الجهاديون يستخدمون الغذاء سلاحا: كيف يستغل بوكو حرام وحركة الشباب الجوع

نيامي - على مدى العقد الماضي، تزايد التركيز الدولي على دور الغذاء في الصراعات، لاسيما في أفريقيا، حيث شهدت القارة تزايدا في الإرهاب الجهادي في عدة مناطق. ويرتبط العنف، مثل العنف الذي تمارسه المنظمات الجهادية، بأوضاع الأمن الغذائي، مما يُسبب حلقة مفرغة من الجوع والصراع ويُقوّض أنظمة الإنتاج وطرق الإمداد.
وفي الوقت نفسه، يُفاقم نقص الغذاء المتزايد التوترات والتنافس على الموارد الأساسية على هامش المجتمعات الضعيفة، مما يزيد من خطر الانخراط في العنف. ويرى محللون أن الغذاء ليس مجرد محرك أو ضحية للعنف، بل هو أيضا عنصر أساسي في كيفية قتال الجماعات الجهادية وحكمها وبقائها.
واستخدم الإرهابيون الغذاء كأداة لتحدي السلطات الوطنية وزيادة أتباعهم. وفي الوقت نفسه، يستغلون انعدام الأمن الغذائي للسيطرة على المجتمعات ومواجهة قوات مكافحة الإرهاب، مما يدفع الدولة للخروج من المناطق المتنازع عليها. ولهذا الأمر تداعيات جسيمة. فاستخدام الغذاء كسلاح يُفاقم الأوضاع الإنسانية، ويتسبب في نزوح السكان في البيئات الهشة. ونتيجةً لذلك، يُفعّل آليات خطيرة لعدم الاستقرار، قد تُقوّض حتى المسلحين أنفسهم، مُقلّلةً من مواردهم وقدراتهم العملياتية.
تسليح الإمدادات
منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خاضت جماعة بوكو حرام وحركة الشباب قتالًا عنيفًا مع قوات الأمن الأفريقية. وسعت كلتا الجماعتين إلى الإطاحة بالحكومات المحلية وترسيخ نفوذهما. ووسّعتا شبكاتهما في المناطق التي يعاني فيها الأمن الغذائي من التدهور، وهي ولاية بورنو النيجيرية وجنوب الصومال. وشهدت هذه المناطق احتكاكات تاريخية بين السكان والسلطات الحكومية.
واشتكت المجتمعات المحلية من التهميش الاجتماعي والاقتصادي، ونقص الموارد الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة. وسعى كل من بوكو حرام والشباب إلى استغلال التفاوتات لكسب تأييد السكان المتضررين، سعياً منهما لاستبدال الدولة في توفير الموارد الأساسية.
◙ الغذاء ليس مجرد محرك أو ضحية للعنف، بل هو أيضا عنصر أساسي في كيفية قتال الجماعات الجهادية وحكمها وبقائها
وأفادت التقارير أن مسلحي بوكو حرام قدّموا إمدادات، كالبسكويت والأرز والمعكرونة، إلى القرى المهمّشة. وكما قال أحد سكان ولاية بورنو، فقد أظهر المسلحون “حبًا واهتمامًا” أثناء تلبية احتياجات السكان المحليين. ولجأت حركة الشباب إلى ممارسات مماثلة لكسب قلوب وعقول سكان جنوب الصومال وتوسيع قاعدة مجنّديها. وزوّدت الجماعة المجتمعات المتعثرة بالوجبات والسلع، وعززت الأنشطة الزراعية المحلية.
وبالتوازي مع هذه الأنشطة، تبنّت الجماعتان إجراءات أكثر صرامة لمواجهة تقدّم قوات مكافحة الإرهاب. واستخدمتا حرمان المدنيين من الطعام لمعاقبة عصيانهم وتعاونهم مع الدولة، معتمدتين على أساليب التجويع. واستهدفت بوكو حرام البنى التحتية الغذائية بشكل ممنهج. وأحرقت الجماعة المحاصيل، وحظرت أنشطة الزراعة وصيد الأسماك، بل وسمّمت مصادر المياه.
وقد حدث هذا بشكل خاص في الأماكن التي اشتبه فيها المسلحون بتواطؤ بين المجتمعات المحلية والسلطات الوطنية. وبالمثل، قطعت حركة الشباب طرق التجارة. لقد دمّرت حركة الشباب واردات الغذاء لعزل قرى جنوب الصومال الخاضعة لسيطرة قوات الأمن، وحرمانها من الدعم الشعبي.
