رسوم ترامب الجمركية "تعضّ" الحيوانات الأليفة

تشهد الولايات المتحدة توترات اقتصادية متزايدة بفعل السياسات التجارية التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتكشف تجارب ميدانية لعدد من أصحاب المتاجر الصغيرة عن حجم المعاناة اليومية الناتجة عن اختلال سلاسل الإمداد، وتذبذب السياسات، والضغوط المالية المتفاقمة.
فيرجينا (الولايات المتحدة) - تناضل نولي ريكي في مواجهة تداعيات السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث تدير متجرا لبيع كل مستلزمات الحيوانات الأليفة، ابتداء من الأطعمة إلى كرات التنس التي تلهو بها.
وفي عام 2022 استحوذت مع شركائها في التجارة، على متجر صغير لبيع متطلبات الكلاب اسمه “حديقة الكلاب”، يقع في بلدة أليكزندريا القديمة الخلابة الكائنة في ولاية فيرجينيا القريبة من العاصمة واشنطن.
وفي ذلك الوقت وصلت المبيعات بالمتجر إلى الذروة، حسب ما تقول ريكي التي كانت تعمل في السابق ممرضة بيطرية، وتضيف “تراجعت المبيعات في الوقت الحالي لتصل إلى أقل مستوى لها”.
وهناك أسباب متعددة لتراجع المبيعات غير أن أكثر ما يثير قلقها، هو حرب الرسوم الجمركية التي تشنها واشنطن على العالم بأسره.
ولا يزال تأثير زيادة التعريفات غير واضح، حيث يمكن أن يتطلب ذلك المزيد من الوقت لكي يصل إلى سلاسل الإمداد والمتسوقين، غير أن الكثيرين يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع الأسعار، وتزايد التقارير التي تفيد بلجوء المستهلكين إلى تخزين السلع.
وتشير تقديرات جامعة ييل إلى أن زيادة الرسوم الجمركية يمكن أن تؤدي إلى تراجع طويل الأجل في القدرة الشرائية، يبلغ في المتوسط 2700 دولار لكل أسرة أميركية خلال عام 2025.
وبينما يقول ترامب إن الحرب التجارية ستؤدي إلى بزوغ “عصر ذهبي” للولايات المتحدة، فإنها تضرب الأنشطة التجارية الصغيرة مثل متجر ريكي لمستلزمات الكلاب بشدة.
ولم ترفع ريكي حتى الآن أسعار المنتجات التي تبيعها، ولكنها لن تستطيع الصمود طويلا حسب ما تقول، حيث أنها تستورد الكثير من المنتجات التي تشكل أطعمة الكلاب الجانب الأكبر منها من كندا، بينما تستورد الألعاب البلاستيكية ومقود الكلاب وغير ذلك من الملحقات من الصين.
والكثير من تجار التجزئة التي تتعامل ريكي معهم من أصحاب الأنشطة الصغيرة، وهم يعملون في أميركا الشمالية وفقا لقولها.
وحتى منتجات أولئك التجار الصغار تأتي غالبا من الصين، وتقول ريكي “إذا حاولت الاكتفاء بشراء المنتجات أميركية الصنع، فإن المتجر سيبدو مختلفا للغاية”.
وتضيف إن معظم زبائنها يضعون الأسعار في أولوية اهتماماتهم، خاصة وأن أسعار الاحتياجات اليومية من السلع آخذة في الارتفاع.
وتعد الصين موردا بارزا للسلع الاستهلاكية الرخيصة، للولايات المتحدة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وسواء كانت لصالح المتاجر الكبرى مثل ولمارت وأمازون، أو للمتاجر الصغيرة التي تعرض لعب الأطفال والملابس أو الأجهزة الإلكترونية أو الأدوات المنزلية.
وتوضح أليكسيس داماتو من مجموعة لحماية “غالبية الأعمال الصغيرة”، أن “الكثير من رواد الأعمال يعتمدون على سلاسل التوريد الصينية، سواء للحفاظ على استمرار أعمالهم أو لملء مخازنهم بالسلع.” وتمثل هذه المجموعة 85 ألفا من الأنشطة التجارية الصغيرة من مجموعة قطاعات واسعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وتقول داماتو إن صغار التجار هؤلاء هم أيضا جزء من سلاسل الإمداد العالمية، ولكنهم على عكس الشركات الأكبر حجما ليس لديهم إمكانية تذكر تحميهم من زيادات الأسعار، أو وسائل لتغيير الجهات التي تورد المنتجات لهم.
