تفاهمات أمنية واقتصادية تعزز العلاقات بين بغداد وبيروت

قمة جوزيف عون والسوداني تعيد جسور التواصل والثقة بعد استدعاء السفير اللبناني لدى بغداد عقب تصريحات بشأن الحشد الشعبي.
الأحد 2025/06/01
بغداد وبيروت شراكة استراتيجية لمواجهة الأزمات

بغداد - شهدت زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى بغداد، الأحد، تفاهمات أمنية مهمة، إضافة إلى الملفات الاقتصادية الحيوية، خاصة في قطاع الطاقة، في خطوة تعكس عمق الروابط التاريخية وتؤكد أهمية التكاتف في مواجهة التحديات الإقليمية.

وهذه الزيارة، التي تعد الأولى من نوعها للرئيس عون وتأتي تلبية لدعوة رسمية من نظيره العراقي عبداللطيف رشيد، لم تقتصر على البروتوكولات الدبلوماسية، بل جسدت إرادة قوية لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات حيوية تمس صميم استقرار البلدين وشعبيهما.

وتأتي هذه الزيارة بعد فترة من البرود في العلاقات، وهجمات إعلامية لقوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لإيران تجاه عون، عقب تصريحات قال فيها إن بلاده لا ترغب في تكرار نسخة "الحشد الشعبي"، الأمر الذي اعتبرته أوساط عراقية "إساءة".

وعلى إثر ذلك، استدعت بغداد سفير بيروت لديها. وأعقب ذلك عدم تلبية عون دعوة حضور القمة العربية في بغداد الشهر الماضي، وهو ما دفع إلى اعتبار زيارة الأحد بمثابة تأكيد بيروت أهمية العلاقات بين البلدين.

واستقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الرئيس اللبناني جوزيف عون بمراسم رسمية في مطار بغداد الدولي، وفق ما جاء في بيان رسمي صادر عن مكتبه.

وشارك في الاستقبال عدد من المسؤولين العراقيين، مما يعكس الأهمية التي توليها بغداد لهذه الزيارة.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أكد السوداني أن "العراق يدعم تماسك ووحدة واستقرار لبنان، ومؤسسات الدولة فيه، والسيادة على أرضه، ويرفض كل ما يتجاوز على هذا الركن المهم، وهو ما سيعمل العراق عليه خلال رئاسته للقمة العربية".

وأضاف أن "نجاح القوى السياسية اللبنانية في تشكيل حكومة هي خطوة واثقة كنا ننتظرها مثلما كان ينتظرها الشعب اللبناني"، مؤكدًا "ندعم التوافق السياسي الداخلي في لبنان في إطار التزامنا بمنهجنا الأساس في عدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وتطرق السوداني إلى الحوار الذي أجراه مع عون، واصفًا إياه بـ"المهم"، حيث قال "استعرضنا فيه الفرص المشتركة في مجالات الطاقة والاتصالات والتبادل التجاري والتكامل، والمطلوب بما ينعكس على الشعبين، ويؤكد دعم كل فرص التعاون وخاصة القطاع الخاص الذي نعول على وجده في العراق ولبنان".

وبدوره، خاطب الرئيس عون السوداني في المؤتمر الصحفي المشترك، قائلًا "نتقدم بأصدق الشكر على كل ما قدمتموه دومًا للبنان من هبات وتقديمات ومساعدات في شتى المجالات ولا أفي العراق حقه ولا أنجز التعداد".

وأضاف أن "كل لبناني بات يؤمن فعلا عند كل أزمة بأن الترياق من العراق ليس قولًا مأثورا بل فعلا محققا".

وعقد السوداني وعون اجتماعًا ثنائيًا سابقًا في القصر الحكومي ببغداد، تناول العلاقات بين البلدين وسبل التعاون في مختلف المجالات، إضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة.

وأكد السوداني حرص العراق حكومة وشعبًا على دعم لبنان، وتقوية مؤسسات الدولة فيه، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، ورفض أي اعتداء على السيادة أو تدخل خارجي، مشيرًا إلى استمرار الدعم والإسناد لتجاوز التحديات الراهنة.

من جانبه، أعرب الرئيس اللبناني عن شكره وتقديره لمواقف العراق المبدئية والعملية تجاه لبنان، خاصة في الظروف الصعبة التي مرّت على اللبنانيين، ورفع قدرته على مواجهة المنعطفات المختلفة، ودعم العراق لسيادة لبنان واستقراره، إضافة الى السعي نحو توسعة آفاق التعاون لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين.

وقبل وصوله إلى بغداد أفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية، بأن الرئيس عون سيبحث مع الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد ورئيس الحكومة العراقي "العلاقات الثنائية وسبل تطويرها، والتعاون اللبناني العراقي القائم على مختلف المستويات، إضافة الى الأوضاع على الساحة الإقليمية".

ويرأس عون وفدا يضمّ المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير وعددا من المستشارين.

وذكرت وسائل إعلام لبنانية، أن "زيارة الرئيس اللبناني تستمر يوما واحدا لشكر القيادة العراقية على الدعم العراقي المستمر للبنان، لا سيما في مجال توريد الفيول لتشغيل معامل الكهرباء، والبحث في تعزيز العلاقات الثنائية وسبل معالجة بعض الأمور العالقة، مثل تسديد ثمن الفيول.

وتعلق أوساط لبنانية على هذه الزيارة آمالا كبيرة، حيث ينتظر إبرام اتفاقيات عدة، تتعلق بما يمكن أن يقدمه العراق إلى لبنان في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار والتبادل التجاري بين البلدين.

من المقرر تركز مباحثات الرئيس عون في بغداد على دعم الملف الاقتصادي اللبناني، ومواصلة تزويد العراق للبنان بالوقود لمحطات الطاقة ضمن اتفاق المقايضة بالخدمات وجزء بأسعار تفضيلية، كما تشمل الزيارة تفاهمات أمنية تتعلق بمطاري بيروت وبغداد، وتبادل المعلومات، وتسليم المطلوبين.

وتوجد علاقات قوية بين لبنان والعراق حيث الحكومة الحالية مشكّلة من أحزاب شيعية موالية لإيران بصورة رئيسية، ولها علاقات وطيدة مع حزب الله اللبناني.

ومنذ يوليو 2021، يزوّد العراق لبنان بالوقود للمساهمة في تشغيل محطات توليد الكهرباء مقابل سلع وخدمات طبية.

ويعاني كلا البلدين من أزمة كهرباء حادة بالإضافة الى تهالك البنية التحتية، جراء عقود من الصراعات والإهمال والفساد.

وتعهّد العراق خلال القمة العربية التي عقدت الشهر الماضي في بغداد، تقديم 20 مليون دولار في إطار جهود إعادة إعمار لبنان بعدما أدّت حرب مدمّرة استمرّت عاما كاملا بين حزب الله وإسرائيل، إلى دمار واسع في البلاد.

واستقبل العراق خلال الحرب آلاف اللبنانيين الهاربين من القصف الإسرائيلي على قرى وبلدات الجنوب ومناطق أخرى لحزب الله نفوذ كبير فيها.

وقد تلقّى الحزب ضربة قوية نتيجة اغتيال إسرائيل لعدد كبير من قياداته وتدمير بناه التحتية. وتراجع نفوذه على الساحة السياسية منذ انتخاب عون رئيسا وتشكيل حكومة في لبنان برئاسة نواف سلام منذ مطلع العام. وتؤكد السلطات الجديدة العمل على حصر السلاح والسيادة في أيدي القوات الشرعية، ما ينزع من حزب الله اي ذريعة للاحتفاظ بسلاحه.