التداعيات
خلال مجاعة الصومال عامي 2011 و2012، عرقل مسلحو حركة الشباب عمل الوكالات الإنسانية. وكان الهدف من ذلك منع توزيع المساعدات الغذائية للحد من النفوذ الغربي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وكان لاستخدام الغذاء كسلاح تداعيات جسيمة في ولاية بورنو وجنوب الصومال. وهو سبب رئيسي لتدهور الأمن الغذائي في هذه المناطق على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
وأدت الهجمات على الموارد الغذائية والبنية التحتية إلى تعطيل طرق الإمداد، ودفعت الناس إلى التخلي عن محاصيلهم ومراعيهم، مما أدى إلى انخفاض إنتاج السلع الأساسية وتوافرها. ونتيجة لذلك، تدهورت الأوضاع الإنسانية، وضعف الاقتصادات المحلية، وتزايدت موجات النزوح. وكانت لذلك آثار سلبية على بوكو حرام وحركة الشباب، حيث حُرم المسلحون من موارد رئيسية لاستمرار أنشطتهم وجذب مجندين جدد.
وأصبحت الجماعتان الجهاديتان من ضحايا حالات الطوارئ التي ساهمتا في خلقها، وتواجهان صعوبة متزايدة في توفير الغذاء لجنودهما وأنصارهما. ونتيجةً لذلك، شهدتا تزايدًا في حالات الانشقاق بسبب الظروف غير المستدامة. وتشير التقارير إلى تزايد حالات استسلام الجهاديين لقوات الأمن أثناء طلبهم الطعام. ولمواجهة هذه التحديات، كثّفت بوكو حرام وحركة الشباب غاراتهما على القرى، ونهبتا السلع والماشية.
ومع ذلك، فقد قوّضت الاحتكاكات المتزايدة مع السكان القدرات العملياتية للجماعات، بل وفتحت جبهات مقاومة جديدة. اضطرت جماعة بوكو حرام إلى نقل جزء من مواردها وعملياتها إلى منطقة بحيرة تشاد. وكثّفت الجماعة عملياتها للاستيلاء على الغذاء في الدول المجاورة لنيجيريا. وفي الصومال، أدّت التوترات مع المجتمعات الزراعية والرعوية إلى تشكيل ميليشيات تحشد ضد حركة الشباب.
ماذا بعد؟
لم يُقضِ نقل عمليات بوكو حرام وتعبئة المجتمعات ضد حركة الشباب على التهديد الإرهابي. ومع ذلك، تُسلّط هذه الأحداث الضوء بشكل أكبر على الغذاء كعامل حاسم في تشكيل التمردات. ويتعيّن على السلطات الأفريقية والدولية معالجة ديناميكيات استخدام الغذاء كسلاح. كما يتعيّن عليها تحسين نهجها لتعزيز القدرة على الصمود على المستوى المحلي، ومعالجة أوجه عدم المساواة التي يستغلها المتمردون.
◙ جماعة بوكو حرام اضطرت إلى نقل جزء من مواردها إلى منطقة بحيرة تشاد وكثّفت عملياتها للاستيلاء على الغذاء في الدول المجاورة لنيجيريا
وتواجه العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء هشاشة مزمنة في أنظمة إنتاج وتوزيع الغذاء، بسبب عوامل متداخلة تشمل تغيّر المناخ، وضعف البنية التحتية، والنمو السكاني السريع، والصراعات الداخلية. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن نحو 30 في المئة من سكان المنطقة يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة. وتحول هذه الهشاشة الغذاء إلى أداة ضغط قوية في أيدي الجماعات المسلحة، التي تستغل الحاجة للبقاء لتجنيد الأفراد وفرض السيطرة.
ويُعدّ استخدام الغذاء كسلاح في النزاعات انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. ومع ذلك، فإن التحديات الميدانية، وغياب المساءلة، وضعف قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول، تجعل من هذه الانتهاكات أمرًا متكررًا في النزاعات غير المتكافئة، كما هو الحال مع الجماعات الجهادية غير التابعة لدولة.
وأثّر تغيّر المناخ بشكل مباشر على الزراعة والموارد المائية في العديد من الدول الإفريقية، حيث تزايدت فترات الجفاف وتقلّصت الأراضي الزراعية الخصبة. هذه العوامل البيئية تُساهم في تأجيج التوترات الاجتماعية، وتُضاعف من قابلية المجتمعات للتأثر بدعاية الجماعات المسلحة التي توفّر، أو توهم بتوفير، الأمن الغذائي والاستقرار. وفي الوقت نفسه، تستفيد هذه الجماعات من الفراغات الناتجة عن فشل السياسات البيئية للدول الهشّة.
