بريطانيا تنضم لقائمة القوى الغربية الداعمة لمغربية الصحراء

القرار البريطاني ضربة جديدة لجبهة البوليساريو وداعمتها الجزائر، التي تواجه عزلة متنامية في القارة الأوروبية، بسبب تمسكها بمواقف متصلبة وعاجزة عن مجاراة التحولات الجيوسياسية والدبلوماسية المتسارعة في ملف الصحراء.
الأحد 2025/06/01
الاعتراف البريطاني بمبادرة الحكم الذاتي يفتح آفاقا واعدة للتعاون الاقتصادي

الرباط - انضمت بريطانيا إلى قائمة الدول الغربية المؤثرة المؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، بعد فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، مُعلنة دعمها الصريح للمقترح المغربي كحل واقعي وذي مصداقية لإنهاء النزاع المفتعل بشأن الصحراء. هذا التطور السياسي البارز يعكس التحول المتزايد في مواقف العواصم الدولية الكبرى تجاه قضية الصحراء، ويعزز الدينامية الدبلوماسية التي تقودها الرباط بثبات وواقعية، مستندة إلى رؤية استراتيجية أرساها العاهل المغربي الملك محمد السادس. ويُعد الموقف البريطاني إضافة نوعية لمسار الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، لما للندن من ثقل سياسي ودبلوماسي في الساحة الأوروبية والدولية، خاصة أنها عضو دائم في مجلس الأمن وشريك أساسي للأمم المتحدة في قضايا الأمن والاستقرار العالمي.
وقال لامي اليوم الأحد إن المملكة المتحدة تعتبر مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب هو الأساس الأمثل لحل النزاع المتعلق بالصحراء المغربية.
وأضاف أن خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب تُمثل "الأساس الأكثر عملية ومصداقية وقابلية للتطبيق لحل دائم للنزاع".