وتنتقد داماتو تذبذب سياسة ترامب التجارية قائلة “إنها تجعل المرء يشعر بأنه ستكون هناك رسوم جديدة أو تغيرات ما بين يوم وآخر،” وتضيف إن ذلك الشعور يجعل من المستحيل تقريبا التخطيط للأجل الطويل”.
وصارت الرسوم الجمركية وما تبعها من ارتفاع في الأسعار، مسألة بقاء على قيد الحياة بالنسبة إلى بيث بينكه المقيمة في ولاية مينيسوتا، والتي أوضحت في مقابلة مع محطتي الأخبار التليفزيونية “س.إن. إن” و “سي.بي. إس. نيوز”، عن نضال النشاط التجاري لأسرتها التي تبيع منتجات للأطفال مصنوعة في الصين.
وقالت إن شحنة جديدة من المنتجات بقيمة 160 ألف دولار، كانت جاهزة للإرسال عندما زادت الرسوم الجمركية إلى ما نسبته 125 في المئة، فتغير الوضع وأصبح يتعين عليها بدلا من أن تدفع 30 ألف دولار لاستيراد السلع، أن تسدد فجأة 200 ألف دولار وهو مبلغ لا تملكه حاليا، والآن من المنتظر أن ترتفع تكلفة استيراد السلع بدرجة أكبر.
ووصفت سياسة ترامب للجمارك بأنها بمثابة “صفعة على الوجه،” للكثير من زملائها في الأنشطة التجارية، وتضيف أنهم في حاجة إلى الدعم.
ولا تقبل داماتو حجة الحكومة الأميركية بأن زيادة الرسوم ستؤدي في النهاية إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتقول “هناك ما يكفي من الوسائل لتحقيق ذلك.”
وتتفق ريكي معها في وجهة النظر هذه، وتقول إذا أردت أن تعمق الإنتاج المحلي فيتعين عليك أن تستثمر في الدعم ومواقع الإنتاج والعمالة الماهرة.
وتوضح أن “الأشخاص الذين يستطيعون تشغيل آلات الحياكة، وإنتاج أعداد كبيرة من لعب الكلاب غير موجودين في الولايات المتحدة،” وتعلق على سياسة ترامب بشأن الهجرة قائلة “إذا كان يوجد هنا من يستطيع أن يقوم بهذه الأعمال، فإن الحكومة تقوم بترحيلهم بأقصى سرعة ممكنة”.
وما تريد ريكي أن تراه هو نهج متماسك من جانب الحكومة، وتشير إلى أن فرض رسوم جمركية هو جانب واحد فقط من الجوانب اللازمة لدفع الاقتصاد.
وأخذت المبيعات في متجر “حديقة الكلاب” تكافح لعدة أسباب، من بينها انتهاء الدعم الذي كان يقدم للأنشطة التجارية وقت تفشي جائحة كورونا، إلى جانب موجة التسريح الجماعي لموظفي الوكالات الفيدرالية، ما أفرز تأثيرا سلبيا خاصة في هذه المنطقة، حيث يقيم الكثير من العاملين بالقطاع العام في ولاية فيرجينيا، وينتقلون يوميا ذهابا وإيابا إلى أماكن عملهم في العاصمة واشنطن.
ومن ناحية أخرى انخفضت معدلات السياحة في أليكزاندريا إلى حد كبير، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في حركة السير على الأقدام، ومعها تراجع فرص التسوق من المتاجر المتراصة.
ورغم كل هذه التطورات انتهجت ريكي سبيلا عمليا، وحتى قبل أن يعود ترامب إلى الحكم، كانت قد بدأت في تنويع نشاطها التجاري. حيث أدخلت خدمة الرعاية اليومية للكلاب والعناية بالحيوانات الأليفة. وتقول إنها ترحب بالقطط أيضا في “حديقة الكلاب”.