ويُعتبر التفاوت التنموي بين المناطق الحضرية والريفية في الدول الأفريقية عاملًا أساسيًا في تغذية مشاعر الظلم والتهميش، لاسيما بين الشباب. وتنتج هذه الفجوة الاقتصادية بيئة خصبة لتجنيد العناصر من قِبل الجماعات الجهادية، التي تُروّج لنفسها كمزوّد بديل للعدالة والموارد. ويظهر ذلك جليًا في كيفية استغلال كل من بوكو حرام وحركة الشباب لتردّي الخدمات الحكومية لكسب الولاء المجتمعي.
وفي العقود الأخيرة، بدأت الحكومات والمنظمات الدولية في الاعتراف بأن الجوع لم يعد قضية إنسانية فقط، بل بات تهديدًا مباشرًا للأمن القومي. فحيثما يوجد انعدام أمن غذائي مزمن، تزداد احتمالات عدم الاستقرار، والنزوح، والتطرف العنيف. وتُصنَّف مناطق مثل الساحل الأفريقي، وبحيرة تشاد، والقرن الأفريقي كـ”نقاط توتر غذائي”، مما يجعلها عرضة للتغلغل الجهادي والتدخلات الأجنبية تحت غطاء إنساني أو عسكري وعبر التحكم في توزيع الغذاء وفرض الضرائب على الإنتاج الزراعي المحلي أو تجارة السلع، تخلق هذه الجماعات نظاما اقتصاديا مواز يتنافس مع سلطة الدولة.
◙ السلطات الأفريقية والدولية يتعيّن عليها معالجة ديناميكيات استخدام الغذاء كسلاح وتحسين نهجها لتعزيز القدرة على الصمود على المستوى المحلي
وفي بعض الحالات، يُجبر السكان على دفع “زكاة” أو “ضريبة” للجماعة بدلا من الدولة، وهو ما يحوّل الغذاء من سلعة للبقاء إلى أداة لفرض الولاء والشرعية الدينية أو السياسية. ورغم الجهود التي تبذلها الوكالات الإنسانية، إلا أن كثيرًا من مناطق النزاع تبقى خارج نطاق الوصول، بسبب التهديدات الأمنية أو القيود التي تفرضها الجماعات المسلحة. وفي حالات مثل مجاعة الصومال عام 2011، كان منع وصول المساعدات من الأسباب الأساسية لتفاقم الكارثة. ويخلق هذا القصور فراغًا تستغله الجماعات الجهادية لتقديم المساعدات بشروطها، وهو ما يربط المعونة بالطاعة ويحوّلها إلى أداة عقاب أو مكافأة.
وفي الكثير من الدول الأفريقية المتأثرة بالصراع، لا يعود تدهور الأمن الغذائي فقط إلى الجماعات المسلحة، بل أيضًا إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة. فغياب الشفافية وسوء توزيع الموارد والمعونات، وحتى المتاجرة بها في السوق السوداء، كلها عوامل تخلق فقدانًا للثقة بين السكان والحكومة، مما يجعل المواطنين أكثر استعدادًا لتقبّل بدائل تقدمها الجماعات غير الحكومية، حتى لو كانت متطرفة.
وعندما تُجبر جماعات كبيرة من السكان على الهروب من مناطق الصراع، يتسبّب ذلك في خلل مزدوج: من جهة، يُهجر الإنتاج الزراعي، ومن جهة أخرى، تتكدس مناطق الاستقبال بالنازحين، ما يرفع الطلب على الغذاء والخدمات. وتؤدي هذه الديناميكية إلى ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات في كلا الطرفين، ما يفاقم الأزمة ويُطيل أمد الاعتماد على المساعدات الطارئة، بدلاً من دعم الأمن الغذائي المستدام.
وتلعب وسائل الإعلام التابعة للجماعات المتطرفة دورًا كبيرًا في الترويج لصورتها كبديل خيري وإنساني للدولة. وتُظهر صور المساعدات الغذائية، والمجالس المجتمعية، ومواسم الحصاد برعاية المسلحين في إصدارات إعلامية، وكأن الجماعة هي “الراعي الحقيقي” للناس. ويسهم هذا الاستخدام الدعائي للغذاء في تجنيد المجندين، ويضعف صورة الدولة، ويُرسخ شرعية الجماعات المتطرفة في أذهان السكان.