عاملات الزراعة في تونس تحت الشمس بلا مظلة قانونية

الاتحاد الوطني للمرأة التونسية يطالب بالنهوض بوضعية المرأة العاملة في القطاع الزراعي.
السبت 2025/05/31
سواعد منسية

تونس - علت صيحات المئات من العاملات في القطاع الزراعي وسط تونس العاصمة خلال تجمع غاضب في وقت سابق من هذا الشهر للمطالبة بتحسين ظروف العمل وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية والمساواة في الأجور.

ورفعت عاملات الزراعة اللاتي قدمن من مختلف محافظات تونس مطلع مايو شعارات تصف واقعهن الصعب وتعبر عن مطالبهن منها “مسؤولون في القصور.. عاملات في القبور،” و”طبق طبق المرسوم خلي حياتنا تشوف النور،” و”العدالة الاجتماعية للعمالة الفلاحية” و”شاقية ومش لاقية”.

وقالت فاطمة مسعودي، العاملة في القطاع الزراعي، وهي تحمل بين يديها صندوق فلفل وطماطم (بندورة) في صورة رمزية لما تجنيه يداها وبصوت يكسوه الوجع والغضب “أستيقظ الثالثة صباحا نحو الحقول وأتحمل برد الشتاء وقساوته وحرارة الصيف ومرارته مقابل أجر زهيد من أجل لقمة العيش”.

وبحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن 92 في المئة من العاملات في القطاع الزراعي، أجورهن لا تتجاوز الحد الأدنى الزراعي المنصوص عليه قانونا، ولا تتمتع 92 في المئة من العاملات بالتغطية الاجتماعية.

92

في المئة من العاملات في القطاع الزراعي أجورهن لا تتجاوز الحد الأدنى الزراعي المنصوص عليه قانونا

وطالبت فاطمة السلطات بضرورة توفير التغطية الاجتماعية والصحية لعاملات القطاع الزراعي “اللائي يعانين التهميش منذ عقود”.

أما إيناس الجلاصي، وهي صاحبة مشروع زراعي أسسته بعد سنوات عملت فيها أجيرة، فقالت لرويترز إن العاملة في القطاع الزراعي تتحمل مشقة العمل من أجل لقمة العيش.

وتساءلت عن دور الدولة في تحسين ظروف النساء العاملات في القطاع الزراعي وتوفير التغطية الاجتماعية التي تضمن لهن أبسط حقوقهن.

وطالبت السلطات بتسهيل الإجراءات الإدارية أمام من يرغبن في استغلال الأراضي وتشجيعهن على الاستثمار في القطاع، مشيرة إلى أن هناك الآلاف من الأراضي غير المستغلة.

أما زهرة الدخلاوي (68 عاما) التي تعمل في القطاع الزراعي منذ صغرها فتقول إنها تعايشت مع “الشقاء والتعب” ليصبحا جزءا من حياتها اليومية فرغم تقدمها في السن مازالت تسعى من أجل قوت يومها.

وقالت بنبرة مستسلمة “عمري كله في الزراعة، عملت منذ عقود في الحقول وتحملت سنوات من المشقة والتعب لتربية أبنائي الأربعة وتدريسهم خاصة بعد وفاة والدهم”.

وأضافت “الزراعة هي أساس كل شي فإذا غابت سواعد عاملات الزراعة غاب الإنتاج، وإذا كان هناك من يخدم البلاد بالمكتب والأقلام فنحن نخدمها بالسواعد”.

وتمثل فاطمة وإيناس وزهرة نماذج للآلاف من العاملات في القطاع الزراعي في تونس ممن يكابدن من أجل لقمة العيش، وزادت فوق ظروفهن المعيشية الصعبة فواجع غير متوقعة تمثلت في فقد بعض زميلاتهن في حوادث سير.

وأخذ حراك النساء العاملات في القطاع الزراعي يتصاعد منذ 2019 إثر فاجعة منطقة السبالة في محافظة سيدي بوزيد، حيث أدى حادث انقلاب شاحنة نقل كانت تقل عمالا بالحقول لوفاة 12 من بينهم سبع عاملات وإصابة نحو 20 آخرين.

وكان هذا الحادث سببا في التعجيل بالمصادقة على القانون 51 لسنة 2019 المتعلق باستحداث نوع نقل خاص بعاملات وعمال القطاع الزراعي.

وقالت حياة العطار، المكلفة بملف العاملات في قطاع الزراعة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنه رغم وجود قانون ينظم عمل هذه الشريحة من العاملات لم تتوقف الحوادث في تونس وعدد الضحايا في ارتفاع، مشيرة إلى أنه منذ سنة 2015 إلى اليوم تم تسجيل 88 حادثا ما أسفر عن إصابة أكثر من 983 ومقتل 65.

وضع مزري
وضع مزري

فيما اعتبرت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أن وجود تشريعات لدعم وضعية العاملة في القطاع الزراعي أمر إيجابي وخطوة مهمة نحو إنهاء “التشغيل الهش والوضع الصعب للعاملات في قطاع الزراعة” لكنها تراها غير كافية اليوم في ظل عدم تفعيلها على أرض الواقع.

وفي عام 2024، صدر المرسوم رقم 4 الذي يحدد نظام الحماية الاجتماعية للعاملات في قطاع الزراعة، ويتضمن هذا النظام “إحداث صنف نقل خاص للعاملات في قطاع الزراعة” إضافة إلى ضمان حقوقهن في التأمين على المرض والتقاعد والحماية ضد الأخطار المهنية.

وتضمن هذا المرسوم أيضا آليات لتعزيز مشاركة العاملات في قطاع الزراعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مثل إنشاء صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات في قطاع الزراعة الذي يهدف إلى توفير الموارد اللازمة لضمان تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية.

وأوضحت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أن إصدار قوانين أو أحكام لا يتم متابعة تطبيقها ولا تُدرس مدى فاعليتها أو تأثيرها إيجابا على حياة عاملات القطاع الزراعي يبقى أمرا منقوصا لا يغير من واقع العاملات الهش.

ودعت إلى ضرورة التفاف كل الأطراف ذات الصلة من سلطة ومجتمع مدني للنهوض بوضعية المرأة العاملة في القطاع الزراعي وتوفير ظروف عمل تحفظ كرامتها وسلامتها.

16