عائلات تركية تترقب مصير أبنائها بعد حل حزب العمال الكردستاني

العمال الكردستاني يقوم بحل جناحه المسلح في خطوة غير مسبوقة.
الثلاثاء 2025/05/13
الأحضان تنتظر لكن الطريق ما زال مجهولا

ديار بكر(تركيا) - بعد ساعات من إعلان حزب العمال الكردستاني المحظور حل جناحه المسلح، تجمعت عائلات بمدينة ديار بكر التركية، وكان كثيرون يذرفون الدموع ويرفعون صور أحبائهم.

وتحدث البعض عن فرص السلام، لكن الكثيرين لديهم مخاوف شخصية أكثر إلحاحا مثل الأبناء والأحباء الآخرين الذين غادروا للمشاركة في النضال المسلح على مدى عقود من الزمن، والذين يأملون الآن في أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.

وقالت سيفجي تشاجمار، التي كان ابنها في التاسعة عشرة من عمره عندما انضم إلى حزب العمال الكردستاني “لم أر ابني منذ عشر سنوات… سهرتُ الليالي أنتظر هذا الخبر. إن عاد، فسأكون قد ملكت العالم.”

وانضمت تشاجمار إلى العشرات من الأقارب الآخرين الذين ينتظرون الأخبار أمام مكتب يديره حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب التركي المؤيد للأكراد في أكبر مدينة بجنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية.

وكان الجميع يأملون في عودة أقاربهم وأصدقائهم، إذ عادة ما تحصل الأسر على معلومات إذا توفي شخص ما.

عائلات المسلحين الأكراد تشعر بأمل مشوب بالحذر، فهي ترحب بفرصة السلام السانحة هذه لكنها تشعر بالخوف من المستقبل

وأمسكت خديجة ليفنت بصورة ابنتها فاديمة، التي تعتقد أنها انضمت إلى حزب العمال الكردستاني قبل 11 عاما عندما كانت طالبة جامعية. واتهمت حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب بالمساعدة في ترتيب رحيل ابنتها.

وقالت ليفنت “سرقوا أحلامها ومستقبلنا. أريد فقط أن أعانقها مرة أخرى. أفتح ذراعي بانتظارها.”

وشكرت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إطلاقه ما تأمل أن يكون جهد سلام أخيرا.

وردت تقارير عن انقطاع التواصل بين مسلحي حزب العمال الكردستاني وعائلاتهم على مدى سنوات. وتركز معظم القتال في الماضي على المناطق الريفية جنوب شرقي تركيا. إلا أن الصراع منذ ذلك الحين انتقل أساسا إلى شمال العراق، حيث يملك حزب العمال الكردستاني قواعد في الجبال.

ولدى تركيا العشرات من المواقع في العراق، وتراقب حدودها المتاخمة له لمنع الأشخاص من العودة إليها مجددا.

وقالت سلطان جوجر، التي انضم نجلها إلى حزب العمال الكردستاني منذ عشرة أعوام، “لا بد من وقف هذه الحرب، الجنود وأفراد الشرطة وأولئك من يقطنون في الجبال.. جميعهم أبناؤنا، أخ قتل أخاه.. لا نريد المزيد من الألم.”

ورحب الناس في مدن أخرى في المنطقة بالأنباء وهم يشعرون بأمل مشوب بالحذر، فهم يرحبون بفرصة السلام السانحة هذه لكن يشغلهم الخوف من المستقبل بعد صراع دام أكثر من 40 عاما.

وقال إحسان أرجيز من مدينة باتمان الواقعة في جنوب شرق تركيا “حزب العمال الكردستاني هو المنظمة التي جلبت القضايا الكردية إلى الواجهة.”

وتابع “إذا مُنحت الحقوق الديمقراطية في آخر الأمر، فسيكون حل الحزب أمرا طبيعيا، سيكون ذلك أفضل لبلدنا.”

وقال أحد سكان مدينة ديار بكر الذي لم يذكر اسمه “إلقاء السلاح أمر جيد، إلا أننا لا نعرف ما سيحدث بعد ذلك، هل سيُطلق سراح السجناء؟ لا يزال الأمر غامضا.”

الجميع يأملون في عودة أقاربهم وأصدقائهم
الجميع يأملون في عودة أقاربهم وأصدقائهم

وفي خلفية هذا التحول اللافت في مسار الصراع الكردي التركي، يبرز سجل طويل من التعقيدات السياسية والتاريخية التي لطالما أحاطت بعلاقة الدولة التركية مع حزب العمال الكردستاني. فمنذ تأسيس الحزب في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبدْء تمرده المسلح عام 1984، خاض الطرفان جولات متتالية من القتال والمبادرات الفاشلة للسلام.

وكانت كل محاولة لوقف إطلاق النار تنتهي إما بتجدد العنف أو بانهيار الثقة نتيجة تطورات ميدانية أو سياسية.

وشهدت التجارب السابقة، لاسيما خلال الأعوام 2013–2015، ما يعرف بـ”عملية السلام الكردية”، والتي رعاها آنذاك الرئيس أردوغان بصفته رئيساً للوزراء، وتم خلالها فتح قنوات اتصال غير مباشرة مع عبدالله أوجلان، الزعيم المسجون لحزب العمال.

وقد توقفت العمليات العسكرية لفترة، لكن العملية انهارت بعد انتخابات 2015، مع تجدد الاشتباكات في المدن الكردية، وتصاعد التوترات الإقليمية بفعل الحرب في سوريا وصعود قوات كردية مرتبطة بالحزب على الحدود.

وعلى الجانب القانوني، يُصنَّف حزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يجعل أي تقارب سياسي معه محفوفا بالمخاطر داخلياً وخارجيا.

ومع ذلك، كان الحزب دائما أكثر من مجرد تنظيم مسلح، بل يمثل لدى شريحة من الأكراد تعبيرا عن طموح قومي مسلوب، لاسيما في ظل إخفاقات متكررة في توفير حلول ديمقراطية دائمة لقضيتهم.

وتاريخيا، كانت سياسات محو الهوية الكردية في الجمهورية التركية الحديثة عاملا أساسيا في تغذية التوترات. ولم تبدأ الدولة بالاعتراف بحقوق ثقافية ولغوية للأكراد إلا في العقدين الأخيرين، غالبا تحت ضغط أوروبي خلال مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، والتي تعثرت لاحقاً.

ويأتي قرار حل الجناح المسلح للحزب كخطوة غير مسبوقة، لكنه لا يمكن فصله عن تغيرات داخلية في هيكلية الحزب نفسه، وانعكاسات لتغير الإقليم الكردي في شمال العراق وسوريا.

وفي ظل البيئة الإقليمية المعقدة، حيث تقاطع الملفات الكردية في العراق وسوريا وتركيا، تبرز تساؤلات حول مستقبل الفاعلين الأكراد داخل حزب العمال الكردستاني، والوجهة التالية لآلاف المقاتلين الذين قد يجدون أنفسهم بلا مظلة واضحة. كما أن الضغوط السياسية المتزايدة على حزب الشعوب الديمقراطي، وريث الحركة السياسية الكردية، قد تقوض فرص العمل السلمي وتعمّق الشعور بالإقصاء، ما يهدد بتكرار دوامة العنف.

6