البدانة لم تعد رمزا للثراء بعد تحولها إلى سبب للوفاة في أفريقيا

البدانة تسهم في الإصابة بأمراض السكري التي صارت السبب الرئيسي للوفاة في كينيا.
الاثنين 2025/05/26
ميل إلى النحافة

نيروبي - لطالما كان ينظر في العديد من الثقافات الأفريقية إلى الكرش (بروز البطن) على أنها علامة على الثراء. ولكن يبدو أن هذا التصور قد تغير الآن، وسط ارتفاع أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض مرتبطة بالبدانة.

وفي كينيا، غالبا ما يطلق الناخبون على الساسة أصحاب الوزن الزائد لقب “بوس” (الزعيم)، أو “مكوبوا” – “الرجل الضخم” باللغة السواحيلية – حيث يرمز كبر الحجم إلى الثراء.

وبدأ الساسة الأصغر سنا في كينيا، وبينهم حكام نيروبي (العاصمة) ومومباسا، الحديث علنا عن فقدان الوزن.

وتسهم البدانة في الإصابة بأمراض غير معدية مثل السكري، والتي صارت السبب الرئيسي للوفاة في كينيا، حيث قالت وزارة الصحة إنها مسؤولة عن 39 في المئة من الوفيات في البلاد سنويا.

في كينيا، غالبا ما يطلق الناخبون على الساسة أصحاب الوزن الزائد لقب الزعيم، أو "مكوبوا" الرجل الضخم باللغة السواحيلية

وكشف “أطلس البدانة العالمي” أن حوالي 13 في المئة من البالغين في كينيا يعانون من البدانة، في دولة تقول الحكومة إن حوالي ثلث سكانها لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم من الغذاء. ويسلط هذا التباين الضوء على عدم المساواة المتنامي في البلاد وإقبال أصحاب الدخل المرتفع على الأطعمة السريعة والمصنعة. ومن شأن الوضع الخاص بالبدانة أن يؤثر على القرارات المالية، وغيرها.

وفي أوغندا المجاورة، قامت مؤسسات التمويل الأصغر بفحص المتقدمين للحصول على قروض وفقا لأوزانهم، حيث يُنظر إلى أصحاب الوزن الزائد على أنهم أكثر قدرة على سداد القروض، بحسب دراسة نشرتها المجلة الاقتصادية الأميركية في 2023. ويقول أخصائي علم التغذية الكيني فيليكس أوكوث “يشعر معظم الناس بأنهم عندما يبدأون كسب المال، يجب أن يظهروا مثل المال نفسه، من خلال الوزن الزائد أو البدانة.”

ويضيف “لكنهم لا يدركون أنهم يعرضون أنفسهم لمشاكل تنجم عن هذا النمط من الحياة، مثل الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم.”

ووصف مدير منظمة الصحة العالمية في أفريقيا هذا الاتجاه المتزايد بأنه “قنبلة موقوتة” بالنسبة للقارة التي تضم أصغر سكان العالم سنا، وأسرعهم نموا. ويحاول البعض تغيير نهج النقاش بشأن مسألة الوزن.

ووصف عضو مجلس الشيوخ السابق في كينيا كليوفاس مالالا كيف أن رحلة طيران إلى الولايات المتحدة استغرقت 15 ساعة جعلته يتألم وكيف نصحه الأطباء بأن يخفف وزنه. وبدأ مالالا اتباع نظام غذائي غير صلب (يعتمد على الأطعمة السائلة والأطعمة نصف الصلبة) لمدة 90 يوما، وكان وزنه في البداية 138 كيلوغراما (304 أرطال). ورغم أنه لم يكشف عن وزنه الحالي، فإنه قال إن الصور التي التقطت له قبل الحمية الغذائية، وبعدها، تظهر أنه صار أقل وزنا، على نحو ملحوظ. وقال الرجل الذي يبلغ من العمر 39 عاما “غضب زملائي في البرلمان لأنني تركت النادي بعد أن فقدت وزني.”

ويقول ستيفن أوجووينو، الذي كان يعاني من البدانة في طفولته، وقد صار اليوم ناشطا في الدفاع عن الصحة العامة، إن معظم النواب في كينيا لا يرون في البدانة مشكلة. ويضيف “يجرى إجراء هذه المناقشات في البرلمان حيث إن لمعظم النواب بطونا كبيرة، ولذلك فإن الاعتراف بأن الأمر يتعلق بهم سيكون بداية طيبة للشروع في هذا الأمر.” وأشار الرئيس الكيني وليام روتو علنا إلى ضرورة أن يكون لدى المرء اللياقة لأداء عمله، حيث كان عليه أن يطمئن الكينيين في عام 2023 أنه بخير إثر تكهنات على الإنترنت تتعلق بصحته بعد فقدان الوزن. وأوضح الرئيس “قررت خفض الوزن لأن المهمة التي تنتظرنا لم تكن يسيرة.”

البدانة تنتشر بشكل سريع
البدانة تنتشر بشكل سريع

وجرى تحديد زيادة الدخل، وانتشار منافذ الوجبات السريعة في المناطق الحضرية، وأنماط الحياة الخاملة والافتقار إلى البنية التحتية التي تشجع على ممارسة النشاط البدني، كأسباب محتملة وراء ارتفاع معدلات البدانة في الدول النامية.

