سمك التونة بين مكاسب الاستدامة وتحديات المناخ

التغير المناخي يؤثر في قدرة التونة على التكاثر ويدفع بها إلى أعماق المحيط.
الخميس 2025/05/08
أين تونة الغد

نيويورك (الولايات المتحدة) - ظلت التونة المعلبة، على مرّ السنين، رفيقا وفيا في مطابخ العالم بأسره، إذ تزخر بأحماض أوميغا – 3، وتحتوي على معادن نفيسة، وبروتينات عالية القيمة، وفيتامين ب12، فضلا عن مزايا غذائية أخرى لا تُحصى، غير أن هذه الخصال الفريدة جعلتها عرضة للطلب الهائل، والصيد الجائر، إضافة إلى تأثيرات تغير المناخ.

وفي محاولة لحماية هذا المورد الحيوي، خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من مايو يوما عالميا للتونة، تنبيها إلى ضرورة اتباع ممارسات صيد رشيدة. ومنذ ذلك الحين، شهد العالم تقدما ملموسا، ففي عام 2017 لم تكن سوى 75 في المئة من مصايد التونة مستخلصة من مخزونات سليمة، أما اليوم فقد تجاوزت هذه النسبة 90 في المئة، ويُعد من أبرز شواهد هذا التعافي عودة التونة زرقاء الزعانف الأطلسية إلى مياه جنوب إنجلترا وأيرلندا، بعد أن كانت شبه مندثرة هناك.

وفي هذا السياق، أعلن صندوق المناخ الأخضر، التابع للأمم المتحدة، مؤخرا، عن تقديم 107 ملايين دولار إلى 14 دولة جزرية في المحيط الهادئ، لتمكين اقتصاداتها المعتمدة على صيد التونة من التكيف مع تأثير تغير المناخ، الذي يدفع الأسماك بعيدا عن سواحلها.

ويُعد هذا أكبر مشروع للمنح في تاريخ الصندوق حتى الآن، حيث ستُستخدم الأموال لإنشاء أنظمة إنذار مبكر متقدمة، تتيح لهذه الدول تتبّع التغيرات في هجرة التونة، والسعي ربما للحصول على تعويضات عندما تؤدي المياه الدافئة إلى ابتعاد الأسماك عن مناطق الصيد.

107

ملايين دولار لـ 14 دولة جزرية لتمكين اقتصاداتها من التكيف مع تأثير تغير المناخ

وفي هذا الإطار، قال جاك كيتينجر، نائب الرئيس الأول في منظمة “الحفاظ على البيئة الدولية”، “هذه الدول تساهم بنسبة ضئيلة في أزمة المناخ، ومع ذلك ستخسر موردا كانت تديره بشكل أفضل من أي حوض محيط آخر.”

وأضاف “ما تعانيه هذه الجزر اليوم يجسد قضية العدالة المناخية، إذ تتحمل الدول الجزرية خسائر التغير المناخي، رغم كونها من أقل المسببين له.”

وكانت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قد أنشأت صندوق المناخ الأخضر عام 2010 كآلية لتمويل جهود الدول النامية في تقليل الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ. ويعتمد الصندوق، الذي يتخذ من كوريا الجنوبية مقرا له، على مساهمات الدول الغنية، غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن مؤخرا إلغاء 4 مليارات دولار من التزامات الولايات المتحدة تجاه الصندوق.

وقد أثار هذا القرار، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، قلقا واسعا لدى دول جزر المحيط الهادئ، التي تشعر بآثار التغير المناخي بشكل غير متناسب، من ارتفاع مستويات سطح البحر إلى اشتداد العواصف وتكرارها.

وعلّق لودفيغ كومورو، مدير وكالة مصائد الأسماك في منتدى جزر المحيط الهادئ، بالقول “قرارات ترامب المناخية أكدت الحاجة إلى حلول يقودها أهل المحيط الهادئ أنفسهم.”

وأضاف “لا يمكننا أن نغفل عن المخاطر لمجرد انسحاب طرف من اتفاقية باريس. ففي نهاية المطاف، إذا لم نواجه تغير المناخ، فسيكون سبب فنائنا جميعا.”

وتعتمد حكومات الدول الجزرية بشكل كبير على عائدات تراخيص ورسوم صيد التونة كمصدر رئيسي للإيرادات العامة، من الشركات في دول مستهلكة كبرى مثل اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، حيث تصل هذه العائدات في بعض الحالات إلى أكثر من 80 في المئة من دخل الدولة.

وتُعد الدول الحاصلة على المنحة مصدرا لحوالي ثلث الإنتاج العالمي من أسماك التونة، لاسيما أنواع السكيبج، والصفراء، وكبيرة العين، والبيضاء.

وقد وُجهت المنحة إلى كل من جزر كوك، فيجي، الولايات الفيدرالية لميكرونيزيا، كيريباتي، جزر مارشال، ناورو، نيوي، بالاو، بابوا غينيا الجديدة، ساموا، جزر سليمان، تونغا، توفالو، وفانواتو.

نهج الدول في إدارة مصائد التونة قصة نجاح نادرة في مجال الاستدامة البيئية
نهج الدول في إدارة مصائد التونة قصة نجاح نادرة في مجال الاستدامة البيئية

ويُعد نهج هذه الدول في إدارة مصائد التونة قصة نجاح نادرة في مجال الاستدامة البيئية. ففي عام 1982، اجتمعت ثماني دول جزرية في ناورو للاتفاق على إدارة مصائدها وتقاسم الفوائد. ومنذ ذلك الحين، طوّرت أطراف اتفاقية ناورو، التي تُعرف اختصارا بـ”أوبك التونة”، نظاما متكاملا لتنظيم الصيد بالشباك الكيسية، وجمع العائدات غير المتوقعة، والحد من الصيد الجائر، لاسيما الذي كان يهدد التونة زرقاء الزعانف.

ويُعزى التحسن الذي تحقق إلى الجهود المنسقة بين الحكومات عبر خمس منظمات إقليمية لإدارة مصائد التونة، وبدعم من برنامج “المحيطات المشتركة” الذي تقوده منظمة الأغذية والزراعة (الفاو). وقد أسهم اتباع إجراءات إدارية مسبقة، تُقر بين العلماء والمديرين والصيادين قبل انطلاق مواسم الصيد، في الوصول إلى هذه النتائج الملموسة.

لكن، ورغم هذا التقدم، فإن الحفاظ على روح اليقظة يبقى ضرورة لا غنى عنها. فقد أدى اعتماد اتفاق الأمم المتحدة لعام 2023 بشأن التنوع البيولوجي خارج نطاق الولاية الوطنية، المعروف بـ”معاهدة أعالي البحار”، إلى تعزيز الجهود الرامية إلى حماية الإرث البحري، وإن ظلت التحديات قائمة.

فالتغير المناخي يؤثر في قدرة التونة على التكاثر، ويدفع بها إلى أعماق أبعد في المحيط، مما يزيد من كلفة صيدها، ويهدد أرزاق المجتمعات الساحلية الفقيرة.

ولا تزال المعركة مستمرة لمنع وقوع طيور القطرس، وأسماك القرش، والحيتان، والسلاحف في شراك الشباك وخطاطيف الصيادين، حيث تواجه أنواع عديدة من القطرس خطر الانقراض إلى حد بعيد نتيجة لهذه الظاهرة.

ويبقى التعاون الدولي المستمر حجر الزاوية في بناء مصائد تونة مستدامة فعلا، وفي الاستعداد لما يحمله المستقبل من تحديات.

16