من 225 مخبأ أسلحة وأحالوها إلى الجيش اللبناني.

البدائل الإستراتيجية

لحظة مفصلية
لحظة مفصلية 

تتمثل مشكلة اليونيفيل في عدم التطابق الإستراتيجي بين مهمتها المعلنة وولايتها وحجمها وطريقة عملها.

وحتى عندما وسع القرار 1701 القوة ستة أضعاف للتعويض عن نواقص قدرة الجيش اللبناني في ذلك الوقت، افتقرت بيروت والأمم المتحدة إلى الإرادة السياسية لمواجهة انتشار حزب الله العسكري الضخم جنوب نهر الليطاني.

وعلى مدى سنوات بعد ذلك وحتى في الوقت الحاضر أثبتت آلاف دوريات اليونيفيل عدم جدواها حيث مُنعت من الوصول إلى المناطق الحساسة وتعرضت للمضايقة من حزب الله ومؤيديه، الذين عملوا فعليا بحصانة.

وعلى الرغم من وجود عيون كثيرة على الأرض، أساءت اليونيفيل تماما تمثيل تراكم حزب الله الهائل في منطقة مسؤولية القوة.

واليوم تبقى اليونيفيل كيانا غير فعال بميزانية سنوية منتفخة تبلغ 500 مليون دولار وحجم قوة متضخم يؤدي القليل من ذي القيمة (يُجسد ذلك قيام القوات بأنشطة خارج ولايتها بكثير، مثل تطعيم الماشية).

ومع ذلك، أظهرت بعض العناصر الجديرة بالمهمة على مر السنين. والأهم أنها خدمت كحلقة وصل وساعدت في تخفيف الاحتكاك بين الجيش اللبناني وقوات الدفاع الإسرائيلية، خاصة عبر الاجتماعات الثلاثية التي استضافتها بعد 2006 (رغم أن هذه انتهت خلال الحرب الأخيرة وتم استبدالها في النهاية بآلية الإنفاذ بقيادة الولايات المتحدة). كما تدخلت اليونيفيل أحياناً لمنع التصعيد غير المبرر على طول الحدود قبل الحرب.

وفي ضوء هذه الخلفية ستتلخص مناقشات تجديد الولاية لـمجلس الأمن خلال أغسطس في ثلاثة خيارات:

- تمديد ولاية اليونيفيل دون تغيير: يبدو أن بيروت تفضل هذا المسار، وقد يؤيده بعض الأعضاء الدائمين في المجلس، لذا سيفوز هذا الخيار الافتراضي مرة أخرى ما لم تبذل الولايات المتحدة جهداً دبلوماسياً مصمماً لمراجعته أو الاعتراض عليه. ومع ذلك، فإن مواصلة هذا النهج المعطل ستؤدي فقط إلى إدامة أوجه قصور اليونيفيل وعدم فاعليتها من ناحية الكلفة بينما تتجاهل عقدين من الفشل، والأهم تفويت الفرص الإستراتيجية الجديدة التي خلقتها الحرب.

- صياغة “يونيفيل 3.0”: من خلال إعادة تنظيم ولاية وهيكل اليونيفيل بشكل جذري، يمكن لأعضاء المجلس تحسين مزايا القوة في البيئة الجديدة وفاعليتها العامة. وعلى مر السنين كان حجم اليونيفيل صغيراً يصل إلى 2000 جندي قبل أن يصل إلى 12500 خلال عصر “يونيفيل 2.0” بعد حرب 2006، ثم استقر حول 10000.
واليوم يمكن تعديل حجمها بأمان إلى 2500 جندي على أقصى تقدير، مع إجراء تعديلات مشروطة بمرور الوقت حسب الحاجة.

ويمكن بعد ذلك أن تتم إعادة تخصيص بعض الأموال والموارد المحفوظة بهذا النهج مباشرة للجيش اللبناني. وسيتطلب مثل هذا التصحيح للمسار وزناً دبلوماسياً جدياً ولكنه يستحق الجهد نظراً للمنافع الإستراتيجية والتشغيلية المحتملة.