وقالت مريام لاكر أوكيتا، وهي طبيبة مقيمة في كمبالا العاصمة “نحن بحاجة إلى التأكد من أننا عندما نبتعد عن نقص الغذاء لا نتجه إلى المجموعات الغذائية الخاطئة.” وأوضحت كارولين كيروي، مديرة مشروع “إيكو” في أفريقيا، وهو عبارة عن منصة لتبادل المعلومات للعاملين في مجال الرعاية الصحية، أن حملات الصحة العامة من شأنها أن تساعد في إزالة الغموض عن المفهوم القائل إن الوزن مؤشر على الثراء. وثمة إعلانات متزايدة في كينيا عن صالات ممارسة الألعاب الرياضية، وأدوية إنقاص الوزن والعمليات الجراحية.

ولكن طرقا أخرى، مثل دواء أوزمبيك، لإنقاص الوزن، لم تحقق لمستخدميها ما يصبون إليه، ومثال على ذلك كارولين هافي، التي قالت إنها اتجهت، عوضا عن الأدوية، إلى اتباع نظام غذائي يعتمد على وجبة واحدة في اليوم، مضيفة أنها تأمل في أن تخفض وزنها في نهاية المطاف من 105 كيلوغرامات إلى 70 “دون إنفاق الكثير من المال”.

وفي جنوب أفريقيا، تجاوزت الوفيات المرتبطة بالبدانة، بسبب الأمراض غير المعدية، عدد الوفيات المرتبطة بالإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وذكر أطلس البدانة العالمي لعام 2025 أن 32 في المئة من البالغين في جنوب أفريقيا يعانون من البدانة. وقالت ريبون نتسي، مديرة التغذية لدى وزارة الصحة الوطنية، إن المفهوم القائل بأن الوزن هو رمز للثروة يتغير ببطء. وأضافت “هناك من لا يزال يرى الأمر على هذا النحو، لكن الناس يرون مخاطر أيضا، ولم يعد يحتفى بزيادة الوزن كعلامة على الكرامة والجمال والاحترام والمكانة الاجتماعية.”

وتوصل باحثون على مستوى كرسي اليونسكو في دراسة خاصة برصد الغذاء في العالم إلى أن أفريقيا قارة الجوع ومضرب المثل في نقص الغذاء، مهددة بالبدانة التي هي انعكاس لوفرة المأكولات.

وأرجع الباحثون انتشار البدانة بين سكان الأوساط الحضرية الأفريقية إلى عوامل منها الكسل عن ممارسة الرياضة والغذاء غير المتزن.

وفي الوسط الحضري تقل الرياضة لتوفر وسائل النقل، كما يتوفر الغذاء بشكل كبير، عكس واقع سكان الأرياف حيث تقل المواد الغذائية وتفرض النشاطات الحياتية على السكان التحرك البدني.

في جنوب أفريقيا، تجاوزت الوفيات المرتبطة بالبدانة، بسبب الأمراض غير المعدية، عدد الوفيات المرتبطة بالإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية
في جنوب أفريقيا، تجاوزت الوفيات المرتبطة بالبدانة، بسبب الأمراض غير المعدية، عدد الوفيات المرتبطة بالإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية

وكلما ازدادت القدرة الشرائية كلما ازدادت المقدرة على اقتناء الغذاء وخاصة المشروبات الحلوة، وغزت المايونيز والدهون الأطباق المستهلكة، وانتشرت تبعا لذلك ظاهرة البدانة بين سكان الحضر.

وتحدثت الدراسة عن ظاهرة البرمجة الجنينية للبدانة التي تعني أن النساء الحوامل غير المتوفرات على الغذاء ينجبن أطفالا يستهلكون نفس الكميات التي يستهلكها أطفال الأسر الميسورة وبالشهية ذاتها، ومن هنا تتهيأ الظروف لانتشار البدانة.

وتحدثت الدراسة عن وجود مناطق تتوفر فيها المشروبات السكرية أكثر مما تتوفر المياه المعدنية.

ومما زاد البدانة انتشارا وجود عقلية تجعل من الجسم المدور سمة من سمات الجمال كما هو الحال في بعض مناطق موريتانيا حيث مهر الفتاة يقترن زيادةً ونقصانا بحجم جسمها وضخامة أذرعها وأردافها.

فما دامت زيادة الوزن محبذة ومرغوبا فيها، فإن الاتجاه نحو البدانة سيبقى مسيطرا ما لم تتغير هذه العقلية.

ولاحظت الدراسة أن وفرة المنتوجات المحلاة والدسمة والمالحة التي تطرحها الشركات الأميركية في الأسواق الأفريقية، تساهم هي الأخرى في انتشار البدانة، كما أن كثرة بائعات الغذاء في الشوارع، وانتشار طبق “الأرز بالسمك” الممتلئ بالدهون على نطاق واسع، ووجود الأغذية الجاهزة المعلبة في أكياس مطاطية، كل هذا يفتح الباب واسعا أمام البدانة وأمام الكروش الضخمة.

وبخصوص المناطق الأفريقية التي تنتشر فيها البدانة أكثر، ذكرت الدراسة أن “البدانة تنتشر بشكل أكبر في شمال القارة الأفريقية مقارنةً بالمناطق الصحراوية، على الرغم من ملاحظة انتشارها في معظم المدن الأفريقية”.

وعن الحلول الممكنة للحد من البدانة، تؤكد الدراسة أن قبل عشرين سنة كانت النظرة السائدة هي أن مشكلة أفريقيا تكمن في نقص الغذاء الضروري لسكان يزداد عددهم باستمرار، كما أن تطور البدانة في القارة جاء بشكل عفوي، وللقضاء عليه، لا بد من العمل الجاد لتغيير العقليات والعادات الغذائية السيئة.

16