بدوره اعتبر ناصر بوريطة أن هذا الموقف "تحول وتطور مهم لعضو في مجلس الأمن وإحدى الدول الصديقة للأمين العام للأمم المتحدة" قائلا "بريطانيا صوت مؤثر دوليا وأمميا"، ومبرزا أن "هذا الموقف له جوانب اقتصادية، حيث تدرس جهات استثمارية بريطانية ضخ استثمارات في الصحراء المغربية".
وتابع "هذه الدينامية لا يأخذها المغرب كتشريف أو محاولة للحفاظ على الوضع القائم أو راحة دبلوماسية؛ بل كعنصر للبحث عن حل للنزاع الذي طال أمده".
وأشار إلى أنه "توجد فرصة لإيجاد حل في إطار السيادة المغربية وفي إطار الحكم الذاتي، والعاهل المغربي الملك محمد السادس كان واضحا في ضرورة تحمل الأمم المتحدة وعدة أطراف لمسؤوليتها في إيجاد حل قابل للتفاوض؛ وبناء عليه، فإن موقف بريطانيا يساهم في دفع المسار الأممي لهذا الهدف".
وأبرز أن الملك محمد السادس بنى علاقات المغرب دوليا على أساس الوضوح، وسيعمل على ذلك مع بريطانيا.
ورغم وصف الموقف البريطاني بـ"التاريخي"، إلا أن متابعين يرون أن هذا التحول كان متوقعًا منذ شهور، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية البريطاني في أبريل/نيسان الماضي في البرلمان البريطاني، حين أكد وجود مشاورات معمقة مع الرباط بشأن قضية الصحراء، ردًا على سؤال من النائب المحافظ أندرو ميتشل، وزير الدولة السابق في الخارجية. كما أبدى وزير التجارة البريطاني دوغلاس ألكسندر في الفترة ذاتها انفتاحًا بخصوص تسهيل الاستثمارات البريطانية في الأقاليم الجنوبية، في تعبير صريح عن تغير جذري في المقاربة البريطانية تجاه هذا الملف.
في الواقع، كان واضحًا منذ مدة أن بريطانيا تتجه تدريجيا نحو مواقف أكثر وضوحًا، على غرار حلفائها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وما يعزز ذلك أن لندن، التي لطالما تبنت موقفًا "محايدًا" تقليديًا، قد بدأت فعليًا في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، بما في ذلك في الصحراء المغربية، في تجاهل واضح لمواقف البوليساريو وداعميها.
ويعد القرار البريطاني ضربة جديدة لجبهة البوليساريو وداعمتها الجزائر، التي تواجه عزلة متنامية في القارة الأوروبية، بسبب تمسكها بمواقف متصلبة وعاجزة عن مجاراة التحولات الجيوسياسية والدبلوماسية المتسارعة. فمع توالي الاعترافات الأوروبية بمغربية الصحراء، تجد الجزائر نفسها أمام واقع دولي جديد لا يمكن مجابهته بالأساليب التقليدية أو بسياسات عشوائية مشحونة بالعاطفة، كما حصل بعد قرار مدريد وباريس، ما أدى إلى توتر العلاقات الجزائرية مع كلا البلدين.
وبات من الواضح أن أطروحة الانفصال تفقد المزيد من الدعم الدولي، في مقابل صعود الرؤية المغربية التي تقدم حلا واقعيا يحظى بإشادة من مجلس الأمن ويستجيب للمعايير الدولية في احترام السيادة مع توفير هامش كبير من الحكم الذاتي لسكان الأقاليم الجنوبية.
وتبرز أهمية الموقف البريطاني ليس فقط من حيث رمزيته السياسية، ولكن أيضا من حيث تأثيره الجيوستراتيجي. فالمملكة المتحدة، رغم خروجها من الاتحاد الأوروبي، ما زالت تحتفظ بنفوذ قوي في القارة الأوروبية، وتُعد شريكًا دبلوماسيًا أساسيا في العديد من القضايا الأمنية والاقتصادية، كما أن صوتها داخل مجلس الأمن له وزنه في التوازنات الدولية.
ويُنتظر أن يعزز هذا الاعتراف البريطاني الاتجاه الأوروبي العام نحو دعم المقترح المغربي، خاصة في ظل تغير مواقف عدد من الدول التي كانت في السابق متحفظة على تأييد صريح لمغربية الصحراء. كما أن التحول البريطاني من شأنه التأثير في مواقف بلدان أوروبية أخرى ما زالت مترددة.
من الجانب الاقتصادي، أعلن الوزيران المغربي والبريطاني عن توقيع أربع مذكرات تفاهم تشمل مجالات التعليم، الصحة، الابتكار في البنية التحتية، وتدبير الموارد المائية. وقد أكدا أن هذه الاتفاقيات تأتي في إطار دفع العلاقات الثنائية نحو شراكة استراتيجية شاملة.
ولمّح الوزير لامي إلى اهتمام جهات استثمارية بريطانية بضخ استثمارات مباشرة في الصحراء المغربية، وهو مؤشر عملي على أن لندن لم تعد ترى في هذه المنطقة "نزاعا غير محسوم"، بل منطقة مغربية منفتحة على الاستثمار، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة، السياحة، والبنيات التحتية.
ومن الناحية الأمنية، يشكّل تعزيز التعاون المغربي البريطاني عنصرًا هامًا في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل والصحراء، حيث يُعتبر المغرب فاعلاً إقليمياً موثوقًا في استقرار المنطقة، ما يجعل من دعمه أولوية أمنية لعدد من الدول الغربية، بينها بريطانيا.
وأشار البيان المشترك الصادر عقب المحادثات إلى العلاقات الوطيدة التي تجمع العائلتين الملكيتين في المغرب وبريطانيا، مؤكداً أن الملك محمد السادس والملك تشارلز الثالث يواصلان ترسيخ الشراكة المغربية البريطانية على أساس "الاستقرار والالتزام المتبادل في أعلى مستوى".
ويكرس هذا البعد الرمزي للعلاقات الملكية، والذي يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، البُعد الاستراتيجي للعلاقة بين البلدين، ويُعد عنصراً مهماً في تهيئة الأجواء لمشاريع تعاون طموحة وشاملة في مختلف المجالات.
ولم تغفل لندن في إعلانها التأكيد على دعم المسار الأممي تحت إشراف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، لكنها شددت على أن الحل الواقعي والجاد هو ما تقترحه الرباط في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وقد أعادت الخارجية البريطانية التأكيد على دعمها للقرار رقم 2602 الصادر عن مجلس الأمن، الذي يثني على الجهود المغربية المتسقة والموثوقة لحل النزاع.
هذا الالتزام البريطاني بالمبادئ الأممية لا يتناقض مع موقفها الداعم للمغرب، بل ينسجم مع توجه دولي واسع يعتبر أن المبادرة المغربية هي الخيار الأمثل لتجاوز جمود العملية السياسية، في غياب أي بديل واقعي من جانب البوليساريو والجزائر.
ولا شك أن الموقف البريطاني يشكل انتصارًا جديدًا للدبلوماسية المغربية، التي تعتمد على الرؤية الواقعية والبناء الاستراتيجي للتحالفات. كما يُعد دليلاً على نجاعة السياسة الخارجية المغربية في كسب مواقف داعمة من قوى كبرى في العالم، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضا من خلال تفعيل التعاون الاقتصادي، الأمني، والثقافي.
في ظل هذا السياق المتغير، بات من الصعب تجاهل أن مغربية الصحراء لم تعد موضع شك على الساحة الدولية، بل أصبحت واقعًا تؤكده العواصم الكبرى، وتكرّسه الاستثمارات والشراكات العابرة للقارات.
وفي خضم كل هذا، تواصل الجزائر والبوليساريو التراجع دبلوماسيًا، وسط فشل ذريع في تقديم بدائل واقعية للحل، بينما تواصل الرباط حصد المكاسب على طاولة السياسة الدولية، برؤية واضحة وديبلوماسية مؤثرة.