- إنهاء المهمة: اليونيفيل هي، بحكم التعريف، قوة مؤقتة، والآن بعد أن بدت الحكومة والجيش اللبنانيين عازمين على تحمل المسؤولية وتنفيذ القرار 1701، يجب على المسؤولين أن يفكروا جدياً في إنهاء المهمة تماماً.

وحتى لو فشلت بيروت في احترام التزاماتها أو أنهت واشنطن دورها في آلية المراقبة، فإن غياب اليونيفيل سيكون له تأثير هامشي، ويمكن إيجاد بدائل (مثل استخدام مراقبي منظمة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة وقدرات الاتصال).

التصحيح

ماذا تحرسون
ماذا تحرسون

لأنه لا يمكن لأي جهد عسكري أن يدحر حزب الله بشكل دائم دون مساحة سياسية كافية، فإن التزام الحكومة اللبنانية بإقامة والحفاظ على احتكار السلاح أمر لا غنى عنه لنجاح أي خطط لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. فالجيش اللبناني هو حجر الزاوية في الهندسة الأمنية الحالية والمستقبلية للبنان.

ولذلك يجب أن يأخذ زمام المبادرة بينما تتراجع اليونيفيل تدريجياً. ويجب على الدول الأعضاء دعم بيروت والجيش اللبناني طالما يحترمان التزامات وقف إطلاق النار.
وإذا تقرر الإبقاء على مهمة اليونيفيل، فإن استمرارها لا يمكن أن يكون تكراراً للنموذج السابق، بل يجب أن يترافق مع حزمة من التعديلات الجوهرية التي تعيد تعريف دورها وتُعيد هيكلتها بما يتناسب مع المتغيرات الميدانية والسياسية.

وفي قلب هذا التحول المطلوب تبرز ضرورة إعادة تنظيم الولاية بشكل جذري، سواء من حيث المهام أو القدرات أو الحجم، بحيث يتم التركيز على الوظائف الحيوية ذات الصلة بالأمن والمراقبة والردع، لا على المهام الهامشية التي استنزفت مواردها دون فاعلية.

وتتطلب هذه المقاربة أن تُعاد هيكلة القوة لتضم مكونات أكثر تخصصاً، تشمل وحدات للقيادة والسيطرة والاتصال، فضلاً عن تفعيل وحدة مراقبة عسكرية ذات قدرات استخباراتية مستقلة، بعيدة عن الاختراق المحلي، لضمان تقديم صورة موضوعية ودقيقة عن الواقع الميداني في الجنوب. كما تبرز الحاجة إلى إنشاء قوة رد سريع -يمكن أن تشمل كتيبتين- جاهزة للتدخل الفوري في حال رُصدت خروقات أو تصعيد، إلى جانب فريق أمني صغير لأغراض الحماية، ووحدات مهنية تقنية (مثل فرق إزالة الألغام والتعامل مع المتفجرات) تُفعّل عند الحاجة، لا كجزء دائم غير فعال من الهيكل التشغيلي.

ولكي تكون هذه التعديلات فعالة لا بد أن تبادر الحكومة اللبنانية إلى منح الغطاء السياسي والقانوني اللازم لليـونيفيل، عبر طلب رسمي بتنفيذ القرار 1701 واتفاقية وقف إطلاق النار بكل ما يعنيه ذلك من حظر شامل على أي جهة غير حكومية في الجنوب من امتلاك أو استخدام السلاح. هذا التفويض لن يكون مجرد إجراء رمزي، بل يشكل حجر الزاوية في دعم الجهد الوطني لنزع سلاح حزب الله وتعزيز تطبيق القرار 1559، الذي ينص على حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. غير أن هذه المهمة تظل مشروطة برفع القيود الميدانية التي أعاقت فاعلية القوة الدولية لسنوات.

7